تونس في حاجة إلى استقلال اقتصادي

بـسـام حـمـدي-

 

أكثر من ستين سنة تمر اليوم على إنهاء حقبة تاريخية حُبلى بجرائم المستعمر الفرنسي وجبروته وحبلى كذلك بمقاومة مسلحة وبتضحيات ونضالات رجال ونساء ارتوت الأراضي التونسية بدمائهم بعد أن قارعوا قوات استعمارية استبدت بهم وببلادهم وافتكت ما لديهم من أراضي زراعية وفلاحية.

تونس نجحت منذ اثنتين وستين سنة في الحصول على استقلالها العسكري والسياسي على مرحلتين، ففي سنة 1955 تحصلت تونس على استقلالها الداخلي ثم أسفرت فيما بعد مفاوضات اجراها الحبيب بورقيبة مع المستعمر الفرنسي عن بروتوكول الاستقلال في 20 مارس 1956 اعترفت فيه فرنسا علانية باستقلال تونس لكنها أخفت مواصلة استغلالها لثرواث تونس اعتمادا على وثيقة الاستقلال الداخلي.

الاستقلال التام لم يتطرق الى الجوانب الاقتصادية بقدر ما اهتم بالجوانب البروتوكولية ونص فقط على أن تونس مباشرة لمسؤولياتها في مادة الشؤون الخارجية والأمن والدفاع وكذلك تكوين جيش وطني تونسي في نطاق احترام سيادتها وسيادة فرنسا..

فرنسا استمرت في استغلال ثروات تونس ومازالت عقود استغلال عدة ثروات باطنية سارية المفعول بعد اثنتين وستين سنة اعتمادا على وثيقة الاستقلال الداخلي التي أُمضيت بين تونس وفرنسا في 3 جوان 1955 وهي وثيقة تتعلق بتنظيم كل المجالات الأمنية والاقتصادية والقضائية والاجتماعية وبقيت سارية المفعول حتى بعد توقيع بروتوكول الاستقلال عام 1956 حيث لم ينشر عدد كبير من ملاحق اتفاقية الاستقلال الداخلي رسميا بالرائد الرسمي.

قراءات عديدة لمؤرخين ونقاد تشير كذلك الى أن وثيقة الاستقلال الداخلي لتونس لم تشمل الاستقلال الاقتصادي والزراعي والعسكري بل نصت على إقرار صلاحيات محدودة للحكومة التونسية تعهدت ضمنها تونس لفرنسا بألاّ تؤمم الثروات الباطنية والنفطية وهنا يتضح سرّ صمت الحكومات على النفط والملح وهي  خضوع هذه الثروات لاتفاقيات الاستقلال الداخلي حتى أن تونس عاجزة الى حد اليوم عن إبطال نشاط الشركة الفرنسية لاستغلال وتصدير الملح الفرنسي.

ولم تضمن وثيقة الاستقلال الداخلي كذلك الحقوق الدنيا لحماية مصلحة الدولة التونسية، بل أعطت امتيازات مجحفة للمستعمر الفرنسي في استغلال الأراضي التونسية لاستخراج المواد الطاقية ونقلها، دون أن يكون لتونس الحق في تغيير العقود أو مراجعتها علما وأن الدولة التونسية قامت في السبعينات ببعض المحاولات  لتحسين شروط التفاوض.

وبعد ثورة 2011، طالبت عدة جهات حقوقية تونسية وعدة منظمات بمراجعة اتفاقيات استغلال ثروات تونس من قبل الشركات الأجنبية وطلب رئيس الحكومة السابق مهدي جمعة من فرنسا الاطلاع على وثيقة الاستقلال الذاتي  للاطلاع على التزامات تونس تجاه الشركات الأجنبية لكن حكومته لم تقدر على مراجعة اية اتفاقية.

وتقر تونس بتكبد خسائر مالية كبرى جراء مواصلة المستعمر الفرنسي استنزافه المجحف للثورات الطبيعية التونسية حيث يشير تقرير دائرة المحاسبات لسنة 2012، الذي تم ضمنه التدقيق في 7 رخص من سنة 2005 الى سنة 2010، أن ما يقارب عن 142 مليون دولار غير مستخلصة من الشركات الأجنبية العاملة في القطاع النفطي و أبرز كذلك الخروقات الخطيرة المتعلقة بعملية المراقبة وضبط كميات الانتاج.

الاستعمار الاقتصادي تترجمه اتفافيات استغلال الثروات الباطنية, ويؤكده ارتفاع حجم الدين الخارجي والحال أن تونس دولة غنية بثرواتها المنجمية والنفطية والفلاحية.

تونس اليوم وبعد اسقاط نظام دكتاتوري دخلت طورا انتقاليا جديدا تحتاج فيه الى فرض استقلال اقتصادي واعادة مراجعة كل الاتفاقيات المتعلقة باستغلال ثرواتها من طرف الشركات الأجنبية لاستكمال المسار الديمقراطي دون أن يستبد بها الدين الخارجي ودون أن تكون مرتهنة لاملاءات المؤسسات الدولية المانحة ودون أن تفرط في بعض مكتسباتها استجابة لطلبات صندوق النقد الدولي.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.