محسن مرزوق..UNDER FIRE

أيام قليلة ويغادر قصر قرطاج عائدا لمقر النداء في البحيرة بعد تجربة قصيرة في العمل مع الرئيس أسالت الكثير من الحبر وأغضبت الكثيرين الذين لم يستوعبوا سهولة التأقلم في المهمة الجديدة التي يدخلها أول مرة، وراهنوا على فشله مع ثقل التركة التي وجدها ساكني قرطاج الجدد بعد ثلاث سنوات عجاف مرت كان فيها المنصف المرزوقي وفريقه يلهون بسعادة من فاز بشيء لم يحلم به أبداً في أروقة القصر.

الهجوم على محسن مرزوق يبدأ من قهوته الصباحية التي قد يشربها مع أصدقائه ولا ينتهي مع تناول العشاء في جلسة يمكن تصنيفها بين لقاء مع قيادة الحركة الماسونية أو اجتماع سري مع رموز الإمبريالية أو مؤامرة مع رموز الرجعية، والمشكلة في الاتهامات أنها مرة تصدر من عتاة اليسار ومرة من أقصى اليمين مما يجعله دائماً تحت النار.

زيارة واشنطن والتي قيل فيها الكثير وأنه كان العقل المدبر لكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة جعلت الغضب ينصب عليه من مشارق الأرض ومغاربها وجلوسه للتوقيع على مذكرة التفاهم للتعاون طويل المدى مع الولايات المتحدة الأمريكية جعلت من ذلك الحدث الأهم وتراجعت بقية نتائج الزيارة لمرحلة ثانية، رغم أن قرار واشنطن اعتبار تونس حليف رئيسي خارج حلف الناتو يعتبر انجازا فاق توقعات الكثيرين حول المستوى الذي وصلت له علاقات البلدين.

قلق الكثيرين مما يفكر به محسن مرزوق يجعل من خصومه الكثر وأعدائه يحاولون تصيد أي خطأ ليكون بوابة للهجوم عليه رغم إن كل الهجمات لم تنجح في إضعافه والمساس بمكانته في القصر أو في نداء تونس. منذ بداية السنة والنيران توجه من أطراف عديدة في النداء وخارجه ضد محسن مرزوق وكأن الرجل قليل الكلام والظهور في وسائل الإعلام يدير كل ما يجري سواء في قصر قرطاج أو داخل مقر النداء الذي شهد صراعات عنيفة بين أطراف عدة وجماعات تحمل تناقضات أكثر بكثير مما تحمل من توافق، لكن كل ذلك أوصل لنتيجة واحدة أن الأمانة العامة للحزب عادت إليه بسلاسة غير متوقعة تعكس أن الصورة الحقيقية لمطبخ صنع القرار السياسي داخله يجهلها الكثيرون.

نجاح الرجل في امتصاص الصدمات والأزمات التي واجهت النداء بعيداً عن الأضواء وبصمت دفعت بكل المتمردين والغاضبين والحالمين للقبول بالتسوية الممكنة والمقبولة والتي خرج الخاسر الأكبر فيها من توهموا بقدرتهم على السيطرة على الحزب عبر الأموال والإعلام، ورغم كل إمكانياتهم الكبيرة فشلوا في كسب المعركة لأن تجارب العمل الحزبي لم يعيشوها ولم يعرفوا لحظاتها الفاصلة وغاب عنهم أن السياسة لا تصنع في وسائل الإعلام والاستعراضات الغبية فكانت النتيجة دائما الرضوخ للأمر الواقع أو الانسحاب المهين من سباق لا يعرفون كيف يخوضوه.

بعد واشنطن سيكون أمام أمين عام النداء تحديات قديمة متجددة وأخرى تفرض نفسها قسراً على واقع نداء تونس المتعب من كثرة الخلافات والأزمات التي عصفت به في الأشهر الخمسة الماضية والمهم إعادة ترتيب البيت بهدوء داخل أسوراه والنظر للقادم في الساحة السياسية من مواعيد لأن علاقة الحركة بمؤيديها وناخبيها شهدت الكثير من الغيوم التي تحتاج لمن يملك الرؤية والشجاعة لمسحها من الواقع واستعادة ثقة المناصرين والناخبين.

محسن مرزوق ينهي فترة من تجربته الجديدة ويعود للنداء محاطا بالكثير من التحديات وفي مواجهته ملفات عسيرة بين رغبات الحالمين بالمواقع القيادية والباحثين عن أدوار ثانوية أو كبيرة في قادم المحطات السياسية، وفي مواجهة واقع سياسي يشارك نداء تونس بصناعة جزء كبير من صورته، وفي كل هذه المشاهد من الصورة يبقى اللغز المحير أمام الجميع بماذا يفكر الأمين العام الجديد فمن أصعب التجارب السياسية عندما يكون رجل المرحلة الذي يقف أمام الجميع لا يملك أحد تفكيك شيفرة أفكاره أو معرفة ما يريد، وهذه الحيرة والغموض الإيجابي يعطيه السبق في السير بهدوء وبعيداً عن المحاور والتحالفات وصخبها وأضرارها السياسية.

آخر الأخبار

الأكثر قراءة

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.