الصافي سعيد يصدر روايته الجديدة “الكيتش 2011” وينشر فصلا منها

نشر الصحفي والروائي الصافي سعيد فصلا…

أصدر الصحفي والروائي الصافي سعيد رواية جديدة تحمل عنوان ” الكيتش 2011″، وهي متوفرة حاليا في المكتبات.

ويعتبر الصافي سعيد من أغزر الكتاب التونسيين انتاجا حيث نشر 4 روايات وعددا مهما من الكتب السياسية والإستراتيجية والتاريخية لعل أهمها كتابه الموسوعي “خريف العرب”، ومن انتاجاته أيضا سنوات البروستاتا، حوارات الثورة، المضاد الحيوي: مخاضات بين زمنين، الاغواء الملكي، جدل ما بعد الثورة، المعادلة التونسية، جيوبوليتيك الدم.

وقد نشر هذا الفصل من رواية “الكيتش 2011″على صفحته الرسمية على الفايسبوك:

 

قبل أن يتزوج أرسطو أوناسيس، جاكلين، أرملة الرئيس كنيدي، دعاها إلى طنجة. أوقف يخته في المكان الذي أرست فيه باخرة روزفلت خلال الحرب العالمية الثانية.. ثم صعد إلى سطح الطابق العلوي وصرخ: «ها هنا من حيث عبر روزفلت إلى السلام نحو يالطا للقاء بستالين.. ومن حيث انطلق كريستوف كولومبس إلى العالم الجديد، أعلن للعالم زواجي من السيدة جاكلين كينيدي».. لم يكن أوناسيس ثملا أو سكرانا، ولكنه كان رجلا يعرف كيف يربح التحديات ويظل واقفا.. كانت مارلين مونرو قد التقت بأوناسيس في إحدى السهرات، وحصلت بعد ذلك اللقاء، مداعبات وربما مغامرات بينهما، لكن جون بشبابه ومجده الرئاسي استطاع أن يخطف مارلين مونرو من أحضان أوناسيس.. وكأي إغريقي له طبع الجبال والبحار، لم يغفر لكينيدي ذلك الخطأ.. فقد تمكن خلال عام واحد أن يسرق قلب زوجته جاكلين.. ثم سرق القدر أو المافيا جسدي مارلين مونرو وجون كينيدي حين تم اغتيالهما.. وبعد عامين، أو أكثر يقليل تزوج أوناسيس من الأرملة جاكلين.. قال أوناسيس فيما بعد لمجلة «لايف» «حين نلعب جيدا، يكون القدر حليفنا.. لقد كنت دائما ألعب بطريقة جيدة»..
لم يكن ثمة ما يزعجني ذلك المساء. لقد استعدت نشاطي بعد فترة من الكآبة بسبب فسخ خطوبتي مع مروان. قال لي أبي آنذاك:
– لن تستطيعي العيش في الجزائر.. مروان شاب أنيق وابن عائلة كبيرة.. ولكنه لا يستطيع أن يعيش إلا في بلده.. أبوه رجل عالم وسليل دايات ومروان وحيد والده ولا أعتقد انه سيأتي إلى طنجة ويترك أراضي والده للآخرين.. 
ثم أضاف..
– الجزائريون يحبون المغرب، لكنهم يحبون بلدهم أكثر.. ليسوا مضطرين الآن أن ينتقلوا للعيش في تونس أو المغرب كما كان الحال زمن الاستعمار..
مثل ذلك الكلام لم يقنع ساندرا سلطاني بأن تفسخ خطوبتها مع مروان داي، ابن البروفسور إسماعيل داي. في الحقيقة من أقنع ساندرا بذلك هو الرسام والباحث في الحضارات خوسيه بلانتيرو.. قال بلانتيرو لساندرا ذات مساء وهو يدربها على مزج الألوان بداره المطلة على المضيق:
– جاءني مروان إلى غرناطة.. أرسله أبوه إلى عندي.. وخرجنا معا.. اتخذته صديقا. وجدته شابا رائعا في البداية.. ثم عرفت أنه مدخن للحشيش.. ومعاشر للصبيان..
كان كلام بلانتيرو بمثابة الصدمة.. لم تنتظر منه أن يكون فجا بتلك الطريقة. أحست بانقباض شديد ثم راحت تسعل بقوة.. لم تدخل في جدال مع بلانتيرو، فقررت الانسحاب والعودة إلى بيتها. ومنذ ذلك المساء لم تخرج ساندرا من غرفتها إلى أن دعاها بلانتيرو على عشاء جماعي.. كان مروان ربما حلم حياتها، ولكن ها هو يتبخر من ذهنها دونما أسف كبير!.. لقد نسفه بلانتيرو نسفا وبات الآن ربما بديلا لمروان، حتى وإن كان الأمر بلا غبطة كبيرة.. فبلانتيرو يعرف جيدا أن الرجل متى أخرج رجلا من قلب امرأة، أخذ مكانه، ذلك أن المرأة سرعان ما تحب ذلك الرجل الثاني باعتباره منقذا لها!..
