تونسيون "يمتصّون" دماء وطنهم

هل يمكن أن نصبح يوماً ضمن صفوف الدول المتقدمة؟ أو على الأقل هل يمكننا أن نحلم بذلك؟ 

الإجابة على أسئلة كهذه، بعيداً عن التفاؤل وعن التشاؤم المفرطين، تتلخص في أن وصول تونس إلى ركب الدول المتقدمة أمر صعب للغاية وتحقيقه يحتاج إلى عقود من العمل والأهم من ذلك إلى تغيير شامل في طريقة التفكير والتعامل مع ما يحدث حولنا.

كيف يمكن أن نتوقع، أو أن ننتظر، من بلد ينشأ أبناؤه على نظرية الربح السريع والسهل، وعلى اعتبار الدراسة مجرّد وسيلة عبور للحصول على وظيفة في القطاع العام التابع للدولة بهدف تأمين المستقبل من خلال أجر شهري ثابت واستقرار في الوظيفة سواء كان هناك عمل جاد فيها أو مجرد تسجيل حضور، كيف ننتظر منه أن يتقدم ولو بخطوة بسيطة إلى الأمام؟!

وهل نستطيع أن نتأمل خيراً في أجيال تُقتل فيها مواهبها قبل أن تنمو وتُمنع من الخلق والإبداع ويُقمع فيها كلّ صوت أو قلم أو لوحة تحاول أن تخرج عن القطيع؟! بل كيف نريد أن نبني بلداً ومازال الآباء يلقنون أبناءهم أن الهدف من وجودهم في الحياة هو الحصول على عمل قارّ وعلى منزل وزوجة وأطفال، متناسين ومتجاهلين أهدافاً أسمى وأجمل وأرقى يمكن أن يحققها أطفالهم؟!

قتل الإبداع وقمعه والاقتناع بفكرة الاستقرار والربح السريع والسهل، كلّها عوامل بنت مجتمعاً يتميز أفراده بانتهازية مطلقة وتفكير "أناني" محدود لا يتجاوز المصلحة الفردية والرغبة في "امتصاص" كلّ ما يمكن ان تقدمه أو توفره الدولة، وفي المقابل يرفض أن يقدّم أدنى ما يفترضه العقل والمنطق من عمل يمكن أن يعود بإنتاجية تستفيد منها الدولة كي يستفيد منها هو بدوره.

ولعلّ أبرز ما يثبت ذلك هو الدراسات المنجزة أخيراً والتي بيّنت ان الموظف التونسي لا سوى لمدة وجيزة يومياً، في حين أن نسب الإضرابات المطالبة بالزيادة في الأجور في ارتفاع ملحوظ، حيث لا يكاد يمرّ يوم من الأسبوع دون أن نسمع فيه ان قطاعاً ما ينفد إضراباً عن العمل.

وإذا كان الإضراب حقاً دستورياً ومشروعاً – وهذا أمر لا لبس فيه -، فإن العمل والإنتاج من واجب الموظف والعامل (مهما كانت درجاتهما)، حتى يكتمل مفهوم المواطنة الحقيقي الذي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال معادلة تقوم على التمتع بالحقوق مقابل الالتزام بالواجبات.

هذه الانتهازية التي وصلنا إليها اليوم، والتي تتجسد في كافة الميادين والمنظمات والهيئات وحتى الدولة، فمن يمسك بالسلطة يبحث عن مصلحته الشخصية، والمعارضة ضعيفة وهشة تحاول الوصول إلى الحكم بشتى السبل من أجل مصالحها كذلك، ومنظمات المجتمع المدني لا ترى أبعد من مصالحها الضيقة تحت شعارات رنانة، والمواطن وسط كلّ هذا يبحث عن مصلحته لاهثاً وراء جهة معينة أو أخرى علّه يحصل على فتات ما يجمعونه، ليبقى الوطن وسط كلّ هذه الفوضى والانتهازية ضائعاً يبحث عن أبنائه ربما نجحوا في تخليصه من معاناته والسير معه وبه نحو الأمام، لا العودة به إلى قرون وسنوات مضت.

ولهذا، على الجميع أن يدرك ان نهضة هذه البلاد لا يمكن أن تتحقق، ولو بجزء بسيط، دون تغيير كامل وشامل في المنظومة الفكرية وثورة ثقافية تطال كلّ العقول، علّنا نصبح يوماً ما مواطنين حقيقيين في وطن حقيقي.

آخر الأخبار

الأكثر قراءة

آخر الأخبار

استطلاع رأي

تقدّم عدد من نواب مجلس نواب الشعب، بمقترح مشروع قانون لاعتماد نظام الحصة الواحدة في المؤسسات التربوية العمومية، فهل أنت:




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.