خالد شوكات يكتب لـ"حقائق أون لاين": تونس بخير.. وهذه الحكومة ليست فاشلة

من حقنا ان نعبر عن راينا وان نختلف في تقييم الوضع العام ببلادنا مع الرأي الذي يبدو سائدا، ولتسمحوا لي منذ البداية بالقول ان تونس بخير وان الحكومة التي انطق باسمها ليست فاشلة.

هناك أزمة ما في ذلك شك، ولكن من بمقدوره القول بأنها تخصنا وحدنا، فالازمة تلقي بكلاكلها على منطقتنا المغاربية والعربية والإسلامية، بل على العالم بأسره، بل ان هذه الأزمة اقل اثرا في بلادنا قياسا بمحيطنا الذي طوحت الحروب الأهلية والفوضى بكثير من بلدانه، وترى دولا شقيقة وصديقة كانت قبل سنوات امنة مستقرة. وحدها تونس تقريبا ظلت صامدة ونجحت دولتها الوطنية بامتياز في اقسى امتحان واجهته الدولة العربية الحديثة منذ ظهورها اثر سايكس بيكو، ووحدها الباقية من حلم الربيع العربي الذي تحول الى كابوس. 

من يقول ان اقتصادنا الوطني كان بمقدوره ان يحرز ارقام نمو اعلى مجانب للحقيقة ومجاف للموضوعية التي تقتضي الأخذ بناصية جميع الظروف التي احاطت بِنَا وضغطت علينا وما تزال تفعل الى اليوم، خصوصا مع تمسكنا بقيم النظام الديمقراطي التي تمنع علينا العودة لاستعمال أساليب قمعية في مواجهة الاحتجاجات والاعتصامات التي تعطل الانتاج في مواطن الثروة. 

شخصيا كتبت لرئيس الجمهورية باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة للنظر في إمكانية اعلان مناطق الثروة مناطق عسكرية، فأجابني محقا بان ذلك سيقود الى تشتيت جهود المؤسسة العسكرية المركزة أساسا على ربح تحديات معركتنا الشرسة ضد الاٍرهاب. 

عندما تأملت في الوثيقة التي خرج بها المشاركون في مائدة الحوار حول مبادرة رىيس الجمهورية، وجدت نفسي اتحسر حقا لان اصحاب الوثيقة يبدو انهم لم يطلعوا على الوثيقة التوجيهية والمخطط الخماسي 2016-2020، وكلاهما لكل ناظر موضوعي ابلغ واقوى وأكثر استيعابا بكثير لمحاور المبادرة كما اعلنها رىيس الجمهورية، وعلى نحو قابل للقياس والتقييم خلافا للأفكار والتوجيهات الواردة في وثيقة حكومة الوحدة الوطنية، وهنا لا بد من الوقوف عند ثغرة خطيرة مكتشفة في العلاقة بين مؤسستي الحكومة ورئاسة الجمهورية، اذ يبدو ان متابعة العمل الحكومي من قبل الفريق الرىاسي تبدو معدومة، مما يجعل الصورة انطباعية اكثر مما هي علمية دقيقة. 

لقد قلت لرىيس الجمهورية في المناسبات التي التقيته فيها، ان الخيارات الكبرى التي رسمها للبلاد صحيحة ومطبقة، سواء تعلق بخيار المصالحة او التوافق او الديمقراطية، ويظل التحدي التنموي مطروحا لكن النظر اليه بمعزل عن بقية التحديات سيقود الى استنتاجات خاطىة، اذ لا يوجد بلد في التاريخ أعلن الحرب على الاٍرهاب وأصر على مواصلة مساره في الانتقال الديمقراطي رغم الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية واضطرت دولته لتقديم جميع التضحيات والتنازلات حفاظا على السلم الاجتماعي ثم تمكن في نفس الوقت من تحقيق نسب نمو عالية، فالجمع بين هذه المفارقات جميعا يبدو معجزة غير واردة في عالم البشر. 

لم يبالغ رىيس الحكومة في وعوده منذ صادق مجلس نواب الشعب على تشكيلته الحكومية في فيفري 2015، بل كان واقعيا جدا عندما تعهد بمواصلة الحرب على الاٍرهاب واستىناف العمل في مشاريع البنية التحتية المعطلة وإجراء الإصلاحات القانونية والإدارية الضرورية للرفع من تنافسية بلدنا الاقتصادية وإعلان الحرب على الفساد والعودة بتونس الى التخطيط التنموي. وفي جميع هذه المجالات حققت الحكومة أعمالا جليلة يمكن للمواطن البسيط ان يلمسها. 