قال لي أن صديقه الياهو دانيال سيقيم عشاء على شرف أحد رجال الأعمال الخليجيين.. وأنه يود أن اكون حاضرة معه.. ثم أضاف..
– أريد أن أخرجك من هذه الكآبة يا ساندرا.. انطلقي إلى الحياة. لازلت شابة نظرة وذكية..
لم أمانع. وجدت في كلامه شحنات إيجابية، فأبديت استعدادي، وفي مساء اليوم نفسه كنت كأميرة في انتظار فارسها.. غالبا ما كانت تلك النزعة الرومانسية التي أحتضنها بداخلي تأخذني على أجنحة سريعة إلى الأماكن التي أحب أن أذهب إليها. وقد كان من الممكن أن أتخيل ذلك العشاء قبل أن أذهب إلى بيت الياهو دانيال، ولكني ما كنت أود إفساد المتعة حين حدوثها، أو قتل الدهشة بداخلي.. إن ما تفتقده مبكرا حين ندخل إلى عالم الكبار هو الدهشة، بينما الفلاسفة الكبار يصرون على البحث عن الدهشة حتى في الأشياء البسيطة.. 
اخترت أحلى فساتيني لذلك العشاء. قليلا ما أرتدي القفاطين أو الفساتين، ولكن هذه المرة أردت أن أكون في شكل سيدة لا في شكل فتاة طائشة من فتيات الفايسبوك.. إن الفساتين تمنحنا الأنوثة والدلال وتجعلنا أكثر حضورا ورغبة لدى الرجال.. ما من رجل قوي لا يحب أن يقف ويتكلم ويسلم على سيدة ترتدي فستانا.. كنت ألاحظ كيف يقبل الرجل يد المرأة إذا كانت ترتدي فستانا، وكيف يكتفي بمد يده من بعيد على امرأة أخرى ترتدي بنطلونا.. الفستان هو الوعد المؤجل بالنسبة للرجل. أما البنطلون فهو الرفض المبطن وغير الواعي لإمكانية حدوث أي انفتاح.. هكذا يفهم أغلب الرجال. وهكذا يتصرفون. فطبقا لما تبديه المرأة من خلال فستانها يتحول الرجل إلى كائن بشري عار وشفاف..
كان هناك تنوع كبير من المدعوين، تنوع في الأسماء والجنسيات والأديان واللغات وكذلك في الألوان.. لأبدأ أولا بتلك السيدة الزنجية التي ترتدي زيا إفريقيا والتي تدعى إيزابيلا غوبيتا، وهي سفيرة سابقة لبلادها بورندي في المغرب.. كانت تشبه السيدة ويني مانديلا في ضحكتها وتحديها وشموخها.. (رفعت هذه المرأة من شموخ المرأة الإفريقية. ظلت متمسكة بالنضال الطبقي إلى أن دخلت في صراع مع أرستقراطية حزب المؤتمر.. قال هؤلاء الذين يغيرون منها.. لمانديلا وهو في السجن، أنها تخونه مع الشباب.. لم يكن متأكدا. ولما خرج من السجن، قام بطلاقها ثم تزوج من أرملة صديقه سامورا ماشيل الموزمبيقية.. إن قصة ويني ونيلسون هي قصة الحب الجريح في جنوب إفريقيا تماما مثل قصة الثورة المخدوعة!..)
صاحب الدعوة الياهو دانيال هو الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي والذي يملك حاليا منتجعا كبيرا لليخوت في طنجة وآخر في إسبانيا (على ساحل ماربيا) إلى جانب كازينو في جزر الكناري، وذلك حسب ما عرفته من خوسيه بلانتيرو والذي قال أيضا: أن الياهو من يهود إسبانيا السافارديم. فما إن فكر في عالم الأعمال حتى عاد إلى إسبانيا.. الياهو دانيال هذا كان رجل خمسينيا، لكنه اصغر من عمره بكثير.. 
أشار لي بلانتيرو قائلا:
– هل رأيت تلك السيدة التي تقف إلى جانب الياهو التي سلمنا عليها عند دخولنا؟
كنت أحاول أن ألتفت إلى حيث يشير بلانتيرو ولكنني لم افعل ذلك إلا بعد أن سمعته يقول: 
– تلك المرأة ليست زوجته.. إنها سيدة شهيرة في عالم الأزياء، تسمى شاهي شهبار.. قدمت من إسطمبول واعتقد أنها عشيقة له..
في تلك اللحظة وأنا التفت بحذر لأراها جيدا، رأيتها تتقدم نحو رجل خليجي، ثم وقفت قبالته وراحت تتحدث إليه كما لو أنها تمازحه.. آنذاك قال لي بلانتيرو:
– ذلك الرجل خليجي،اسمه مصعب وأعتقد أنه من قطر. وهو شريك الياهو في كثير من الأعمال. فهو أيضا يملك منتجعات سياحية كثيرة في طنجة وكذلك في شرم الشيخ..
