حذّر المؤرخ الجامعي عبد الواحد المكني في تصريح لحقائق أون لاين اليوم الجمعة، ممّا أسماه العبث بالخطوط الحمراء في الظرف الحالي الذي تمرّ به البلاد التونسية عقب الاحتجاجات الأخيرة التي تعيش على وقعها العديد من ولايات و مناطق الجمهورية،مقترحا حلاّ عمليا للخروج من المأزق الراهن.
وقال المكني إنّ الخطوط الحمراء تتمثل حسب رأيه في مكتسبات الدولة و ممتلكات الشعب و المواطنين وسيادة الجيش والامن الجمهوريين،معتبرا أنّ من يحاول العبث بها بالدعوة إلى ثورة ثانية يمكن وصفه بالمغامر الذي قد يفتح الباب أمام المجهول وخاصة إزاء غول الارهاب الذي يترصدّ البلاد،وفق تعبيره.
وأضاف عبد الواحد المكني نائب رئيس جامعة صفاقس و المؤرخ المختص في التاريخ المعاصر أنّ التحوير الوزاري الاخير لم يكن على مقاس الوطن بل كان على مقاس بعض الأحزاب أو شقّ يمثّل بعضها،مبينا أنّ الحلّ الذي من شأنه الخروج بالبلاد من شبح المجهول هو الانصات والحوار و تكوين لجان مشتركة في كلّ ولاية بين الحكومة و الاتحاد العام التونسي للشغل و المجتمع المدني و التشكيلات ذات المطلبية لتسطير جملة من المطالب القابلة للتحقيق عاجلا أو على المستوى المتوسط والبعيد.
وأردف المكني حديثه بالتأكيد على وجود بعض المزايدات السياسية من أطراف تريد أن تبيّن ضرورة إعادة خلط الاوراق،مقرا بأنّ ذلك من حقّها لكن شريطة أن يتمّ بطريقة ديمقراطية وفي حدود قوانين اللعبة أي احترام الدستور والقانون.
كما اشار المكني إلى أنّه وفي حقيقة الامر لا يوجد في الانتخابات حكم نهائي ولا أغلبية نهائية،مشدّدا على أنّه لا يجب فقط الاكتفاء بدراسة الملفات من قبل الولاة و المعتمدين والوزراء لأنّ ذلك لن يقنع الجماهير المنتفضة والتي فيها من هو صادق ومن هو تمّ توظيفه.
ودعا المكني إلى ضرورة التعجيل بالتعمق في معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة دون التفريط في المكاسب السياسية التي تحقّقت وذلك من خلال بعث لجان للحوار في كلّ ولاية تسطّر برامج قابلة للتحقيق ولا تذعن لاضغاث الأحلام.
وقد اعتبر المؤرخ عبد الواحد المكني أنّ حصر المشاكل في لعبة الشطرنج السياسي هو الذي أدى إلى حصول الانفجار الاجتماعي الحالي نتيجة تراكم الاوضاع.
وبخصوص مشروعية دعوة البعض للتعجيل بالنظر في امكانية تغيير النظام السياسي الحالي وهو برلماني معدّل كما أقره دستور 2014،قال المكني إنّنا نعرف أنّ النمط الذي اخترناه هو صعب في البداية ويتطلب طول نفس واستقرارا اقتصاديا وهذا لا ينسحب على الحالة التونسية حاليا في ظلّ التهديد الارهابي و أزمة مستعرة ليس من الهين استيعاب اجراءات لحلحلتها في ظلّ نظام سياسي معقد نسبيا،داعيا في كلّ الحالات إلى المحافظة على المكتسبات السياسية الديمقراطية.
ووصف الأستاذ المكني شهر جانفي بشهر النضال الاجتماعي وفقا لمعطيات تاريخية،مفسرا تفجر الاوضاع حاليا بالمشاكل المزمنة المتراكمة التي لم يقع الانكباب عليها بجدية أو على الاقل بالمجهودات اللازمة.
وشدّد على أنّ أسباب اندلاع التحركات الاحتجاجية الاخيرة تعزى إلى الاسباب ذاتها التي كانت وراء ما حصل بين ديسمبر 2010 و جانفي 2011 ومن بينها مطلب تشغيل أصحاب الشهائد العليا و الحدّ من نسبة البطالة و مقاومة التهميش و اضفاء التوازن بين الجهات والتمييز الايجابي بين المناطق الداخلية و الاقل حظا من الناحية التنموية.
واعتبر المكني أنّ هذه الاسباب خاصة كانت وراء اسقاط نظام بن علي وقد تحولت وقتها المطالب في منتصف الطريق إلى مطالب سياسية لاسيما بعد فرار الرئيس بن علي يوم 14 جانفي 2011.
وقال إنه قد حصل وقتها ركوب على الثورة من عديد الاطراف لاسيما بعد عودة المهاجرين وانتقال المطالب الاجتماعية والاقتصادية إلى مطالب سياسية،مشدّدا على أنّ تونس نجحت في نهاية المطاف في الخروج بسلام من الوضع الدقيق الذي مرت به بعد تنظيم انتخابات مرتين لا يمكن القدح في نزاهتها ولاسيما بعد أن أضحت التعددية السياسية واقعا ملموسا وسنّ دستور ديمقراطي هو مفخرة لتونس وللتونسيين مقارنة ببقية الاقطار العربية والافريقية.
وقد بيّن عبد الواحد المكني أنّ الحكومات المتعاقبة على السلطة سواء في عهد الترويكا أو مهدي جمعة أو حاليا الحبيب الصيد لم تنكب بالصفة الكافية لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بعد تفشي كارثة الارهاب التي حلّت بالبلاد وهي نتيجة التهافت الخارجي على تونس و محاولة افشال نمطها المجتمعي و تساهل نسبي في فترة الترويكا مع جذور وحواضن الارهاب.
وقد أكد محدثنا أنّ الاقتصار كان فقط على التغيير في مستوى الاستحقاقات السياسية ولم يتم الالتفات لضرورة العمل على تحقيق ثورة ثقافية ،واصفا الوضع الحالي بأنّه مأزق حقيقي فلا أحد بامكانه الجام صوت المطالبين بالكرامة و التنمية و الشغل والتمييز الايجابي في المقابل فإنّه لا أحد يمكن أن يوفر ضمانة لهذا الحراك الذي تحوّل إلى هيجان في بعض الاحيان ويمكن أن تنفلت الامور في اتجاه غير محمود العواقب إذا ماحاولت استغلاله الاطراف الارهابية وبعض الصقور المختصة في النهب والحرق،وفق تعبيره.