اليوم الأحد 4 جانفي يوم ليس كغيره من الأيام الـ365 للسنة بالنسبة لعشاق الساحرة المستديرة.. اليوم ليس يوما عاديا بالنسبة لأوفياء اللعبة الشعبية الأولى في تونس.. هذا التاريخ سيظل بمثابة اليوم الأسود في تاريخ كرتنا وهو الذي اختار أن يغيب عنا رجلين من أكثر الناس إخلاصا وعطاء على الميادين هما المغفور له الهادي بالرخيصة والمرحوم لسعد الورتاني..
الأول اختطفته يد المنون سنة 1997 عن سن تناهز 25 سنة فيما لاقى الثاني ربه في السنة الماضية في عمر لا يتعدى 32 سنة. "بلها" توفي على ملعب الشادلي زويتن يوم 4 جانفي 1997 في اللحظات الأخيرة من مباراة ودية أجراها الترجي الرياضي أمام أولمبيك ليون الفرنسي في لحظة لن تمحى من مخيلة كل من تابعها..
المشهد كان سرياليا باغت الجميع بل أن زملاءه في الملعب لم يتوقعوا تلك النهاية بما أن المرحوم سقط بعد ترويضه بالصدر لكرة عادية من رمية تماس ليسقط عقبها مغشيا عليه وتفشل كل المحاولات الطبية للفريق الفرنسي في إعادته إلى عالم الأحياء. بالرخيصة توفي على أرض الميدان تاركا لوعة في قلوب كل عشاق الكرة في أفق يتجاوز حدود ناديه الترجي الرياضي إلى بقية النوادي التي بكت بحرقة "شهيد الكرة".
بعد 16 سنة من وفاة "بلها" تحين ساعة نجم آخر عشقته كل القلوب واحترمته كل الجماهير لجمعه بين الروح الرياضية والطباع القيادية والكفاءة الفنية هو المرحوم لسعد الورتاني الذي توفي في ساعة مبكرة من صباح الرابع من جانفي 2013 وهو في طريقه إلى المطار ليأتي بالحقائب المحملة بالألعاب لأبنائه إلا أن حادثا مروريا حال دونه والوصول إليهم.
الغريب هو أن الورتاني قام بزيارة حديقة المرحوم منير القبايلي ليلة وفاته أين التقط صورا كان بمثابة توديع المكان الذي شهد عزه ومجده الكروي في إشارة إلى تعلق "الزقو" الشديد بنادي باب الجديد. زوجة المرحوم قالت إن أماني المرحوم لم تكن كثيرة وأنه اختصرها في العودة من جديد إلى حديقة منير القبايلي التي غادرها بصورة لم تكن لائقة بالمرة.
"المرحوم" ظل يمني النفس بالعودة إلى الإفريقي مدربا بعد أن استحال أن يكمل فيه المشوار لاعبا وهو الذي قال ذات مباراة مرتديا قميص الترجي الجرجيسي أن قدميه لم تقويا على حمله لمواجهة الإفريقي فطلب من مدربه تغييره ! لسعد تأسف لخروجه من الباب الصغير ولكنه لم يزدد إلا عشقا للأحمر والأبيض الذي سيبقى في نظر أبنائه رمزا لا ينسى.
ما يجمع الورتاني ببالرخيصة كثير .فكلاهما سمي "قلب الأسد" لما كانا يتميزان به من لعب رجولي وقتال على الملعب كما أن كليهما منح فريقه ألقابا ظلت تتمنع حتى ساهما في ترويضها وتطويعها. وفاة بالرخيصة لا يمكن أن تنسي "العائلة الترجية" أو عشاق الكرة التونسية هدفه في شباك الزمالك حين قطع نصف الملعب إلى أن وصل المرمى المصري ليضع كرته في الشباك ويهرول في أعقابها إلى جماهير الترجي ليهديها بشرى كأس إفريقيا للأندية البطلة.
المجد والرجولة عاشهما المرحومان ولكن أيضا لم تكن نهاية مسيرتهما مع الترجي الرياضي للهادي بالرخيصة والنادي الإفريقي للسعد الورتاني بالشكل المطلوب فـ"بلها" كان بصدد مغادرة نادي باب سويقة بسبب بعض الخلافات مع سليم شيبوب الرئيس الأسبق للفريق حيث تؤكد عديد المصادر أنه لم يكن ليمدد بقاءه إلى ما بعد صائفة 1997 لكن يد المنون كانت أسبق منه لتكتب نهايته بأحرف حمراء وصفراء خالصة.
وعلى ذات الشاكلة توفي الورتاني فقد حرمه قصر نظر بعض المسؤولين في الإفريقي وسوء تقديرهم للأمور على مواصلة المشوار مع الفريق لينهوا مسيرته مع الأحمر والأبيض في عمر 29 سنة فقط قبل أن يقرر وقف مسيرته في الموسم الموالي بعد تجربتين قصيرتين مع الترجي الجرجيسي وشبيبة القيروان فريقه الأم الذي أنهى معه مسيرته.
بالرخيصة والورتاني توفيا وفي القلب حرقة سببها بعض مسؤولي الفريقين . قاتلا لإسعاد جماهيرهما ولكن لغة التاريخ عادة ما تنصف الكبار وها أنهما يخلدان لدى الجميع دون استثناء في حين لف النسيان من ساهم في مرور تجربتيهما بأسوأ ظروفها.. رحم الله "قلبي الأسد" ورزق أهلهما ومحبيهما جميل الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.