الشماريخ تلمع في سماء قرطاج.. والحضرة 2015 في أحد أروع عروضها هذه الصائفة

لمعت سماء المسرح الأثري بقرطاج، ليلة أمس السبت 25 جويلية 2015، وتعالت أصوات الشماريخ وانتشرت ملايين النجوم الملونة والبراقة في السماء لتستقبلها الجماهير بالأهازيج  والتصفيق رافعين العلم الوطني ومنادين بحياة تونس وبسقوط الإرهاب. 

وكما وعدت إدارة مهرجان قرطاج الدولي فإن سهرة السبت كانت استثنائية في حجم الذكرى الوطنية، ذكرى ميلاد الجمهورية التونسية الثامن والخمسين وقد كان الإحتفال رائعا زادته هتافات الجماهير والزغاريد رونقا وزهت السهرة بعرض الحضرة للفاضل الجزيري.

دارت السهرة في أجواء طيبة وبمراقبة أمنية مكثفة وقد حضرها رئيس الحكومة الحبيب الصيد وعدد من أعضاء الحكومة تتقدمهم وزيرة الثقافة لطيفة لخضر وعدد من النواب ورجالات الدولة ومن الفنانين والإعلاميين. 

تواصل القاء الشماريخ حوالي خمس دقائق وانطلقت العملية مباشرة بعد النشيد الوطني ليفسح المجال اثر ذلك لفريق الحضرة 2015 لتقديم عرض تفاعل معه الجمهور  بكل جوارحه طيلة السهرة ولم ينفك يرقص على الإيقاعات المنبعثة من المسرح ويصفق ويبعث بكلمات الإطراء والتشجيع. 

الحضور  الغفير الذي غصت به مدارج المسرح الأثري بقرطاج كان استثنائيا فعلا في تفاعله الإيجابي مع العرض وفي حسن إنصاته ولابد من الإقرار بجهود الفاضل الجزيري الذي يسعى باستمرار إلى الخروج من النمطية والذي يفاجئ الجمهور في كل مرة بنفسه الإبداعي وبقدرته على الخلق الفني دون المساس من روح العرض ومن جوهره فالأغاني والرقص الصوفي يمثلان العمود الفقري للحضرة وهو ما حافظ عليه المخرج المسرحي والفنان الكبير الفاضل الجزيري.  

بطبيعة الحال كانت الإضافات واضحة في الحضرة 2015 ولم تقتصر على آلات الإيقاع وآلات النفخ والآلات الوترية التي أدخلها على العرض على غرار الباتري والساكسوفون والقيثارة والكمان التي أضيفت لآلات  البندير والناي والزكرة وإنما أدخلت إضافات كثيرة على مستوى الفرجة فقد أصبح العرض فرجويا أكثر، فهو لا يتوجه إلى الأذن فقط وإنما هناك بحث على مستوى الفرجة تمثل بالخصوص في تنويع الإيقاعات الراقصة وفي تصميم رقصات جديدة قريبة من روح العصر حتى وإن بقيت في الإطار الروحي والصوفي مع تكثيف حضور العنصر النسائي. النساء  كنّ حاضرات على الركح إلى جانب الحضور الرجالي وكن موجودات كذلك في مختلف أرجاء المسرح وخاصة في المساحة أسفل الركح التي افرغت من الكراسي وخصصت للرقص المتنوع الصوفي والرقص التقليدي التونسي والرقص الإيقاعي العصري إلى جانب اللوحات الكورغرافية.

وقد بدت عناصر العرض منسجمة إلى درجة أن المستمع قد يستمع إلى صوت الساكسوفون دون أن يشعر باختلاف كبير مع آلة الزكرة كما أن الجمهور استحسن صوت الناي المنبعث من آلة الكمان أحيانا. 

ولعل الجمهور لاحظ أن الآلات الجديدة إنما هي قريبة في أصواتها من الآلات التي تعتمد عادة في الحضرة   وهي البندير والدف والناي والزكرة مما يعني أننا بقينا في نفس الطقس وفي نفس المناخات الموسيقية والتغيير الذي يمكن أن يلاحظه المتفرج يتمثل بالخصوص في قوة الصوت وهو ما بحث عنه على ما يبدو الفاضل الجزيري للوصول إلى تلك العاصفة الموسيقية التي يتخدر  فيها العقل وتتحرر فيها الأجسام  وتدخل في "تخميرة" لا تستفيق منها إلا عندما تتوقف الموسيقى.

وقد جسم الفاضل الجزيري مشاهد الرقص التقليدي على ايقاع الموسيقى الصوفية التونسية وعلى إيقاع الطرق الدينية التي يفقد فيها الراقص وعيه بعد الدخول في حالة غير عادية شبيهة بحالة المرضى النفسيين وهي طريقة يعتقد في قيمتها الرمزية وفي قدرتها في شفاء الأجساد  العليلة  وعلى تطهير النفس من الأمراض ومن المشاكل التي تشكل عبئا عليها  وتكتم على أنفاس الإنسان. 

ولعلنه من الجدير ان نشير إلى أن عرض الحضرة للفاضل الجزيري واضافة إلى متعة الموسيقى ومتعة الفرجة يحمل قيمته في أنه عرض شاف للنفوس من خلال تلك الأغاني الدينية والصوفية والتقليدية التي تسكن الروح التونسية ويكفي لأحدهم أن يحيرها بإتقان وبفن حتى تتحفز الرغبة في التحرر من الجاذبية الأرضية والإستعداد للقيام برحلة على أجنحة الموسيقى الصوفية وفي عالم الطرق الدينية بطقوسها وقوانينها على غرار الشاذلية والقادرية والعيساوية وغيرها. 

دام العرض حوالي ساعتين وربع استمتعت فيه الجماهير بالأغاني المعروفة على غرار يا بلحسن يا شاذلي ويا فارس بغداد وبوسعيد الباجي والليل زاهي (نسخة جديدة بآداء نسائي) وغيرها إلى جانب مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر خصاله وسيرته والتغني بمولده ومناجاة المولى سبحانه وتعالى وقد تميزت الأصوات الشابة والأقل شبابا والأصوات المعروفة أبرزها الهادي دنيا  والأقل شهرة بجمال الصوت وقوة الحنجرة أما الشباب الراقص فقد كان يتمتع بطاقة كبيرة وبحيوية دون أن ننسى الإنسجام الواضح بين مختلف عناصر مجموعة الحضرة بالعازفين وهم أغلبهم من المؤدين الجيدين كذلك ومن مرددين ومن ضاربي الدف.

على مستوى الملابس طغت الملابس البيضاء  التي كانت في أغلبها  مستمدة من اللباس التقليدي مع لمسات خفيفة عصرية مع حضور للجبة الخمري  أما عازفو الآلات الغربية فقد كانوا في لباس عصري أسود.

واكبت الجماهير السهرة إلى آخر لحظة وكان الإنطباع العام أن العرض كان جميلا ورائقا رغم الإحساس بوجود تغييرات كبيرة في الحضرة 3 أو في الحضرة  2015 كما يسميها الفاضل الجزيري.

 

آخر الأخبار

الأكثر قراءة

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.