– لا تقل لي أنه شريكه أيضا في تلك السيدة. فهي تبدو ولهانة بالسيد الخليجي!؟
أكمل بلانتيرو حديثه باتجاه آخر فقال لي:
– انظري ذلك الرجل الذي يرتدي شورتا مقلما.. ربما أمر غير مألوف أن نرى هذا في حفل عشاء أو حفل شاي.. ولكن لا بد أن يكون صاحب حظوة. سأقول لك من هو. انتظري. انتحى جانبا باتجاه رجل كان يحاول أن يلتقط صورة سلفي مع إحدى الحاضرات.. وشوش معه بعض الكلمات ثم عاد ليقول لي..
– إنه الحارس الشخصي لشاهي شهبار.
فهمت أنه قد يكون العشيق الخفي لها.. فقلت له:
– الحارس الشخصي لماذا هو هنا وسط الضيوف.. لعله أحد العشاق..
-لا اعتقد.. انظري إنه يرتدي مع الشورت قميصا شفافا يكاد يلتصق بجسده.. ثم أضاف..
– إنه «غي».. صديقي ساباتو الذي سألته أوحى لي بذلك. يعرفه جيدا، والياهو دانيال رجل شرقي وغيور..
باختصار، كان عدد المدعوين يفوق العشرة أشخاص. وربما كان هناك ما يثير الفضول، ولكني شخصيا لم أجد ما أثار فضولي أو إعجابي.. تحدثت مع أغلبهم وحاول معظم الرجال أن يكونوا مرحين معي وقد أكثروا من مديح بلانتيرو لأنه يصطحب معه امرأة شابة وجميلة. ودون مبالغة، فإن أكثر ما شد انتباهي هو حضور تلك السيدة التي قدمت نفسها على أنها صحفية وتدعى ستيفاني نيكولاس.. أعجبني حضورها وأناقتها وكذلك لكنتها حين تتكلم بالعربية (وهي دارجة خليط بين التونسية والمصرية) ثم ثقافتها.. كان ذلك الرجل الخليجي الذي يدعى مصعب لم يفارقها إلا قليلا. وحين كنت أتحدث إليها كان لا يكف عن التحديق بي كما لو أن لديه ما سوف يقوله لي دون أن تعرف ستيفاني. تعمدت الانسحاب بدعوى أنني أريد أن أغير كاسي، فأسرع مناديا على النادل.. اختار لي كأسا من الوسكي، فاعتذرت وقلت له:
– لا أشرب الوسكي.. اكتفيت بكأس من النبيذ وسوف أضيف كأسا أخرى لا أكثر.. 
ذهب ذلك النادل ثم جاء نادل آخر يحمل قنينة من النبيذ الإسباني.. أمسك مصعب الكأس ليصب النادل. ثم ناولني قائلا:
– هذا على نخب ستيفاني يا ساندرا ناطحا كأسه بكأسي.. ثم سألني:
– هل سمعت من قبل برجل اسمه مصعب الصراف؟..
*** *** ***
تبلغ الثقة بالنفس في بعض الرجال أحيانا حتى لنتخيل فعلا أنهم اباطرة غير متوجين أو أخوة أشقاء لرجال عظام مثل ايمانويل كانط أو المهاتما غاندي. عاش ومات كانط دون أن يتزوج. فكر مرتين في الزواج لكنه لم يقدر على الزواج.. الفتاة التي أحبها كانط كانت ثرية لكنه قال لها: لن أتزوجك إلا إذا كنت قادرا على أعباء وتكاليف الزواج.. في النهاية مات أعزب وهو في الثمانين.. أما المهاتما غاندي فقد كان يحكم إمبراطوريتين وأمتين عظيمتين.. البريطانية التي وضع لها حدودا جديدة وجعلها متواضعة، والهندية التي بنى أعمدتها وأطلقها لتجربة الوجود.. ومع ذلك التقى بسيدة صغيرة من الكشمير طالبة الزواج قال لها:
– إذا كان بإمكانك أن تكوني رقيقة مع عنزتي، فإني سأتزوجك..
أما ذلك الرجل الذي اسمه مصعب الصراف لا شك أنه لايزال غير قادر كيف يكون هو نفسه دون أن يحتاج أن يكون رجلا آخر. هكذا قلت لخوسيه بلانتيرو، حين غادرنا ذلك الحفل.. ففجأة قررت الانسحاب وطلبت من بلانتيرو أن نعتذر وننسحب، وإلا فإنني سأفعل ذلك لوحدي.. قلت له بنوع من النرفزة..
– خوسيه.. مزاجي تعكر.. هذا ليس مكاني.. أنا سأذهب. هل ستذهب معي أم لا ؟
في الطريق هدأ خوسيه من روعي ودعاني إلى مطعم متواضع.. وقال لي كأنه يعتذر.. 
– أنا نفسي لم أكن مرتاحا.. عالم آخر من الادعاء والتشبه.. كنت أحسبه حفل عشاء. فإذ به حفل شرب.. أضاف خوسيه..
