الباجي ينقلب على قائد السبسي..من يوقف "فلتان" رئيس الجمهورية؟! بقلم محمد اليوسفي

عشيّة الانتخابات الفارطة صرّح رئيس الجمهورية الحالي وزعيم حزب نداء تونس وقتها الباجي قائد السبسي بأنّ حركته و نظيرتها النهضة هما بمثابة خطّين متوازيين لا يلتقيان إلاّ  بإذن الله وإذا ما التقيا فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

ربّما هذه المقولة الشهيرة من شأنها أن تقدّم بعض الاضاءات على طبيعة المرحلة الراهنة وما سبقها من شدّ وجذب و "تدافع اجتماعي"إسلاموي مغشوش، كما اجترحه الشيخ راشد الغنوشي صديق "سي الباجي" اليوم وعدّوه اللدود بالأمس، الذي كان أخطر حتّى من السلفيين الجهاديين الذين صنّفت الدولة تنظيمهم أنصار الشريعة بالمحظور. قد يجوز تفسير هذه المفارقة بالمياه الكثيرة التي مرّت من تحت جسور البناء الديمقراطي الوليد الذي مازال رخوا في تونس ما بعد الثورة والتي هي الأخرى بدورها أضحت توصف بالانقلاب.

ومن الملاحظ في الفترة الأخيرة ولاسيما في زمن الأزمات التي عرفتها البلاد سواء بفعل العمليات الارهابية النكراء أو الحراك الاجتماعي المنادي بالتنمية والتشغيل وتفعيل السياسيين لوعودهم الانتخابية خاصة الرباعي الحاكم، فإنّ رئيس الجمهورية الذي أكّد في أكثر من مرّة تعهّده بأن يكون رئيسا لكلّ التونسيين بدأ يفقد بوصلته التي كسب بفضلها تزكية شعبية أهّلته للجلوس على كرسي أستاذه الزعيم الحبيب بورقيبة.

ففي كلّ أزمة يطلّ الرئيس بخطاب هو أشبه بسلوك حاطب ليل، تارة يكون الفلتان الاعلامي-والعهدة على من روى- شمّاعة لتعثرّات واخفاقات كانت منتظرة وهي في نهاية المطاف تظلّ قابلة للمعالجة والتدارك من قبل السلطة السياسية الحاليّة. وأحيانا أخرى يتحفنا "سي الباجي" بالضرب بهيبة الدولة والسيادة الوطنيّة عرض الحائط حينما يجعل من اليسار المتطرف على حدّ تعبيره في لقائه الأخير برؤساء تحرير صحف بحرينية، والاسلام السياسي الذي هو تحالف معه عن مضض ولسان حال عقله الباطني يقول:"مكره أخاك لا بطل والضرورات تبيح المحظورات"، مصدر كلّ الشرور والخبائث، ناسيا أو متجاهلا ثوابت الدبلوماسية التونسية وضرورة احترام مبادئ الجبهة الوطنية الداخلية مثلما تعلمها عن المرحوم المنجي سليم والذي هو مسؤول عن وحدتها وصلابتها وصونها من كلّ الثلمات أو النعرات الانقسامية.

الغريب في الأمر أنّ رئيس الجمهورية الحالي كان من أشدّ المنتقدين للسلوك الخطابي الكارثي الذي صدر في وقت مضى عن غريمه منصف المرزوقي في إحدى زياراته آنذاك للخارج حينما تحدث عن "نصب المشانق" للمعارضين له في تعبير مجازي ينمّ عن شيطنة و عيّ تواصلي شبيه بخبط عشواء لا يليق بشخص كان من المفترض أن يرتدي جلباب رجل الدولة. لكن يبدو الان أنّ السحر انقلب على الساحر.

عديدة هي الأسئلة التي بات من الضروري طرحها على رئيس الجمهورية الذي ما انفك يلقي التهم يمنة ويسرة على خصومه ومنتقديه وحتّى على الإعلام الذي من المفترض أنّه  غير معني بمثل هذه المماحكات السياسوية الجوفاء. ألم يحن الوقت حتّى نسمع نقدا ذاتيا من "سي الباجي" بشأن تجربته في الحكم والنقائص التي اعترت أداءه الوظيفي كرئيس منتخب من قطاعات واسعة من التونسيين الذين رأوا فيه ضمانة لوضع البلاد على السكّة الصحيحة بعد تجربة التيه والعبث بالدولة ومكتسباتها وطموحات أبنائها من الذين آمنوا بالتغيير الحقيقي القائم على الديمقراطية والمواطنة والعدالة الاجتماعية والتقدّم من أجل اللّحاق بركب الأمم السعيدة لاخراج تونس من "الكرين"؟ كم تحتاج البلاد من هزّات إجتماعية وإخلالات صبيانية بمفهوم الدولة الديمقراطية العصرية القويّة حتّى يعدّل رئيس الجمهورية عقارب ساعته التي أهداها له ذات يوم وزير خارجية لدولة الكويت؟ هل يحتاج قائد السبسي لجيش عرمرم آخر من المستشارين في قصر قرطاج لكي يراجع بعض الأخطاء التي سقط فيها في وقت ما الزعيم الحبيب بورقيبة الذي كتب عنه مذكراته الشهيرة"البذرة الصالحة والزؤام"؟

لا مراء في أنّ رئيس الجمهورية الحالي يعيش وضعا صعبا في ظلّ التحديات الخطيرة التي تمرّ بها البلاد بسبب نتاج لتراكمات من الأخطاء والسياسات العشوائية والتعاطي الفجّ مع مشاكل الدولة ومواطنيها. بيد أنّه من الضروري أن يقيّم نفسه بتؤدة وعقلانيّة وهو الذي أسهب في مذكراته في الحديث عن فلسفة البراكسيس بعيدا عن خطاب الفلتان وتشنجاته.

صحيح أنّه قد يمكن القول بأنّ رئيس الجمهورية الحالي في وضع محرج هو أشبه بميثيولوجية الاغريقي برومثيوس وقصّة زيوس معه الذي تنطبق عليه مقولة متمم في أخيه مالك: "عليه الشملة الفلوت". غير أنّ الأخطر من كلّ هذا هو الزيغ عن الوعود والتعهدات السابقة ونحن على أبواب إحياء ذكرى شهيد الوطن شكري بلعيد لأنّه حينها قد يقال لـ"سي الباجي" ما قاله حصيب الهذلي:"كانوا خبيئة نفسي فافتلتهم ..وكل زاد خبيء قصره النفد."

وإنّ غدا لناظره قريب!

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.