ترأس وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان كمال الجندوبي، اليوم الاربعاء 20 أفريل 2016، وفد تونس المكلّف بمناقشة التقرير الدوري الثالث لتونس أمام لجنة مناهضة التعذيب.
وفي ما يلي نصّ كلمة الوزير أمام اللجنة الأممية المعنية:
" السيد رئيس اللجنة،
السيدات والسادة أعضاء لجنة مناهضة التعذيب،
السيدات السادة الحضور الكرام،
يشرفني اليوم أن أترأس الوفد التونسي الذي سيناقش أمام لجنتكم التقرير الثالث للحكومة التونسية،
كما يسعدني بهذه المناسبة أن أهنئ السيدModvig Jens على انتخابه رئيسا لهذه الجنة كما أتقدم بالتهاني إلى بقية أعضاءها الجدد.
واسمحوا لي أن أعبر عن تقدير تونس العميق للجهود التي تبذلها لجنتكم الموقرة من أجل تحسين المنظومة التشريعية والمؤسساتية والإجرائية في مجال مناهضة التعذيب من خلال إرساء حوار بناء يجمع بين جميع الأطراف المتداخلة ويهدف إلى الوقوف على الصعوبات والإشكاليات التي تواجهها الحكومات واقتراح الآليات التي تمكن من تطوير المنظومة ككل.
السيد رئيس اللجنة،
حضرات السيدات والسادة ،
لقد مرت الدولة التونسية بمراحل سياسية عديدة انعكست على مواقفها تجاه قضايا حقوق الإنسان بصفة عامة وقضية مناهضة التعذيب بصفة خاصة وتجسد ذلك من خلال التطور التدريجي لرؤية الحكومة التونسية لهذه الجريمة التي اكتست بعدا دوليا منذ مصادقة تونس على اتفاقية مناهضة التعذيب سنة 1988 وترجمته بصدور أول نص يجرم التعذيب في القانون التونسي سنة 1999 كما تدعم هذا التوجه سنة 2011 بانضمام تونس إلى البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب وصدور القانون الأساسي لسنة 2013 المحدث للهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب وهو ما يجسد الالتزام الوطني والأخلاقي بضرورة احترام الحرمة الجسدية وصون الكرامة البشرية لكافة الأشخاص على التراب التونسي.
وتدعيما لذلك الالتزام صدر دستور الجمهورية الثانية في جانفي 2014 الذي عبّر منذ توطئته على تمسك الشعب التونسي بالقيم الإنسانية ومبـادئ حقوق الإنسان الكونيّة السّامية وعلى أنّ الدولة تضمن علويّة القانون واحترام الحرّيّات وحقـوق الإنسان. كما نصّ الدستور صراحة على أن الحق في الحيـاة حقّاً مقدّساً لا يجوز المساس به إلاّ في الحالات القصوى التي يضبطها القانون وأوجب على الدولة حماية كرامة الذّات البشرية وحرمة الجسد ومنـع التعـذيب المـادّي والمعنوي وعلى عدم سقوط جريمة التعذيب بالتقادم. كما أكد على حق كلّ سجين في معاملة إنسانية تحفظ كرامته وتراعي الدولة في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية مصلحة الأسرة وتعمل على إعادة تأهيل السجين وإدماجه في المجتمع.
كما سبق أن انضمت تونس خلال سنة 2011 إلى عدد من المعاهدات الدولية على غرار البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية واتفاق امتيازات المحكمة وحصاناتها والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري والبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة،
كما تم توجيه دعوة مفتوحة للإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان لزيارة تونس وفتح مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بتونس.
وأعلنت تونس قبولها باختصاص لجنة مناهضة التعذيب للبلاغات موضوع الفصلين 21 و22 من الاتفاقية.
أما على مستوى التشريع الوطني و في إطار احترام تونس لالتزاماتها الدولية. تمت موائمة النصوص الداخلية مع مقتضيات الاتفاقية الأممية وخصوصا من خلال تكريس حق المحتفظ به في الاستعانة بمحام وجعل الاحتفاظ تحت إشراف القضاء.
السيد رئيس اللجنة،
حضرات السيدات والسادة ،
لقد تضمن الدستور التونسي لسنة 2014 على المستوى المؤسساتي إحداث هيئة مستقلة لحقوق الإنسان وفق مبادئ باريس وتعمل الحكومة حاليا على وضع اللمسات الأخيرة لمشروع القانون المحدث لهذه الهيئة بعد جملة من الاستشارات الوطنية والجهوية في الغرض وسيتم عرضه في شهر ماي على مجلس وزاري للمصادقة عليه وستعمل هذه الهيئة على مراقبة احترام الحريات وحقوق الإنسان و تعزيزها واقتراح ما تراه لتطوير منظومة حقوق الإنسان وإبداء رأيها في مشاريع القوانين المتصلة بمجال اختصاصها والتحقيق في حالات انتهاك حقوق الإنسان لتسويتها أو إحالتها على الجهات المعنية.
كما تعدّ الهيئة تقارير حول الزيارات التي تقوم بها لأماكن الحرمان من الحرية تضمّنها ملاحظاتها وتوصياتها.