– في هذا العالم.. كثيرون من الحثالات يريدون أن يصبحوا نبلاء. ولكي تظهر نبيلا عليك أن تكون مرغما على التظاهر. وحتى تفعل ذلك لا بد أن تكون قادرا على التظاهر ومحكوما عليك بالبذخ والرفاهية والسخاء إلى حدّ العجرفة (كان الأرستقراطيون ولازالوا يتفوقون على الطبقات الأخرى بالإنفاق والكرم حتى حين لا يكون في مقدورهم.. ذلك ما ميزهم على الأدنى منهم اجتماعيا مثل الفلاحين.. ولكن حديثي النعمة والأغنياء الجدد يفعلون نفس الشيء.. يكثرون من البهرج والإنفاق والبذخ حتى يعتقد الأكثر منهم رفعة أنهم صاروا مثلهم يمتلكون أخلاق النبلاء!.. وفي النهاية النبيل يصرف كل ما لديه بانشراح لأنه يريد أن يحافظ على نبالته.. وحديث النعمة ينفق كثيرا بتذمر لأنه يريد أن يكون نبيلا لكنه يبقى خسيسا..)
كانت ساندرا وهي تتحدث مرحة إلى ابعد الحدود. كادت أن تفقد انشراحها في بيت الياهو دانيال لفقدانها المرجعيات الصحيحة لذلك الحضور.. وحين غادرنا عاد إليها ذكاؤها ومرحها.. سمعتها تقول كما لو أنها فيلسوفة ساخرة: 
– إننا نعيش في عالم من التشبه والشبهات.. الجميع أصبح يفتري على الواقع حتى لا يكشف حقيقته.. الرجال الذين يسمون بالأقوياء أو الناجحين هم في الغالب نماذج مموهة داخل فضاء من الشبهات.
بعد ذلك ضربت مثالا:
– خذ مثلا ذلك الذي اسمه الياهو دانيال.. لا شك أنه قتل عشرات الفلسطينيين الفقراء وزرع الوباء والمبيدات في مزارع اللبنانيين.. وبعد حياة من الفضاعة والترهيب، ها هو يعيش حياة أخرى من البذخ، لا أعتقد أن رجلا مثل الياهو يقرأ القصائد أو يحب الرسم.. نفس الشيء بالنسبة لذلك الخليجي الذي اسمه مصعب الصراف.. متى يمكن لذلك الرجل أن يكون غنيا.. إنه يحتاج إلى عقدين آخرين من الخبرة والعمل والتجريب حتى يكون غنيا.. ذلك الرجل يبدو قويا ومتماسكا ولاعبا بالنساء لأن اسمه رجل أعمال خليجي فقط.. هكذا تعقد الحواجب وتتمطط الشفاه وتتأوه القلوب وتتعقد الألسن ويحتار حتى المنجمون حين يلتقي رجل أعمال يهودي مع رجل أعمال خليجي في بلاد اسمه المغرب.. لن يكون لذلك إلا تفسير واحد، هو أننا نعيش ما أخبرنا به الحسن الثاني قبل أكثر من عقدين.. (العبقرية اليهودية مع مال العرب من شأنهما أن يصنعا المعجزة..). وهل ثمة من معجزة بعد خراب البصرة!..
قلت لخوسيه أيضا، أن هذا المثل كثيرا ما يردده والدي. وقد انتظرنا طويلا حتى خربت البصرة ولم تأت المعجزة..
ردّ خوسيه عليّ بشيء من الاعتداد بالنفس باعتباره أستاذ متخصص في فن العمارة عبر الحضارات.. قال لي:
– أولا يا ساندرا أريدك أن تكوني متعايشة مع هذا العالم من الشبهات.. كل الأوساط بداخلها «أوساط غير نظيفة» ثمة من يتقن التخفي والإخفاء وثمة من لا يتقن ذلك.. إن العالم الجديد يرى نفسه في الصورة التي يرسمها لنفسه. علينا أن نقبل بأولئك الناس بصورهم لا بجوهرهم.. وأما المثل الذي يكثر من ذكره والدك فهو يضرب للذي ينجز عملا بعد فوات الأوان.. لقد صادف أن اشتعلت ثورة في البصرة عرفت بثورة الزنج وأخرى في منطقة محاذية بإيران.. وكان رأي القائد العسكري أن يذهب إلى إيران لإخماد الثورة هناك، فحدث أن خربت البصرة.. وبعدما انتصر القائد في إيران، عاد لينتصر في البصرة.. ولما عاد إلى بغداد قال له الخليفة: نصرك مهم.. ولكن جاء بعد خراب البصرة!..
