يبدو أنّ العلاقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقلدية، تسير نحو مزيد من التوتر وتراجع منطق الحوار مقابل استعار" حرب" التصريحات و البيانات و الندوات الصحفية، فبعد علاقة "الودّ" والتعاون التي أنتجتها الوضعية السياسية والأمنية والاقتصادية المنهارة زمن الترويكا حينها، لا تجد المنظمتان اليوم، أرضية التقاء.
علاقة الفتور بدأت مؤخرا وبشكل خفيّ منذ الإعلان عن فوز الرباعي الراعي للحوار بجائزة نوبل للسلام، وقد كانت هذه الجائزة الورقة الأولى التي يحاول من خلالها كل طرف أن يبرز دوره الوطني الذي أدّى إلى الظفر بالجائزة، ومنذ ذلك الوقت بدأت تلوح جليّا حالة التوتر التي تميز علاقة المنتظمتين، ليسارع اتحاد الشغل بنشر نصّ عُنوِن بـ" جائزة نوبل للسلام 2015: كيف بدأت وكيف تمت المغامرة "؟ وقال فيه الاتحاد إنه"بعد الإغتيال واستشهاد محمد البراهمي، النائب بالمجلس الوطني التأسيسي، رحمه الله يوم 25 جويلية 2013، قدم الإتحاد العام التونسي للشغل أول مبادرة يقترح فيها ورقة عمل ودعوة للحوار…وبعد انطلاق الحوار الوطني ونجاحه والذي كان فيه الإتحاد المبادر الرئيسي وتمكن من تجميع ثلاث منظمات وطنية عتيدة حوله ( منظمة الأعراف، رابطة حقوق الإنسان وهيئة المحامين التونسيين)…"
ولئن كانت رهانات ما بعد الحصول على جائزة نوبل وراء بروز بوادر خلاف، خاصة مع الجدل الذي رافقها حول الشخصية الجديرة بتسلم الجائزة في أوسلو يوم 10 نوفمبر الجاري، فقد تعمّق هذا الخلاف مع المفاوضات الجارية في القطاع الخاص وسط اتهامات متبادلة بغياب جدية منظمة الأعراف وعدم ملاءمة مطالب المنظمة الشغيلة للوضع الاقتصادي.
وبين هذا وذاك لم يفت الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، بأن يذكّر رئيسة منظمة الاعراف أنّ حالة التعثّر التي آل إليها المسار التفاوضي أبت إلاّ أن تفوّت على الرباعي الراعي للحوار فرصة الاحتفال بالتكريم في كنف الوفاق والتصالح،حسب تقديره.
كما تعمقت هذه الازمة بعد تصريحات رئيسة منظمة الأعراف التي قالت فيها إن إضراب القطاع الخاص -في حال فشل المفاوضات- لا يزعجها في شيء، الأمر الذي اعتبرته المنظمة الشغيلة استنقاصا وتعاليا تمارسه السيدة بوشماوي، وقرّرت على اثره مقاطعة جلسة اليوم الاربعاء، التي تجمع مجمع القطاع الخاص مع منظمة الاعراف برعاية وزارة الشؤون الاجتماعية.
وتجاوز الخلاف الفعل ورد الفعل بين المنظمتين ووصل حد تصعيد لهجة الخطاب، حيث أصدرت منظمة الأعراف بيانا، قالت فيه إن رئيسة المنظمة كانت دوما ولا تزال أبعد ما يكون عن خطابات "التعالي" و"الاستخفاف" و"الاستهتار"، وجدّدت رفضها افتعال الأزمات، والبحث عن الذرائع لفرض الشروط عليها في إطار جولة المفاوضات الراهنة، مشددة على أن محاولات التصعيد لا تخدم أي طرف وأن الوضع الراهن للبلاد لا يحتمل مزيدا من التوتر والاحتقان.
وأمام ما وصلت إليه العلاقة بين الاتحادين، عبّر رئيس مجمع القطاع الخاص بلقاسم العياري، عن احترام المنظمة الشغيلة لمنظمة الأعراف، مشيدا بالدور الكبير والتاريخي لاتحاد الشغل في حلحلة الازمات قائلا: التونسيون لما احتجوا على الظلم احتجوا امام اتحاد الشغل في بطحاء محمد علي وليس أمام منظمة الاعراف..
وإزاء هذه الحالة المشحونة تتنافس المنظمتان حتى في تواريخ تنظيم اللقاءات الإعلامية، حيث أعلن للاتحاد العام التونسي للشغل أن الندوة الصحفية ستكون إثر اجتماع المكتب التنفيذي الموسع، غدا الخميس، في حدود الساعة 13 ظهرا، وستتمحور حول أهم القرارات وخاصة التحركات النضالية القادمة لدفع المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص.
من جانبها تعقد لجنة الشؤون الاجتماعية بالاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في ذات اليوم صباحا أيضا ندوة صحفية للحديث عن المفاوضات الاجتماعية.
ولكن رغم ذلك فإنّه أمام هذه التجاذبات والخلافات القائمة بين المنظمتين العريقتين في ظلّ دفاع كلّ طرف عن مصالح منظوريه،فإنّ الباب مازال مفتوحا لإعطاء الاولوية لمصلحة البلاد وما تقتضيه حساسية المرحلة من تقديم التنازلات والانتصار لمنطق الحوار والتفاوض البنّاء عوض الانزلاق في أتون القطيعة و التنافر الذي قد يزيد في تعقيد الامور.فهل تجد الازمة طريقها إلى الحلّ قريبا؟
وهنا يمكن التأكيد على أنّ الحكومة ووزارة الشؤون الاجتماعية على وجه الخصوص و كذلك رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي سبق أن ساهم في عقد اجتماعات بين الطرفين مع ممثلي الدولة حكومة و برلمانا و رئاسة،كلّهم قادرون على الدفع نحو الحوار و تنقية الأجواء من أجل حلحلة الاشكال وفقا لمقاربة توافقية تراعي مصالح العمّال و أرباب العمل في الآن ذاته لا السقوط في مربع منطق الغلبة و المكابرة.