"إرهاب.. إرهاب".. صرخ العسكري الذي كان يحرس الثكنة العسكرية ببن قردان قبل أن يطلق النار غير عابئ بوابل الرصاص المتجه نحوه، لصدّ الهجوم المباغت الذي نفّذته مجموعة إرهابية على الثكنة على الساعة الخامسة وسبع عشرة دقيقة صباح يوم الاثنين 7 مارس 2016.
في ذلك الصباح، وقبل 7 دقائق من الهجوم على الثكنة، استهدفت عناصر إرهابية مقرّي الشرطة والحرس الوطني ببن قردان في محاولة فاشلة للسيطرة على هذه المراكز، بهدف عزل المدينة وقطع الإمدادات عنها من المدن المجاورة لها وإعلانها ما يسمى بـ"إمارة إسلامية".
ملحمة بن قردان تكشف أسرارها
استهدف الإرهابيون الثكنة من عدّة اتجاهات، هاجموا في البداية محطة الإشارة القارة المنتصبة بالثكنة (التي تستخدم للاتصالات) ومقرّ القيادة فيها باستخدام الـ"آر بي جي"، كما كانوا يطلقون النار من عدة اتجاهات، من بينها جامع جلال المحاذي للثكنة، والذي تمّ تركيز سلاح رشاش على صومعته وإطلاق النار منه.
لكن المجموعة الإرهابية لم تكن تدرك ان الجيش الوطني كان مستعداً لمثل هذا الهجوم، خاصة في ظلّ المعلومات الواردة والتي تفيد بوجود مثل هذا المخطط، وكان ردّه بطولياً وحاسماً، ولم يتمكن من صدّها وردعها من تنفيذ مخططها فحسب بل إنه أجبر عناصرها على التراجع ولاحقهم إثر هروبهم والتجائهم إلى عدّة مناطق في بن قردان حيث تمّ القضاء على عدد منهم والقبض على آخرين طوال العملية التي امتدّت من 7 إلى 20 مارس.
فشعار الوحدة العسكرية المتمركزة ببن قردان، وهي الفوج 33 استطلاع، تعمل تحت شعار "لا للمفاجأة"، وهي في حالة يقظة وحذر دائمة، كما يتمّ تدريب وتأهيل الأفراد والتواصل الدوري والميداني معهم، نظراً لكونها تتولى حماية ما يمكن اعتباره أخطر الحدود، وفق ما أكده مسؤول عسكري خلال زيارة ميدانية نظمتها وزارة الدفاع الوطني لبن قردان ومعبر رأس جدير أمس الاربعاء.
يذكر ان الفوج 33 استطلاع أُحدث سنة 1976، وتمركز بالقصرين إلى غاية 1984 قبل أن ينتقل إلى جرجيس ويبقى هناك حتى 1991 ومن ثم تطاوين عام 1995 ليغادرها باتجاه بن قردان أين لا يزال مستقراً. وتتمثل مهامه في تنفيذ عمليات عسكرية دفاعاً عن أرض الوطن، بالإضافة إلى مهمات عملياتية وتأمين الحدود ومراقبتها، وبعض المهام ذات الطابع العام كالمساهمة في حفظ النظام ونجدة المواطن في الكوارث…
ولئن كان الهجوم الإرهابي على بن قردان قد انطلق صبيحة 7 مارس، فإن العملية انطلقت فعلياً يوم 2 من نفس الشهر، حيث تمّ القضاء على 9 عناصر إرهابية بعد محاصرة منزل بمنطقة العويجاء إثر ورود معلومة تفيد بتحصّن مجموعة إرهابية داخله.