التقطت ساندرا من الحكاية عبارة «بعد فوات الأوان» ثم أرادت أن تتفلسف فقالت:
– بعد فوات الأوان . قبل فوات الأوان.. ألا ترى معي أن هذه العبارات لا تعني شيئا بالنسبة للزمن.. ما هو الأوان؟ ومن يضع الأوان أو يحدد الأوان. إذا كنا قد خرجنا من هذا الحفل. فهل نحن خرجنا قبل الأوان أو بعد الأوان.. أو في الأوان نفسه.. ثم إذا سقط هذا الجسر الذي أمامنا وكنا نعبر فوقه.. هل كنا عبرنا بعد الأوان أو قبله أو في الأوان نفسه.. أي لحظة سقوطه بما يعني لحظة هلاكنا. ربما لو لم يتغلب ذلك القائد على التمرد الذي حدث في إيران ما كان ليتغلب على تمرد البصرة.. وإذا كان ذلك صحيحا. فإن ما حدث قد حدث في الأوان نفسه، أي في لحظة ناضجة وحبلى باحتمالات النجاح.. من أدرانا أن تمرد إيران لو تركه ذلك القائد جانبا ولم يعتبره أولوية إستراتيجية سوف لن يتسع ويلتحم مع تمرد البصرة.. ثم لا يعود ممكنا الصمود أمام تمرد كبير ومفتوح!.. ثم ختمت قائلة:
– اسمع يا خوسيه.. لو أن جون كينيدي قد مر موكبه بدقيقة قبل او بعد لما كان ليموت على الأقل في تلك اللحظة.. نعم حدث ذلك مع الجنرال ديغول، لكن هذا الجنرال انحنى ليضع باقة ورد تحت قوس النصر، فمرت الرصاصات من فوق رأسه، فلم يقل احد فات الأوان بل قال الجميع: لم يأت الأوان بعد..
استمع خوسيه جيدا لما تقوله ساندرا. كان على قدر من التناسق.. ولكنه لم يكن مستعدا أن يدخل معها في نقاشات مطولة أو جدية.. كان يريد أن ينتقل بها إلى عوالم أخرى أكثر رومانسية وحميمية.. قال لها فجأة:
– هل لازال مروان على تواصل معك؟
لم تتوقع ساندرا أبدا مثل هذا السؤال من خوسيه، وكاد أن يضعها مع الإحباط مباشرة لو لم يستدرك قائلا:
– دعينا نذهب إلى بيتي ساندرا.. أليس أكثر راحة من أي مطعم!..
(كانت مارلين تسأل أمها باستمرار: كيف ترين السيد مونرو. وكانت أمها تكتفي في كل مرة بأن له وجه رائع مثل وجه راهب مشرق.. وكان مورو كثيرا ما يطلب منه صديقه رأيه في مارلين، فكان يكتفي بالقول.. إنها رائعة لها وجه أمريكا المشرقة والمرحة)، لذلك أرادت أن تخبره بشيء مماثل، وقد أبدت موافقتها على الذهاب معه إلى بيته. قالت له:
– خوسيه سأخبرك بشيء.. هل تعلم أن أمي كثيرا ما تسألني عنك.. آخر مرة حين ارتديت هذا الفستان قالت لي مداعبة.. هذا الفستان لخوسيه أو لرجل آخر.. ضحكنا بتخابث الأم والبنت دون أن أجيبها.. هل تعرف.. أنها تود أن تراك.. لتتأكد من انك الرسام الذي رسمتني.. لقد قالت لي في الحين حين رأت اللوحة أن هذا الرجل يحبك.. هل أنت تحبني يا خوسيه؟ كانت غالا في البداية غاوية وملهمة للشاعر بول ايلوار. وحين رسمها سلفادور دالي تركت ايلوار وعشيقها ماكس ايرنست وارتمت في أحضان دالي.. غالا كانت من روسيا. وكذلك أولغا فعلت نفس الشيء مع بيكاسو. هذا الخنزير كما تسميه أحيانا أولغا لا يرسم امرأة إلا إذا أحبته.. لقد حطم قلوب نساء كثيرات.. أولغا ايضا كانت روسية.. ولأن الأمر بات مختلطا على ساندرا. فقد ألقت ذلك السؤال على خوسيه بلا مقدمات كثيرة. كانت تفكر فقط ما إذا كان خوسيه مثل دالي أو مثل بيكاسو. دالي كان يفتك بالنساء والغلمان. أما بيكاسو فكان مكتفيا بمغامراته النسائية.. ولم تفكر قط في شيء آخر.. إلا في أن يقول لها مثلا: أنا أحببتك لذلك فقد رسمتك.. أو أنا رسمتك لأنني قد أحببتك..
اختار خوسيه طريقة أخرى للتعبير ثم نطق..
– المهم أن لا تخبري أمك أن عمري تجاوز الستين..
