حصري/ بين الفصل أو الوصل: كيف تنظر حركة النهضة في مشروعها الجديد لإشكالية خلط السياسي بالدعوي؟

شرعت حركة النهضة مؤخرا في إجراء مؤتمراتها المحليّة لمناقشة فحوى مشاريع اللوائح الخمس التي صادقت عليها قيادة الحزب، بعد حوارات داخلية مستفيضة، في إنتظار تزكيتها في المؤتمرات الجهوية التي ستشهد جدلا كبيرا بالنظر إلى مشاركة القيادات والكوادر الوسطى بالجهات فيها، وهي التي كانت قد عانت ويلات تجربة المواجهة مع نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي مطلع تسعينات القرن الماضي.

وقد دفعت التكلفة باهظة في السجون و المتابعات الأمنية والقضائية والادارية. كما أنّ لفيفا منها انتقد طريقة تشكيل القائمات الانتخابية في 2011 وخاصة في 2014 بعد الاستنجاد بشخصيات من خارج الحزب وهو ما اعتبر تهميشا لـما يوصف بـ"مناضلي" الحركة.

هذه القواعد والقيادات الوسطى والمحلية والجهوية بدورها تشقها خلافات واختلافات في وجهات النظر بشأن المسار الذي انتهجته الحركة من خلال التحالف مع حزب نداء تونس "عدو الأمس"، فضلا عن الخطاب الذي أصبحت تتبناه القيادة المركزية وعلى رأسها راشد الغنوشي.

المهم أنّ المشروع الجديد المتعلق بما سمّته الحركة" سبل إدارة المشروع" الاسلامي الاصلاحي قبيل عقد مؤتمرها العاشر، يطرح السؤال التالي: هل أنّ الحزب/الحركة، هو الاطار الجامع الذي يهتم اضافة للشأن السياسي بالأبعاد المجتمعية الأخرى أم هو إطار الحزب الذي يتفرّغ للعمل السياسي في حين تنهض مؤسسات وأنسجة من الجمعيات والمبادرات المدنية المتخصّصة للقيام ببقية الابعاد أي "الدعوية الاجتماعية"؟

وتعتبر الحركة في مشروعها الجديد الذي سيصبح رسميا في حال المصادقة عليه في المؤتمر القادم، أنّ النهضة مشروع اصلاحي حضاري يستند إلى مرجعية إسلامية فهي تمثل امتدادا لحركة الاصلاح وتحتكم إلى الدستور بمضمونه الديمقراطي الاجتماعي، بحسب الوثيقة التي تحصلت حقائق أون لاين على نسخة منها، مؤكدة أنّ مردّ تطارح المسألة هو ضرورة البحث في أدوات إدارة المشروع الذي يقتضي انجازه مراعاة خصوصيات واقع البلاد الثقافي والاجتماعي والاعتبار بحصيلة التجربة التاريخية والالتزام بالقوانين الجاري بها العمل في البلاد.

وفي خلاصتها لتجربتها، ترى حركة النهضة أنّ مشروعها الاوّلي بدأ تاريخيا بحركة احياء ديني للمجتمع التونسي ومقاومة تيار التبعية والالحاق الثقافي بعد ما بدا يومئذ من استهداف للهويّة والرموز والمؤسسات الدينية.

وتقول الحركة إنّ مؤتمرها في سنة 1986 تبنى خيار أولوية العمل الدعوي الثقافي والاجتماعي. وتضيف أنّه في مؤتمر 2007 تقررت إحالة المهمة السياسية إلى قيادة الداخل كمقدمة للعودة بالكامل في الوقت المناسب.

هذا وقد اعتبرت حركة النهضة أنّ اشكالية العلاقة بين السياسي والدعوي استمرت إلى ما بعد الثورة التي قلبت المعادلات وعاد نشاط الحركة بقوّة وطرح اشكال ما سمّي بسبل تصريف المشروع" الذي تأجّل البتّ فيه إلى مؤتمر استثنائي كان يفترض أن يلتئم في صائقة 2014.

ويذكر أنّ أدبيات الحركة وأطروحات قياداتها على غرار راشد الغنوشي والصادق شورو والحبيب اللوز تعتبر أنّ المسجد هو حجر الزاوية في مشروعها الثقافي الاجتماعي. وكان مشروع جيل دولة الاستقلال التحديثي الذي قاده الرئيس الحبيب بورقيبة يوصف بالتغريبي و العلماني(أنظر على سبيل المثال كتاب الغنوشي من تجربة الحركة الاسلامية في تونس). وقد كتب رئيس المكتب السياسي الحالي نور الدين العرباوي كتابا في 2012 نشر تحت عنوان "نهاية البورقييبة" التي تقول حركة نداء تونس اليوم ورئيسها الباجي قائد السبسي إنّها وريثة لتلك التجربة.

