لطالما كانت التحولات السياسية الداخلية الأمريكية…
لطالما كانت التحولات السياسية الداخلية الأمريكية قاطرة لتحولات جيوسياسية خارجية تشمل دولا أخرى. وهذا كله يتجسد من خلال الدور الهام الذي تضطلع به الولايات المتحدة الامريكية في السياسة الخارجية العالمية. وبالتالي فان توجه أنظار جل الدول الى متابعة نتائج الانتخابات الرئاسية أمر روتيني كل أربع سنوات. لقد كان صعود الملياردير السياسي ترامب لتسلم العرش في البيت الأبيض أمرا مفاجئا لأغلب المتابعين. اذ أن شركات سبر الاراء كانت هامشية في وضع ارقام لم تتوافق مع أرضية الميدان. أرضية الميدان التي مالت لكفة ترامب، هذا الرجل الدخيل عن عالم السياسة. لكنه الملهب والمحرك للجماهير بخطاباته التي تكتسيها طريقة ملهمة أو ملهبة جعلت ناخبيه ينزلون بثقلهم لدفعه نحو الانتصار.
ان أول الدروس التي من الممكن أن نتعلمها من هذه الانتخابات التي شابتها حملة غريبة كما وصفتها عدة وسائل اعلام، هو أن الشارع له قدرة على مساندة مترشح شيطنته وسائل الاعلام، و أن شركات سبر الاراء برغم ما لها من امكانيات ضخمة إلا أنها قد تكون مخطئة في تقييم توجهات وميولات الشارع الانتخابي، وأن العلاقات الخارجية ليست ذات قيمة مطلقة في تحديد من يرأس دولة ما.
أما الان وقد وصل ترامب، و لأنني براقماطي وطني، سأتحدث من جهة علاقة الدولة التونسية بالولايات المتحدة الأمريكية، و هذا ما يعنيني حقيقة.
لا يختلف اثنان، في أن هذه العلاقة تاريخية وقوية، الا أن هناك حديث عميق يتبنى عنوان وجود تغيرات عميقة ستدخل على النظرة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط و شمال أفريقيا. هذا التغير اذا قد يشمل الدولة التونسية، هذه الدولة التي بنت سياسة دبلوماسية قوية ظلت صامدة رغم معرقلات بانت مع صعود شخصيات لا تجيد تسيير هذا المجال. اننا كدولة في حاجة الى تعاملات خارجية، خاصة اقتصاديا وأمنيا وعسكريا واستخباراتيا. لكن علاقتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية تأخذ صبغة عسكرية واستخباراتية أكثر من اقتصادية. وهذا لا ينقص من أهميتها شيئا. وربما هذه العلاقة ستشهد تطورا خاصة مع التحولات التي تشهدها المنطقة. اذا فالدولة التونسية تحتاج فقط الى مسايرة النسق العادي لسياستها الخارجية، والذي يتبنى أولوية توفر علاقات قيمة وجيدة مع مختلف الدول الأخرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية. كذلك أولوية عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وأن تتعامل دولتنا دوما مع الأنظمة القائمة التي تسير شؤون شعوبها. وبلا شك ربط علاقات جيدة مع فريق الرئيس الجديد مهم جدا. وهذا أكيد موجود في برنامج الرئاسة والحكومة التونسية.
ان دولتنا في حاجة الى علاقات متميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ساسة بلادنا ليسوا في حاجة لها على الاطلاق. لأنه كما حدث عندهم، فان شعبنا فقط هو من يقرر مصيره بنفسه ويحدد قيادته السياسية في انتخابات واضحة المعالم. وان هذا لفخر وشرف خصوصا أن شعلة مضيئة وسط منطقة تعيش مأزق أعمق و أكثر تأزما. و الايمان عميق أن دولتنا برغم صغر مجالها الا أن وحدة شعبها هي قوة كبرى لن تجدها في كل الدول الأخرى. و لن تنطفئ هذه الشعلة ما دامت الوحدة قائمة.