و أحدث المشرّع التونسي الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب وهي هيئة عمومية مستقلّة تتمتّع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي ويشترط في أعضائها الستة عشر، الذين يتمتعون بالحصانة، النزاهة والاستقلالية والحياد على أن يكون ستة منهم ممثلين عن منظمات وجمعيات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان مع تنوّع في الاختصاصات.
وللهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب ولاية موسّعة على جميع أماكن الاحتجاز ويمكن لأعضائها القيام بزيارات فجئية وإجراء مقابلات خاصّة مع الأشخاص المحرومين من حرياتهم أو أيّ شخص آخر.
وقد تم بتاريخ 29 و30 مارس 2016 انتخاب أعضاء الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب من قبل مجلس نواب الشعب رغم التأخير الذي رافق هذه العملية وسيتم استكمال الإجراءات الخاصة بتركيز هذه الهيئة طبقا لمقتضيات القانون الأساسي عدد 43 لسنة 2016 المتعلق بها وستعمل الحكومة على تيسير أعمالها وتوفير جميع الموارد المادية والبشرية لعمل هذه الهيئة وفق مخطط عمل وضع للغرض كما تم تكوين لجنة وطنية ستنظر في وضع جميع النصوص التطبيقية لقانون الهيئة وفق مقاربة تشاركية مع أعضاء الهيئة.
السيد رئيس اللجنة،
حضرات السيدات والسادة،
لقد تشرفت الحكومة التونسية خلال الفترة الممتدة بين 12 و14 أفريل الجاري بزيارة وفد عن اللجنة الفرعية لمنع التعذيب وتم اللقاء بالمسؤولين الحكوميين والمجتمع المدني وأعضاء الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب وذلك لمناقشة كيفية تركيز الهيئة وتحديد المسائل التي يجب معالجتها لضمان مباشرتها لأعمالها في أقرب وقت ممكن.
وقد عبر أعضاء اللجنة الفرعية لمنع التعذيب ، وفقا للبلاغ الصحفي الصادر في الإطار ، عن ارتياحهم بالتزام جميع أصحاب المصلحة بضرورة مشاركتهم في هذا المسار خاصة وأن تونس تعد أول دولة تنشئ آلية وطنية للوقاية من التعذيب في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وستحرص تونس على متابعة التوصيات المقدمة من اللجنة الفرعية إثر هذه الزيارة.
السيد رئيس اللجنة،
حضرات السيدات والسادة،
إن الإرادة السياسية في تونس قد اختارت أن تعمل على احترام منظومة حقوق الإنسان وإعمالها وتطويرها.
كما لا يخفى على الجميع أن التحديات التي تواجه الدولة التونسية في هذا الإطار ليست بالهينة و تتطلب تظافر جميع الجهود لإنجاح هذا المسار وسيكون التحدي الكبير الذي سيواجهنا هو إنجاح تركيز الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب والسهر على حسن سير أعمالها وتجاوب كافة المتدخلين مع متطلبات مهامها وهو ما سيتطلب منا عملا دؤوبا في مجال تغيير العقليات ونشر الوعي بأهمية مهامها في مجال الوقاية من التعذيب ووضع حد من الإفلات من العقاب إلى جانب العمل على تنظيم الدورات التكوينية والتدريبية لكافة الأطراف الحكومية المشرفة على جميع مراكز الحرمان من الحرية .
كما تحرص الدولة التونسية في هذه الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد جراء العمليات الإرهابية على ضرورة احترام حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب وحماية الحرمة الحسدية لجميع المتورطين في هذه القضايا.
والحكومة التونسية واثقة أن مناقشة تقرير تونس لمناهضة التعذيب سيكون فرصة كذلك لإعادة النظر في واقع مناهضة التعذيب في تونس وللوقوف على الإشكاليات المطروحة ولمتابعة تنفيذ التوصيات الصادرة عن لجنتكم الموقرة.
وستكون اللجنة الوطنية للتنسيق وإعداد وتقديم التقارير ومتابعة التوصيات في مجال حقوق الإنسان التي تم إحداثها في شهر ديسمبر سنة 2015 الوجهة الحكومية الدائمة الساهرة على متابعة مدى تقدم الدولة في تنفيذ ملاحظاتكم مما سيمكن حكومتنا من تنفيذ الإصلاحات الضرورية على المستوى التشريعي والمؤسساتي والإجرائي لتجاوز النقائص التي تم رصدها.
وفي نفس هذا السياق فإن الدولة التونسية حريصة على تجاوز الصعوبات والعراقيل التي تراكمت على امتداد عقود و على تركيز الإصلاحات الضرورية الكفيلة بتحقيق أحلام الشعب التونسي ومطامحه كما أنها حريصة على الاستماع إلى مشاغل المجتمع المدني ومقترحاته البناءة ضمن بناء مسار تشاركي يقودنا لدولة القانون وحقوق الإنسان التي نأمل إرساءها .
سيدي رئيس اللجنة،
السادة أعضاء اللجنة،
نشكركم مجددا على إتاحة الفرصة للدولة التونسية لمناقشة تقريرها أمام مسامعكم ، كما يشرفنا أن نقدم لكم، وفق رغبتكم، مزيد التوضيح في جميع المسائل التي ترونها بواسطة الوفد التونسي الحاضر الذي يتكون من ممثلين عن وزارات العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان والعدل والداخلية والدفاع والخارجية والمالية والصحة.
مع جزيل الشكر والسلام".