المرزوقي: هل كنت أصبح رئيسا لو لم أحلم وأنا شاب بأن أدخل يوما قصر قرطاج؟

نشر الرئيس السابق المنصف المرزوقي على صفحته الرسمية على الفايسبوك الجزء الثاني من "في فضل القدمين على الدماغ" جاء كما يلي:

"في فضل القدمين على الدماغ (2)

قد تكون أهم مزايا المشي، بعد تحرير التفكير، تحرير الحلم. إنه فرصة اختلاء الذات بذاتها والذهن لم يعد منشغلا بصراخ العالم ومجنّدا للردّ عليه. هو فرصة الاستماع للهمس الذي لا يكف داخلها. هو فرصة الدردشة مع الأعماق المجهولة التي تتصاعد منها ما نسميه أحلام اليقظة. 

أجمعت جل الثقافات البدائية على أن أحلام النوم رسائل مشفرة من عالم آخر وعلينا فكّ شفرتها لعل فيها تعليمات نحن بأمسّ الحاجة إليها. في عصرنا هذا تغيّر التصور وأصبحنا نرى في أحلام النوم -تحت تأثير المدرسة الفرويدية في علم النفس التحليلي – '' مسرحة '' شهواتنا ومخاوفنا . 

لكن بخصوص أحلام اليقظة ، ثمة شبه إجماع بين كل المفكرين على كونها مشاريعنا في أولى خطواتها . 
هل كنت أصبح طبيبا لو لم أحلم ، وأنا طفل في العاشرة يمشي على شواطئ حمام الأنف بكل من سينقذهم من الموت مثيرا إعجاب أمه وتعجب أبيه وغيرة كل أطفال الحيّ ؟ 

هل كنت أصبح كاتبا لو لم أحلم وأنا مراهق يمشي على شواطئ طنجة بأن يقرأ لي الناس بإعجاب كما كنت أقرأ لطه حسين ؟

هل كنت أصبح رئيسا لو لم أحلم وأنا شاب يمشي في غابات فرنسا بأن أدخل يوما قصر قرطاج لأواصل بناء وطن يهرب إليه التونسيون ولا يهربون منه ؟ 

لا أعتقد … لأن كل ما يحققه المرء من عظيم الأمور كان يوما '' أضغاث'' أحلام… لأن حياتنا من المهد إلى اللحد تفاعل سلسلة من الصدف مع إرادة تحركها الأحلام العنيدة.

لا أعتقد أيضا أن هناك كائن حي ّذكي ّ لا يحلم ، لأنه لن يكون إلا آلة تحركها الغرائز أو ورقة في مهب الريح . لذلك أعتقد أن كل من يعملون على الذكاء الاصطناعي وعلى '' أنسنة '' الروبوات لن يرضوا عن أنفسهم قبل أن تصبح للروبوت قدرة تصوّر ذواتهم في مستقبل بعيد وعلى حال مختلف يسعون إليه بكل قواهم.

انتبهوا هنا لعلاقة الحلم بالزمن . هذا الحلم مصنوع من أشلاء أفكار وصور وعواطف راكمها الماضي في العقل الباطني. بعد تشكلها في الذهن كمشروع جديد ، يرميها الحاضر بعيدا على خط الزمان لتصبح المستقبل المحدّد لجل أفعاله وهو يتحرك من نقطة لأخرى .ها قد أصبح هذا المستقبل الذي صاغه الحلم مثل القطب المغناطيسي الفيزيائي الذي يتحكم في اتجاه البوصلة و كل الأفعال من هنا فصاعدا مسكونة بهاجس تحقيق ما تمّ اقراره كهدف وطريق . 

المؤكّد أن كل أحلامنا لا تتحقق. 

لكن رجاء، لا تبالغوا في تقدير قيمة الأحلام التي تحققت ولا تنقصوا من قيمة الأحلام التي لم تتحقق… أي لا تبالغوا في الغرور إن حققتم أحلامكم وفي تبكيت الضمير إن لم تحققوها. 

يعرف كل عشاق الرحلات -وأنا منهم – أن أهم ما في الرحلة الطريق ، أما الهدف فليس إلا تعلّة أو ذريعة… ومن ثمة تجدّد وضع أبعد الأهداف عند وصول أي هدف لنعود إلى لذّة الجهد والمفاجأة والخطر .

الكنز الحقيقي ليس الذي ينتظرنا عند تحقيق الحلم وإنما كل ما تجنّد داخلنا من طاقات ذهنية ونفسية …كل ما عشنا وجرّبنا من حلو ومرّ على طول الطريق.
الثابت أننا نصنع أحلامنا وأن أحلامنا تصنعنا …أنها العنصر الضروري حتى وإن لم يكن الأوحد في تحديد مصيرنا …مصيرنا الفردي فقط ؟

لا ننسى أبدا أن كل حالم هو جزء من شبكة تحلم كل خلية فيها بأحلام شبيهة ومتباينة …أحلام لصالحها وأحلام للمجموعة التي بدونها لا تكون .

عن هذه الأحلام الجماعية ودورها في الاعداد وهندسة المستقبل الذي سيعيش فيه أبناؤك وأحفادك ، هذا ما أعتقد ….
يتبع"

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.