لم يعد يفصلنا عن استقبال السنة الجديدة إلا بضع ساعات وسط ترقب وآمال كثيرة ولكنّها في الآن ذاته حذرة حيال المستقبل الذي ينتظر البلاد خصوصاً مع الضبابية التي لازالت لم تنقشع بعد ، وإزاء عديد التحديات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي تواجهها تونس.
ولئن لم تكن سنة 2015 في مستوى تطلّعات التونسيين، رغم انها جاءت مباشرة إثر انتخابات 2014 التشريعية والرئاسية التي رسمت ظاهرياً على الأقل، خريطة سياسية للبلاد أمل الشعب التونسي أنها قد تكون قادرة على القيام بالتغيير الذي طالما انتظره منذ ثورة 17 ديسمبر 2010- 14 جانفي 2011، فإنها شهدت بعض الجوانب الإيجابية وبشكل خاص فوز الرباعي الراعي للحوار الوطني، والذي يضمّ كلاًّ من الاتحاد العام التونسي للشغل، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، الهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بجائزة نوبل للسلام.
كما عرفت البلاد عدة "خضات" خاصة على الصعيد الأمني حيث ارتفعت وتيرة العمليات الإرهابية وتطوّرت من ناحية اختيار أهدافها، علاوة عن التوتر الاجتماعي وتردّي المقدرة الشرائية وعدم تسجيل أي تحسّن اقتصادي يذكر.
نواح سلبية.. وأخرى إيجابية
وفي هذا السياق، قالت الأستاذة الجامعية والباحثة في الحضارة العربية الاسلامية ودراسات علم النوع الاجتماعي (الجندر) آمال القرامي إن سنة 2015 ، ككلّ سنة، لها جوانب إيجابية وأخرى سلبية مشيرة إلى ان المسار الانتقالي مازال يعيش مخاضاً ولم يتمّ الوصول بعد إلى مرحلة الاستقرار.
وأوضحت القرامي، في تصريح لحقائق أون لاين اليوم الخميس، انه على الصعيد السلبي يسجّل استمرار العمليات الإرهابية وسقوط الضحايا مع تطوّر العمل الإرهابي حيث أصبح أكثر دقّة من ناحية تحديد الأهداف والانتقال من الضواحي والمرتفعات إلى المدينة..، فضلاً عن غياب استراتيجية واضحة ومتكاملة لمقاومة ظاهرة الإرهاب، حسب تعبيرها، موضحة ان مقاومته لا تكون عبر الأسلحة فقط وإنما هناك إرهاب في العقول يجب معالجته.
وأشارت كذلك إلى وجود ثلاثية المال والفساد والسياسة مبينة في هذا الإطار انه لا توجد خطة ولا توجد إرادة سياسية لمواجهة الفساد خاصة ان جزءاً من الإعلام مورّط في التغطية عليه.
أما على المستوى الإيجابي، فأبرزت محدثتنا انه بدء تلمّس بوادر التنظم وأشكال الاحتجاج على الانتهاكات ممّا يوحي بان المجتمع المدني مازال يؤدي دوره.
واعتبرت ان حصول الرباعي الراعي للحوار الوطني على جائزة نوبل للسلام هو دخول للتاريخ كما لاشارت إلى انه تمّ إقرار بعض القوانين كمنح المرأة حق استخراج وثائق السفر لأبنائها.
وختمت القرامي بالقول "ننتظر بقية الإصلاحات ومراجعة القوانين الرجعية التي لم تعد تتلاءم مع روح الدستور وروح المجتمع المدني".
الكثيرون لم يتعضوا بالتاريخ
من جهته، علّق أستاذ القانون الدستوري والمحلّل السياسي قيس سعيّد على الوضع العام للبلاد لسنة 2015 قائلاً انه في الظاهر جديد ولكنه قديم أو هو امتداد لوضع قديم أراد أن يضفي على نفسه مشروعية جديدة حتى يتواصل ويستمرّ.
وأشار سعيّد، في تصريح خصّ به حقائق أون لاين، إلى العمليات الإرهابية بين الحين والآخر و المناورات السياسية والى الهوّة التي تزداد عمقاً بين عموم التونسيين من جهة وبين من تمّ انتخابه أو من يسعى منذ الآن من أجل انتخابه، على حدّ قوله.
وأضاف ان سنة مرّت أو هي على وشك الانتهاء وستحفظ الذاكرة كما سيسجّل التاريخ عديد الأحداث موضحاً ان ما يغلب عليها هو هذا الصراع المستمرّ على السلطة دون برنامج ودون مشروع، مشيراً إلى ان كلّ طرف يمنّي نفسه بالبقاء في السلطة أو بالحلول محلّ من هم فيها اليوم.
وبيّن انه حتى بالنسبة للعمليات الإرهابية التي عرفتها تونس على امتداد هذه السنة، وهي كثيرة ومسّت العديد من المناطق وسقط خلالها شهداء أبرياء، لم تمرّ دون محاولات لتوظيفها والاستفادة منها سياسيّاً.
وقال محدثنا: "الدماء تسيل وفي نفس الوقت المناورات ومحاولات التوظيف تتواصل" مضيفاً ان الكثيرين لم يتّعظوا بالتاريخ ولم يقرؤوه جيداً بل كأنهم يريدون اعتقال الزمن واعتقال التاريخ.
وأردف بالإشارة إلى انهم لم يفهموا ان الشعب التونسي دخل مرحلة جديدة في تاريخه ولا يمكن مواصلة التعامل معه بآليات قديمة وبمناورات مفضوحة لافتاً إلى ان الشعب لم تزده هذه الأوضاع إلا رفضاً وامتعاضاً مما يحصل.
وأكد قيس سعيّد في ختام حديثه ان الأمل في الشباب وفي التونسيين الأحرار الذين يريدون الحياة في وطن حرّ محفوظ الكرامة مضيفاً "ليته تمّ التنصيص في الفصل الأول من الدستور على ان تونس دولة لا ذات سيادة بل دولة يريد شعبها أن يكون محفوظ الكرامة".