*** *** ***
حين مات الكوديو فرانكو، دخل خوسيه إلى جامعة مدريد. وقبل أن يصعد فرانكو إلى الحكم بحوالي سنتين، ولد أب خوسيه وهو ثالث إخوته ويدعى خوليو بلانتيرو. وبعد أن صعد فرانكو إلى الحكم بأقل من سنة ولدت أم خوسيه وتدعى ماريا مارتيناز، لذلك فإن الإسم الكامل لخوسيه هو كالتالي: سان خوسيه ماريا مارتيناز بلانتيرو. يمكن القول أن أب وأم خوسيه قد ولدا قبل ثلاث سنوات من الحرب الأهلية التي قتلت أكثر من نصف مليون إسباني من أصل عشرة ملايين. في ذلك الوقت هب الجنرال فرانكو للدفاع عن الملكية ضد الجمهوريين ثم وضع الملك على الرف وامسك بأمعاء إسبانيا بتحالف ودعم من هتلر وموسليني.. اعتمد على حزبه الكتائب وكذلك على جماعات القمصان السوداء التي أرسلها الدوتشي كذلك على الشبيبة النازية للفوهور هتلر.. ورغم ذلك ما كان لينتصر لولا جيش المتطوعة المغاربة الذي بلغ عدده نحو 50 ألف من سكان الريف بقيادة الضابط محمد أمزيان الذي رقي إلى رتبة ضابط ثم أصبح صديقا شخصيا وحارسا أمينا لفرانكو إلى ساعة مماته.. في ذلك العام 1975 أي حين مات فرانكو، كان خوسيه طالبا في كلية الفنون الجميلة.. وقد أصبح منتميا لليسار العالمي بكل جوارحه. استيقظ وعيه على سقوط الزعيم الشيلي سلفادور ألندي وعلى كفاح منظمة الإيتا الباسكية والتحولات الديمقراطية التي طبعت علاقة بلاده بمحيطها الأوروبي وعلاقة الدولة بالمجتمع وكذلك علاقة إسبانيا بمستعمراتها الإفريقية.. انقطع عن دراسته في كلية الفنون الجميلة ثم سافر إلى المكسيك ليتعرف على تجربة التياباس الثورية. ومن هناك ذهب إلى أمريكا لينتمي إلى جامعة كولومبيا حيث نال شهادة في فنون العمارة.. بعد ذلك اتجه إلى إيطاليا ليتخصص في تاريخ العمارة الرومانية. ومن إيطاليا ذهب إلى القاهرة مقتفيا تاريخ العمارة الفرعونية.. زار بعد ذلك بغداد ودمشق واليمن وتعلم قدرا كبيرا من اللهجات العربية ثم عاد لينظم إلى هيئة التدريس في جامعة غرناطة.. أطروحته الثانية كانت حول فن الحدائق في المدينة الأندلسية.. وهنا مزج حسه الفني كطالب فنون جميلة وكرسام وزاده العلمي فيما يتعلق بفضاءات والمساحات في المدينة الأندلسية.. تزوج من كارمن خوليو، إحدى طالباته في جامعة غرناطة لمدة ثلاث سنوات، وحين طلقها قال لأمه ماريا مارتيناز: «اللعنة.. لم أكن اعرف أن اسمها هو اسم زوجة فرانكو كارمن بولو.. «(كانت كارمن بولو تظهر غالبا على الشرفة إلى جانب الجنرال حين كان يخطب في الجماهير المحتشدة التي تصرخ: كوديو، كوديو.. أنت الكوديو..»). لا يتذكر خوسيه الكثير من عهد فرانكو، ولكنه لا يستطيع أن ينسى حملات الفالانج القمعية والمداهمات الجامعية وإعلانات حالة الطوارئ المستمرة.. وكذلك مرض الجنرال الطويل.. لم يصدق الإسبان أن جنرالهم مات إلا حين اطل الملك الشاب الذي احتفظ به الجنرال كولي للعهد وكخليفة له وهو يقول للشعب بكثير من الشحوب: «أنا خوان كارلوس.. أنا ملك إسبانيا.. لقد مات الجنرال».. لقد ظهر كما لو كان يؤبن والده.. هكذا أحس معظم الإسبان.. فهذا الشاب الذي فصله أو نزعه الجنرال عن والده، وجعله وليا لعهده واشرف على تربيته لم يكن قادرا على إخفاء تأثره برحيل فرانكو الذي اغتصب عرش أبيه! ابنة الجنرال الوحيدة ماريا كارمن والتي تبلغ حاليا نحو 82 عاما ذكرت لخوسيه حين جاءت لتروي ذكرياتها مع أبيها لطلاب التاريخ في جامعة غرناطة: أن والدها قد تكون ونضج في المغرب. وأن صداقاته لبعض رجال المغرب هي التي جعلته ينتصر في الحرب.. ومن هذه الجملة بالذات بدأ خوسيه يفكر في الذهاب إلى المغرب.. وها هو بعد خمس سنوات يصبح خوسيه شبه مهووس بالمغرب.. وحين طلق زوجته قال لأصدقائه: لن أتزوج إلا مغربية بعد الآن..
كان خوسيه إلى جانب اختصاصاته الفنية متأثرا جدا بأندريه مالرو الذي قرأ له أغلب إنتاجاته مثل رواية «الأمل» و«المذكرات المضادة» و«سقوط السنديان» ثم مساجلاته مع الجنرال ديغول.. لنقل أن – ومضة مالرو – هي التي ظهرت في عيون خوسيه وساندرا منذ أن التقيا. ساندرا هي أيضا مغرمة بمالرو بشكل ساحر وجذاب. فهي تعشق أدبه وكذلك تعشق شخصه.. لم تتعرف عليه أبدا. فقد مات قبل أن تولد ساندرا بنحو عشرين عاما. ولكن منذ أن قرأت مذكراته راحت تفتش على بعض فيديوهات له. عثرت على مساجلات حامية له وقد اقترب من السبعين. مع ذلك ظل عنيفا وذكيا ومتوترا ولاعبا بالعبارة والسيكارة معا.. الحشرجة أو البحة التي كانت تضرب حبال صوته تجعله أكثر طغيانا وفحولة.. أما عيونه فكانت تخترق كل من يتفرج إلى أصابعه المرتعشة وعباراته النارية والطازجة.. أما شكله، فهو لا يختلف كثيرا عن شكل خوسيه.. خوسيه الذي يقف الآن أمامها على رصيف البحر، وهو يشد شاله الأحمر بكلتا يديه حتى لا يطير مع الريح.. قالت له:
– ماذا تفعل حين تقع في أسر كاتب أو فيلسوف. وهو ميت منذ زمن طويل..