وفي علاقة بالتجارب المقارنة في هذا المضمار، ترى حركة النهضة أنّه رغم ما شاب بعض التجارب لأحزاب ذات مرجعيّة اسلامية وصلت إلى الحكم من تعثر خاصة في مصر (المقصود الاخوان المسلمين) الا ان تجارب اخرى في بلدان مثل تركيا والمغرب قد وفّقت في إدارة رشيدة للعلاقة بين السياسي والمجتمعي عامة وبين الحزبي والدعوي تحديدا.

ويؤكد مشروع الحركة الجديد على أنّ الحرص للاستفادة من تلك التجارب لا يغني عن الحاجة إلى أن تبدع التجربة التونسية اليوم طريقا متميزا باتجاه المستقبل، وفق شروطها الخاصة.

وبشأن رؤيتها الاستراتيجية لهذه المسألة الشائكة،تؤكد وثيقة المشروع الجديد على أنّ حركة النهضة تسعى لترسيخ مرجعية دستور 2014 و بناء المواطن الصالح و تحقيق التوازن بين الدولة والمجتمع وضمان الحقوق والحريات وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتجذير كلّ ذلك في تراث المدرسة التونسية الاصلاحية التي وصفتها بالعريقة.

وفي ذات السياق، تدعو الحركة في مشروعها قيد الدرس والمناقشة إلى مراجعة التداخل بين الدعوي والسياسي، وترى أنّه بالامكان اتخاذ تدابير جديدة لادارة الثقافي الدعوي بمنأى عن العمل السياسي.

وتقرّ النهضة بضرورة الخروج مما أسمتها حالة الخلط بين الحزب والحركة من خلال التحوّل إلى حزب سياسي ديمقراطي ذي مرجعية اسلامية وطني الانتماء ومنفتح على جميع التونسيين والتونسيات.

وتقترح الحركة في مشروعها أن يختص الحزب بالعمل السياسي الصرف ويعود العمل الجمعياتي لمنظمات المجتمع المدني التي يقوم عليها الاكفاء المتخصصون والتي تقوم بمهام التربية والدعوة و التثقيف، بحسب ما ورد في متن الوثيقة التي تنفرد حقائق أون لاين بنشر فحواها.

وتضيف أنّه يمكن لهذه المؤسسات والجمعيات أن تشترك مع الحزب في المرجعية الفكرية والخط الاستراتيجي العام ولكن لا يجوز لها البتة أن ترتبط تنظيميا ولا ماليا ولا يقودها رموز و قياديون مباشرون من الحركة.

وتؤكد النهضة في مشروعها الجديد الذي مازال بصدد النقاش قبل المصادقة عليه محليا وجهويا ومركزيا في المؤتمر العاشر على ضرورة أن يقتضي هذا الخيار الاستجابة الصارمة للشروط التي يضبطها القانون في ما يتعلق بتنظيم الأحزاب والجمعيات والاستجابة لمتطلبات كل فضاء بناء على خصوصيته الوظيفية، كما شدّدت على أنّ هذا الخيار يتطلب المرور بمرحلة انتقالية لازمة تؤمن فيها مكتسبات الماضي وتوضع فيها خارطة طريق مستقبلية واضحة وخطة عمل دقيقة كفيلة بتوفير شروط نجاح الادارة الجديدة للمشروع ما تقتضيه من اعادة انتشار بشري وتوزيع للمواد والامكانيات المادية واللوجسيتة، وفق نصّ الوثيقة.

ونشير إلى أنّ الحركة في مشروعها الجديد الذي يخصّ مسألة الدعوي والسياسي اعتبرت أنّ المرجعية الاسلامية بالنسبة للحزب المتخصص في العمل السياسي تقتضي منه أن يؤسّس برامجه في مختلف المجالات على القيام والمقاصد الاسلامية في تزاوج مع الكسب الانساني العام وفق منهجية اجتهادية تجديدية في التقدير النظري وفي التطبيق الواقعي وضمن دستور البلاد.

ويذكر أنّ الشيخ الحبيب اللوز كان قد طرح في سنة 2008 مبادرة صلب الحركة تحت عنوان فكّ الارتباط بين الدعوي والسياسي ابان اجراء تقييمات بين القيادة التي كانت متواجدة في الداخل بعد أن غادرت السجن. بيد أنّ هذا التمشي تمّ التراجع عنه بعد الثورة ووصول الحزب إلى السلطة.

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.