وفي 19 مارس 2016، تمّ القضاء على الأخوين "مارس" وهما من أخطر العناصر الإرهابية. وفي اليوم الموالي انتهت العملية بالقضاء على العنصر الارهابي "محمد الكردي"، وهو عنصر متدرّب، قام بإيهام الوحدات الأمنية والعسكرية التي كانت تحاصره بأنه ليس وحيداً في المنزل المحاصر، حيث وضع أسلحة عند نوافد المنزل وكان يتنقل بينها ويطلق الرصاص كل مرة من مكان كما كان يرمي بالقنابل اليدوية من أعلى الدرج الامر الذي أوحى بوجود أكثر من عنصر ارهابي داخل المنزل، ولكن بفضل مجهودات الامن والجيش تم القضاء عليه.
ويردّ المسؤول العسكري نجاح الوحدات العسكرية في القضاء على الإرهابيين ونجاح عملية بن قردان بعد القضاء على ما يزيد عن 50 إرهابياً خلال العملية التي امتدت من 7 مارس حتى 20 من الشهر نفسه، والقبض على آخرين، إلى سرعة تدخل وحداتنا إلى جانب فعالية الأسلحة والآليات التي أثبتت نجاعتها في التصدي للعمليات الإرهابية.
ويؤكد عسكريون متواجدون ببن قردان، خلال أحاديث جانبية مع حقائق أون لاين، ان الإرهابيين لن يتجرّؤوا على إعادة الكرّة ومحاولة السيطرة على بن قردان بعد أن تلقوا هزيمة شنعاء بفضل عزيمة حماة الوطن والديار، مشددين على استعدادهم لمواجهة أي خطر مهما كان مصدره.
تحديات الحدود.. والساتر الترابي
من جهة أخرى، تواجه الوحدات العسكرية العاملة ببن قردان ورأس جدير والحدود التونسية الليبية إجمالاً، جملة من التحديات المتمثلة أساساً في التهريب، سواء كان من تونس باتجاه ليبيا أو العكس، إلى جانب عمليات التسلّل وتهريب الأسلحة والذخيرة والذي انطلق منذ سنة 2011.
كلّ هذه العوامل ساهمت في تنامي ظاهرة الإرهاب، الأمر الذي استوجب تدعيم الحدود حيث وقع إنشاء منطقة عسكرية عازلة تفصل الجمهورية التونسية عن باقي الدول المجاورة لها في 29 أوت 2013، إلى جانب قرار إحداث ساتر ترابي يبلغ طوله حوالي 190 كلم ومن المنتظر أن يقع تعزيزه بمنظومة إلكترونية سيتمّ الانتهاء من تركيبها خلال الأشهر القليلة القادمة.
كما تمّ تركيز عدة نقاط مراقبة وتفتيش تعمل فيها وحدات من الحرس والجيش الوطنيين في ظروف أقلّ ما يقال عنها انها صعبة، حيث الحرارة تبلغ درجات مرتفعة إضافة إلى وجود رياح "الشهيلي"، الأمر الذي يجعلنا فعلاً نخجل من أنفسنا أمام رجالنا المتواجدين هناك والذين يضحون بحياتهم للسهر على حمايتنا وتأمين حدودنا.
وقد ساهم الساتر الترابي بشكل كبير في الحدّ من ظاهرة التهريب حيث بلغت قيمة المحجوزات في شهر ديسمبر الفارط المليارين دينار تونسي.
كذلك يساهم الساتر الترابي ومنظومة الحواجز في تعطيل حركة العدوّ وتوفير الحماية، علماً ان وجود الملح في التراب صعّب من عملية الحفر نظراً لصلابة التربة.
ومن المنتظر أيضاً أن يقع تركيز أبراج مراقبة في المنطقة لتسهيل عمل الوحدات العسكريين ومزيد تأمين الحماية، وفق تصريحات المسؤول العسكري.
قوة أمنية مشتركة
أما في معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا، فتعمل قوة أمنية مشتركة، تضمّ وحدات من الديوانة والشرطة والحرس والجيش لتأمين المعبر من كلّ اعتداء داخلي أو خارجي.
ويعمل المعبر حالياً 12 ساعة، حيث يبدأ تدفق المسافرين من الجانبين من الساعة السابعة صباحاً إلى الساعة السابعة مساء.