أجابها خوسيه بعفوية:
– لو كان أندريه مالرو حيا لأجابك عن سؤالك..
– ماذا قلت مالرو.. هو ذا.. هو ذا العبقري المجنون.. 
– وقد يكون دجالا ومحتالا أيضا وربما مختلا عقليا..
أجاب خوسيه ثم انهمر الكلام بلا توقف:
– كثيرون وكثيرات وقعوا في أسر هذا المجنون.. لا أتحدث عن طلاب صغار. بل حتى عن مفكرين وكتاب مشهورين في عهده.. وكذلك زعماء ورهبان ونسّاك وسياسيين وصحفيين سليطو اللسان وحتى جنرالات. في شبابه كان يبدو لهم كمعجزة.. اخترق الحرب الأهلية في إسبانيا ثم قفز إلى الهند الصينية ثم إلى الصين.. وفي كهولته، أصبح بطلا ونموذجا للمثقف المحارب والجوال. وفي شيخوخته صار نبيهم.. لقد سحر به حتى الجنرال ديغول والزعيم تروتسكي وماوتسي تونغ.!!
– ولكن ثمة مثقف وفيلسوف وحيد ملأ الدنيا بأفكاره حين بدأت شمس مالرو رحلتها نحو المغيب. لم يجد في مالرو ما وجده أندريه جيد مثلا.. هذا المثقف هو سارتر قال عنه: «سعيت جاهدا لأكمل احد كتبه، لكنني أجد أسلوبه مملا إلى درجة لا تصدق.. إنه ينقصه الكثير».. 
– اتركي سارتر جانبا.. لم يكن يحب إلا زوجته فرانسواز ساغان.. أعتقد أنه كان يغار منه. تصارعا حول الجنرال.. مالرو كان يحب الجنرال وسارتر كان يحترم الجنرال فقط..
ومن كان يحب الجنرال؟ سألت ساندرا..
– الجنرال أيضا كان يحب نفسه. ثم زوجته ايفون.. ثم مالرو.. وكان يحترم سارتر..
ديغول ومالرو، كان كل منهما يحب الآخر ولكن الحقيقة كان كل منهما يحب نفسه فقط!..
بعد ذلك سألها خوسيه:
– هل تعرفين قصته مع همنجواي؟ ثم بدأ يروي لها كما لو أنه قرأها البارحة من سيرة مالرو للكاتب الأمريكي «كورتيس كيت»: بعد تحرير باريس عام 1944 من النازيين بوقت قصير، علم مالرو بأن همنجواي قد وصل مع الفرقة الأمريكية الرابعة للمشاة، وأنه أشرف شخصيا على تحرير فندق الريتز الشهير باندفاع وحماس حيث توجد غرفة للعمليات تابعة لهتلر.. هذا النصر لم يتحمله مالرو لأنه ما كان ليتقبل بأن يسرق منه صاحب «لمن تقرع الأجراس» البطولة في عاصمة بلاده. توجه إلى ساحة القاندوم مجتازا حدائق التريلري نحو الفندق الذي يسكن فيه همنجواي. كان هذا الأخير في غرفته قد خلع حذاءه العسكري الضخم وانهمك في تنظيف سلاحه صحبة جنوده، عندما أطل مالرو بقامته المديدة والنحيفة. وكان مالرو أيضا قد حضر بزيه العسكري وعلى كتيفه شارات رتبة عقيد. قال همنجواي بأكثر ما يمكن من اللطف بالنسبة لرجل عنيد وصلب ومتقلب كأمواج البحر..
– بونجور سيد أندريه
فرد مالرو:
– بونجور أرنست.. أهلا بك في باريس..
(لا نعرف ما إذا كان الرجلان قد تصافحا أم لا.. ولكن بما أن يدي همنجواي كانتا ملطختين بالزيوت والشحوم فيمكن لنا أن نتخيل ما حدث.. المهم فقد تجاوزا تلك الإشكالية بنبل الزمالة) بعد ذلك سأله مالرو:
– هنيئا لنا جميعا بهذا النصر.. ولكن قل لي كم من جندي كان تحت قيادتك؟..
فرد همنجواي بلهجة مرتفعة وواثقة:
– عشرة أو اثنا عشر رجلا.. مئتان على أكثر تقدير..
