"الملعوب" وأفيون الشعوب

شهدت المواسم الأخيرة التي تلت الثورة بروز عدة أندية خارج دائرة العاصمة والساحل اللذين تعود ممثلوهما السيطرة على خارطة كرة القدم التونسية..

السنوات الأخيرة شهدت صعود عدة أندية لأول مرة في تاريخها على غرار نجم المتلوي وأولمبيك سيدي بوزيد واتحاد بن قردان مع انضمام مستقبل القصرين إلى الكبار في مناسبتين بعد غياب لعقود..

تغير خارطة كرة القدم التونسية ولئن عزاه الكثيرون إلى أسباب فنية بالأساس بتحسن المستوى في هذه المناطق إلا أن شقا آخر يرى في الأمر علاقة وطيدة بالسياسة التي دائما ما كانت صاحبة اليد الطولى داخل الساحة الرياضية التونسية ومنذ عهود..

انضمام أندية لا تملك تاريخا في الرابطة الأولى إلى ملعب الكبار جعل الحديث عن تأثيرات السياسة طرحا يجد صدى عميقا خصوصا أن الأندية المعنية بالصعود تنحدر من مناطق تصنف منذ العهدين السابقين ضمن "المناطق الساخنة" على غرار الحوض المنجمي أو سيدي بوزيد والقصرين ومدنين..

ترتيب الموسم الحالي يعكس صورة لم نعهدها في سنوات سابقة إذ يتقدم نجم سيدي بوزيد الترتيب أمام النادي الإفريقي والنجم الساحلي كما أنه يتساوى نقاطا مع الترجي الرياضي..

وأكثر من ذلك نجح أولمبي سيدي بوزيد في الإطاحة بالبطل النادي الإفريقي في مباراة تسيد أغلب أطوارها وها أنه اليوم يتمركز ثانيا برصيد 12 نقطة من 4 انتصارات متتالية لم يشاركه في تحقيقها إلا السي أس أس والترجي الرياضي..

نجم المتلوي من جهته يتواجد في مركز جيد حيث يحتل المرتبة الرابعة متقدما على الإفريقي والنجم بعد تحقيقه 3 انتصارات وتعادل مقابل هزيمة وحيدة كانت أمام الترجي الرياضي بملعب رادس..

المتلوي لا تبدو نتائجه بعيدة عما يحققه أولمبيك سيدي بوزيد فكلاهما قدم بطاقات اعتماده هذا الموسم بفضل مردود محترم جعل منهما رقما صعبا بعد مرور خمس جولات ناهيك أن أبناء محمد الكوكي أطاحوا بدورهم بوصيف الموسم الماضي والمتأهل إلى نهائي كأس "الكاف" النجم الرياضي الساحلي..

وبعيدا عن أية تبريرات لهذا الطرح فإن الحديث عن صعود أندية "المناطق الساخنة" إلى حضرة الكبار يطرح من حوله سؤالا سياسيا يبتعد عن الجانب الرياضي ذلك أن القول الماركسي "الدين أفيون الشعوب" أسقطت على الواقع الكروي منذ سنوات حتى صارت الساحرة المستديرة "أفيونا" بدورها تستهلكه الأمم بنهم كبير..

لن نقول إن تواجد سيدي بوزيد والقصرين -وهما مرجع الثورة ومنطلقها- بالإضافة إلى نجم المتلوي – الرامزة للحوض المنجمي- واتحاد بن قردان هو نتاج تخطيط سياسي هدفه صرف اهتمام سكان هذه المناطق إلى الكرة ولكن يحق لنا السؤال ربما..

الملاحظ اليوم أن هذه المناطق التي لم تهدأ يوما منذ الثورة قد استكانت وعاد إليها هدوؤها بل أن سيدي بوزيد ترقص اليوم فرحا بما يحققه زملاء خلدون منصور وخفت بالتالي حراكها النقابي والسياسي..

أما الحوض المنجمي فلم تعد تردنا منه أخبار عن احتجاجات تتعلق بالعاطلين عن العمل أو إشكالات داخل شركة الفسفاط وقد يكون لتلألؤ "نجم المتلوي" مفعوله على أنصاره من سكان الجهة..

وقد لا يقتصر الأمر عند النتائج الحالية ذلك أن استضافة فرق بعراقة وشعبية النادي الإفريقي والترجي الرياضي وبدرجة أقل النجم الرياضي الساحلي والنادي الرياضي الصفاقسي قد يضمن بعض العدالة الكروية في هذه المناطق التي لم تحظ فيها سبق بفرصة ملاقاة فرقها المفضلة..

وديع الجريء رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم كان قد نفى حدوث اتصالات بينه وبين محسن مرزوق أمين عام نداء تونس من أجل أن يضمن صعود أندية "المناطق الساخنة" حتى يساهم ذلك في امتصاص الاحتقان داخلها رغم أن الذاكرة تحفظ تورطه في السياسة سابقا وهو الذي سبق أن راسل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يشكوه طارق ذياب وزير الشباب والرياضة الأسبق بصفته وزيرا عن الحركة..

الخارطة الكروية الجديدة قد تكون صناعة رياضية خالصة لكن ضلوع السياسي خلفها لا يبدو خيارا غير وارد ذلك أن تكون المشهد على شكله الحالي قد لا يكون بريئا خصوصا مع اتهامات لرئيس الجامعة بالوقوف وراء خلق تشكل جديد للساحة الكروية في تونس..

قد يذهب البعض إلى أننا نتهم الجريء بحياكة مشهد على هواه خدمة لأجندات معينة أو أننا نشكك في انجازات أبناء سيدي بوزيد والمتلوي وغيرهما الرياضية ولكن ليس ذلك ما نرمي إليه ولكن هي قراءة أخرى في المشهد الكروي الذي يشهد اليوم إعادة توزيع جغرافي لأنديته بشكل تبدو يد الفاعل السياسي متورطة فيه رغم الصورة البريئة التي يحاول البعض تسويقها..

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.