حتى لو تم اجتثاث كل أشجار وأحراش جبل الشعانبي والسلاسل الجبلية المتصلة به، وإحراق كامل المرتفعات المتاخمة لحدودنا مع الجزائر وتسوية تضاريسها بالأرض، فإن كمائن الارهابيين ستتواصل و كذا سقوط الأمنيين والجنود ، حقيقة قد يدركها البعض ويجهلها كثيرون، خاصة ممن لم يدركوا بعد أن هؤلاء يعيشون بيننا ويستقرون في أحيائنا وقرانا ويصلون في المساجد ذاتها التي يصلي فيها مسلمو هذا البلد الذين لا ينحرون ولا يحرقون، ويتنقلون بأفكارهم وقناعاتهم المفخخة في كامل المجال الحيوى الذي يتحرك فيه التونسيون، بعضهم توفر له عتاد الحرب فجاهر بها وبعضهم ينتظر تمكنه من أول قطعة سلاح فيعلنها صراحة.
يتساءل كثيرون: ألم تكف ثلاث سنوات من التمشيط والقصف والحصار لمساحة جبلية لا تتخطى سبعة الاف هكتار ولا تتجاوز أعلى مرتفعاتها ألف وخمسمائة وخمسين مترا ولا يتعدى عدد المتحصنين فيها، وفق تقديرات أمنية وعسكرية، سبعين عنصرا؟
نعم ثلاث سنوات لا تكفي وقد لا تكفي عشرات السنين من القصف المتواصل لمرتفعات ومنحدرات الجبال لاستئصال الحشاشين الجدد، لأنهم باختصار يعيشون بيننا في أحياء القصرين وسيدي علي بن عون ومنزل بورقيبة والمروج وفي كل المدن التونسية وهم جزء من آلاف العائلات التونسية الفقيرة منها والمتوسطة والمترفة على حد سواء.
أربع سنوات تعمدت فيها السلط المتعاقبة التعامل مع الفعل الارهابي كأي جريمة أو جنحة فردية اخرى يجب أن تتوفر فيها أركان قصدية الفعل وثبوت الجرم وتوفر اداة الجريمة وما يكفي من الأدلة والتسجيلات والشهود… حيث لا يمكن محاكمة ارهابي الا اذا ضُبط في مرحلة اطلاق الرصاص أو نحر ضحيته، وفي ما عدا ذلك فهو بريء الا اذا توفق مرة اخرى في تنفيذ جريمة جديدة وضُبط متلبسا.
مئات المعتقلين بشبهة الانتماء الى تنظيم أنصار الشريعة والمشاركة في جرائم استهداف الأمنيين والعسكريين سواء كان لهم دور في تنفيذ الجُرم الارهابي أو أنهم أعلنوا اشادتهم بالجريمة عبر تنظيم الولائم الاحتفالية في المساجد والساحات العامة ابتهاجا بذبح الجنود ورجال الشرطة، المئات من هؤلاء يتم اطلاق سراحهم من طرف القضاء بعد اعتقالهم.
والسيناريو ذاته يتكرر في كل مرة: يعترف هؤلاء لدى باحث البداية بمشاركتهم في جريمة ما أو بانتمائهم لخلية نائمة في تنظيم ارهابي، وعند احالة المتهمين الى قاضي التحقيق يتراجعون عن اعترافاتهم بعد تلقيهم تعليمات من فريق الدفاع بدعوى أن الاعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب، فيقع افراغ ملف القضية من كل بيّنة اثبات حقيقية، ويكتفى القضاء بظاهر النص ويتعامل مع الارهابي تماما كما يتعامل مع النشالين ولصوص الأغنام وباقي مجرمي الحق العام، ويتعاطى مع الجريمة الارهابية كما يتعاطى مع جريمة الزنا التي لا يمكن اثباتها الا اذا تم ضبط المتهم في فراش الزوجية.
يُخلى سبيل الارهابي وينتصر فريق الدفاع حتى وان ثبت أنه متورط في مد كبار الارهابيين المطلوبين بمحاضر التحقيق، ويتعطل العمل بقانون الارهاب القديم ويتواصل اللغط الحقوقي حول مشروع قانون الارهاب الجديد المعطل لأنه يضم فصولا تتيح للأجهزة الأمنية اختراق الجماعات المتشددة والتنصت عليها، أو اقتحام بيوت الارهابيين المطلوبين دون استئذان أو أخذ موعد مسبق.
تنتصر حقوق الانسان في نسختها التونسية العجيبة التي لم تخطر على بال مخترعي مفهوم حقوق الانسان في الغرب، ويُذبح حُراس الوطن الواحد تلو الاخر وتتعاقب مواكب اللطم والعويل، ويُقوّم "الخبير في الشأن الأمني" اعوجاج ربطة عنقه قبل أن يظهر على الشاشة وهو يُقسم بأغلظ الايمان أن "تونس ليست حاضنة للإرهاب".