لقد قلبت بلادنا المعادلة في حربها على الجماعات الإرهابية، وحققت ملاحم خالدة في هذا السياق جعلت قواتنا تتعقب الجرذان في جحورها، كما عادت جميع مقاولات المشاريع الكبرى الى العمل بقوة وفي اجل اقصاه نهاية السنة القادمة ستتضاعف مسافة الطرقات السيارة على أرضنا، وتحركت الإصلاحات في جل المنظومات المعنية سواء بسن قوانين جديدة او المصادقة على أوامر حكومية تطبيقية، ومنحت هيىة مكافحة الفساد فرصة جديدة غير مسبوقة للحياة الى جانب انشاء وزارة للوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد بدأت مباشرة في تنفيذ مشاريع اصلاحية خلاقة.

وقد انتهت الحكومة بشكل تشاركي من صياغة المخطط الخماسي 2016-2020 بهدف التاسيس لمنوال تنموي جديد وعدت به ثورة الحرية والكرامة، وتاهيل تونس في أفق اربع سنوات لإنجاز انطلاقة اقتصادية واعدة ستضعها في غضون سنوات في مصاف الدول المتقدمة. وقد تضمن المخطط جملة من الطموحات القابلة للتحقيق من أهمها خلق ما لا يقل عن 400 الف فرصة عمل والتدرج في تحقيق نسبة نمو تبدأ ب2‎%‎ هذا العام لتصل الى 5 او 6 ‎%‎ في موفى سنة 2019. وهي نسب تزكي العديد من المؤسسات الإقليمية والدولية إمكانية تحققها. 

لقد سيطرت الحكومة على نسبة التضخم التي لا تتجاوز اليوم 3،5 ‎%‎، كما تحكمت في أسعار جل المواد الاساسية. وتعد جميع المؤشرات الاساسية للتوازنات الكبرى مقبولة وتحت السيطرة، رغم كل المبالغات التي يطالعنا بها الخبراء واشباه الخبراء وأدعياء الخبرة وبعض الصحفيين الذين يتجرؤون على الكتابة في مواضيع حساسة فقههم فيها قليل. 

كما لا تبدو وضعية المديونية كارثية مثلما يصر البعض على تصويرها للراي العام، فمديونية دول في المنطقة تشبهنا تثبت ان ديوننا ما تزال نسبتها الى دخلنا القومي الخام مقبولة، وان اقتصادنا ما يزال يحظى بثقة عدد كبير من شركاىنا، ولا يظنن احد ان مقرضينا يتصدقون علينا لو لبس لديهم الضمانات والتقديرات التي تطمئنهم على قدرة تونس على الوفاء بالتزاماتها كما فعلت دائماً منذ استقلالها. 

يصب المتشائمون كل يوم أطنانا من الطاقة السلبية على مواطنينا. تهويلات وأكاذيب عن كوارث وافلاس وعجز للدولة عن دفع اجور موظفيها، لم ولن تحدث أبدا، ولسنا ندري لماذا لا يكف هؤلاء الخبراء الذين لم يتساءل احد أين اكتسبوا خبرتهم، عن ممارسة عقدهم علينا، وان يعينونا بمقترحات عملية مفيدة بدل ارهابنا وتخويفنا من الذئب الذي لا يوجد الا في خيالات او اجندات بعضهم المريضة. تماما كما أتمنى ان تنشغل بعض القيادات الحزبية ممن فشلت في نيل الثقة الشعبية في تأهيل نفسها للاستحقاقات الانتخابية القادمة، بدل الاصطياد في مياه المؤامرات السياسية العكرة والبحث عن مغانم مؤقتة على حساب الديمقراطية. 

يجب ان ندرك بان الاستقرار شرط من شروط النماء، وان الاستقرار في ظل الاستبداد قد حقق بعض التنمية فما بالنا بالاستقرار في ظل الديمقراطية الذي وحده القادر على تحقيق التنمية المستدامة. 

هناك من يسعى لنشر الياس من الديمقراطية بين التونسيين، وهناك من لا يمل من ترذيل النخب السياسية في سبيله الى الاقناع بان الديكتاتورية وحدها من تليق ببلادنا وتشكل حلا لمشاكلها، لكن هذه المساعي والمحاولات لن تنجح في إيقاف قطار التاريخ الذي لن يعود ادراجه الى الوراء.. تونس بخير ومصرة على النجاح والبقاء ديمقراطية، وهذه الحكومة رغم كل الهنات نجحت في الإبقاء على بلادنا مؤهلة للمضي في طريق التنمية الشاملة العادلة والمستدامة، بمكافحتها الاٍرهاب وتنفيذها الإصلاحات وسن القوانين الجديدة وانجاز المزيد من مشاريع البنية التحتية وقطع المزيد من الخطوات في بناء الموسسات الدستورية واللامركزية الموسعة. 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.