لم يرغب في التبجح أمام مالرو.. كذلك لم يكن مدعيا.. فقد دخل إلى الجندية بعد أن عمل كمراسل حربي.. ولكن حين سمع مالرو يقول له: «هذا بسيط.. أنا كنت قائدا لألفي جندي»، اهتاج همنجواي ثم تمالك أعصابه ليسدد له ضربة قوية.. قال لمالرو الذي شارك في الحرب الإسبانية والذي سبقه إلى تأليف الرواية بعدة سنوات، بلهجة ساخرة وباردة:
– إنه لأمر مؤسف أن لا نحظى بدعمك سيادة العقيد ونحن نلقي القبض على هذه القرية التي هي باريس.. 
تألم مالرو لتلك الصفعة. ولأول مرة يجد نفسه صامتا أمام كاتب عظيم مثله ومحارب عنيد.
أكمل خوسيه قصته لساندرا كما لو أنه كان شاهدا على تلك الحادثة ثم قال:
– لقاء العظماء غالبا ما ينقصه الود، لأنه يتميز بالحساسية.. ثم أضاف:
– ظل همنجواي يروي تلك الحادثة طوال حياته. وقد أقسم أمام أناس كثيرين وهو يلاعب بندقية صيده بأن أحد جنوده قد جره إلى غرفة الحمام واقترح عليه إعدام هذا المغفل.. أي مالرو..
– بابا (وهو اسم همنجواي لدى جنوده..) هل تأمر بإعدام هذا المغفل والمتنطع، رميا بالرصاص..
ضحك همنجواي وقال للحاضرين..
– لا يوجد حكماء كثيرون عند المحنة.. وهذا ما قاله لنا مالرو فيما بعد..
– أأعجبتك القصة يا ساندرا؟
– إنها مثيرة.. ولكن مالرو يبقى عشيقي.. ثم أطلقت ضحكة صافية وقوية سمعها المتوسط والمحيط معا.
*** *** ***
تجاوز الليل منتصفه، حين أوصلني خوسيه إلى باب دارنا. دخلت شبه متخفية. لم أشأ أن أوقظ أحدا. حتى الخادمة تحايلت كيف أمر من أمام غرفتها دون إزعاجها.. نزعت حذائي وحملته بين يدي ثم مشيت على رؤوس أصابعي. صاعدة الدرج نحو غرفتي.. كانت روائح خوسيه لازالت ملتصقة بفستاني.. ترك شعيرات بيضاء على صدري.. وكذلك روائح عرقه.. كان طيفه لازال يلاحقني حين ذهبت إلى الحمام. وبعد أن أفرغت مثانتي، لم أشأ أن أدخل تحت الدوش.. عدت إلى فراشي، وبعد أن وضعت فيديو خوليو اغليزياس على ايفوني وهو يصرخ مغنيا أو يغني صارخا: (أنتن النساء..) وضعت فستاني تحت مخدتي ورحت انتظر النعاس..
كان خوسيه خليطا بين خوليو اغليزياس واندريه مالرو. تركيبته الجسدية والفزيونومية تجمع بين نحافة ايغليزياس وطول مالرو.. وجهه إن كان ضاحكا يأخذ شكل ايغليزياس وإن كان عابسا يأخذ شكل مالرو ، يداه ترتعشان مثل مالرو وصوته مبحوح ودافئ مثل خوليو.. أما شعره الأبيض فقد كان يضفي عليه فحولة لا يمتلكها أصحاب الشعور السوداء.. ودعته قبل ربع ساعة فقط، ولكن ها أنا أرغب في سماع صوته.. وكما لو أنه علم برغبتها، رن الايفون فإذا به خوسيه..
– أنت الآن في فراشك الآن برينسيزا!..
أجابت ساندرا بغنج.. وبصوت متوهج:
– فراشي لم يعد مريحا يا خوسيه.. نعم كنت أفكر فيك..
استجمعت ساندرا شجاعتها ثم سألته:
– هل سنلتقي غدا يا خوسيه..
لم يشأ أن يفاجأها ولا يريد أن يفقدها لذة النوم، لذلك أخفى عليها سفره إلى إسبانيا، ولكنه قال لها ما يمكن أن تفهم منه أنه مشغول في الغد.. قال على نحو غامض..
– غدا سنتهاتف.. وعندها نقرر..
بعد برهة عاد ليعترف:
– غدا ربما سأسافر إلى إسبانيا، وأعود بعد ثلاثة أيام. أضاف:
– السيد الياهو دانيال والسيد مصعب الصراف يريدانني أن أذهب معهما.. لكني لا أعرف متى بالضبط.. 
– إذن أنت ذاهب إلى مذبح الزواج.. قالت ساندرا ثم أطلقت ضحكة خفيفة.
بعد ذلك جرته إلى مداعبة خفيفة بالهاتف.. وحين بات صوته مخدرا، قالت له:
– لسانك خطير.. في كل الأوضاع يا خوسيه
وحين توارى الصوت، بدا الأمر وكان خوسيه قد خرج الآن فقط من غرفتها!.. ثم قالت لنفسها:
– غريب كيف ينشأ الحب بين شخصين بلا إرادة.. أو كيف تحب امرأة رجلا لأنه يشبه رجلا آخر!؟

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.