حواجز التواصل في تدريس مادة الإتصال

قمت رفقة مجموعة من الأساتذة الجامعيين وأساتذة التعليم الثانوي وبعض طلبة الدكتوراه بتأمين دروس في مادة الاتصال الغير لفظي لطلبة إحدى مدارس المهندسين. دام التكوين أسبوعا و في آخر يوم نظمنا لقاء تعارف بين الزملاء. 

اللقاء سيطر عليه الموضوع الذي أصبح معتادا في الأوساط الأكاديمية التونسية: مشكلة عزوف الطلبة عن استخدام اللغة الفرنسية وما يحدثه هذا العزوف من هوة بينهم و بين الأساتذة، وهو ما يجعل عملية التدريس و التعامل مع الطالب بشكل عام متعثرة و صعبة. وككل مرة تثار فيها هذه النقاط يتم إرجاع تدني المستوى التعليمي و الثقافي في تونس إلى تراجع استخدام اللغة الفرنسية في الأوساط الجامعية. 

سألتني إحدى الزميلات عما إذا كنت قد واجهت نفس المشكلة مع الفريقين اللذين درستهما خلال الأسبوع. إجابتي كانت بالنفي مما خلق بين الزملاء الذين كانوا يتابعون النقاش حالة من الصمت و الاستغراب سرعان ما قاطعتها إحدى الزميلات الأخريات لتسأل: يعني كل طلبتك يجيدون الفرنسية؟

أجبتها بأنني لم أجبرهم على تكلم الفرنسية وبأنني تركت لهم حرية اختيار اللغة خصوصا في الحصص الأولى. مرة أخرى يبدو أن إجابتي لم تكن مقنعة إذ ذكرتني إحدى الزميلات بأن الهدف الأساسي من التكوين كان تأهيل الطلبة لتقديم تقارير تربصاتهم أمام لجنة متكونة من أساتذتهم وأن التقديم سيكون بالفرنسية وسيتم على إثره إسناد عدد للطالب.

أخبرتها بأنني لست أستاذة لغة فرنسية وأن مقاربتي لم تكن لغوية بالأساس. سألوني عندئذ عن مجال تخصصي و عرفوا أنه في الاتصال و عرفت أنهم أساتدة لغة فرنسية. 

الاتصال ليس درسا في اللغة

من بين الأمور التي طلبت منا كإطار تدريسي توحيد محتوى الدروس وبالتالي فقد مدنا أساتذة قسم الاتصال بمدرسة المهندسين بمحتوى مفصل للدروس مرفقا بالأمثلة وبالتمارين الخاصة بكل حصة.

هذا المحتوى بالإضافة إلى أنه يستند كليا إلى نظريات وتعريفات وإشكاليات غربية وفرنسية في جزء كبير منها (وهذا أمر مفهوم إلى حد ما) فان النصوص التي تشكل مصدرا للتمارين كانت تدور حول أحداث مرتبطة بسياقات غربية وشخصياتها تحمل أسماء فرنسية وتحتوى على كلمات (البعض منها ضرورية لفهم النصوص) مستمدّة من اللغة العامية الفرنسية والتي لا يمكن للطالب التونسي فهمها أو إدراك معانيها حيث أنه لا يتعرض إليها خلال مسيرته الدراسية.

كما تتضمن التمارين جملا متداولة في الثقافة الفرنسية تُعرف بصعوبة نطق حروفها وحركاتها الصوتية والهدف منها تنمية قدرة القارئ على نطقها و تبليغ معانيها إلى المتلقي المُطالَب بدوره بالإصغاء إليها ثم ترديدها.

أذكر أن نفس هذه الجمل إعتمدتها في تمارين مع الطلبة عندما درّست في فرنسا وكانت ناجحة ومسلّية في الوقت ذاته. لكن بما أن هذه الجمل غريبة على الطالب التونسي فإن تركيز هذا الأخير ينصب على قراءتها من الورقة دون فهم لمعناها أو لعلاقتها بمغزى التمرين. بالنسبة للمتلقي يكون الأمر أكثر تعقيدا. 

كلنا مسؤول

حاولت قدر المستطاع تدارك الأمر والتخلي عن بعض التمارين أو تعويضها بأخرى و الإكثار من ضرب الأمثلة المرتبطة بواقع الطلبة لكن ضرورة الالتزام بمحتوى الدرس وعدم الخروج عن النسق الجماعي جعلني التزم بالمطلوب إجمالا… لكنني لازلت مقتنعة بضرورة مراجعة المنهجية والطريقة البيداغوجية التي يتم بها تدريس مادة و مهارات الاتصال في تونس. 

ولا بد لهذه المراجعة أن تشمل أيضا محتوى الدروس ومجالات اختصاص المدرسين المكلفين بتأمينها و أن يتم فيها مراعاة خصوصية الاتصال كمجال مرتبط أساسا بالواقع الثقافي و الاجتماعي للطالب وبإطاره المرجعي.

ومن ناحية أخرى فإن اعتماد المراجع و المناهج الأجنبية لا يعفي الأساتذة من بذل الجهد اللازم لملاءمتها مع السياق الواقعي للطالب و خصوصا على مستوى التمارين كي لا يتحول تدريس مادة الاتصال في مختلف مؤسساتنا التعليمية إلى دروس في القواعد النحوية و الصرفية للغة الفرنسية أو إلى اجترار أعمال الباحثين و المدرسين الغربيين و هي أعمال تنطلق من واقعهم مما يجعلها تنجح عندهم و تفشل عندنا. 

من وجهة نظر تواصلية و إذا اعتبرنا بأن الدرس مجموعة من الرسائل التي يحرص المدرس على تبليغها لطلبته في إطار عملية تواصلية تفاعلية فإن من بديهيات العملية التواصلية ملائمة الرسالة مع نظام الترميز اللغوي والثقافي والاجتماعي للمتلقي كي لا تحيد عن هدفها.

من البديهيات أيضا استخدام الوسائل والقنوات المناسبة، فكيف نوظف قناة أي لغة يجد الطالب المتلقي صعوبة في فهمها كي نوصل إليه رسائلنا؟ المسألة ليست تحاملا على اللغة الفرنسية وإنما دعوة لمراعاة الانسجام بين عناصر العملية التواصلية كي تحصل الفائدة.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.