من أجل أن يرتاح الشهداء في قبورهم

ساعات قليلة تفصلنا عن أول إنتخابات تشريعية حرة منذ استقلال تونس في 20 مارس 1956 ، حيث يتوجه الناخبون لإختيار من سيمثلونهم ويدافعون عن حقوقهم التي طالب بها الشعب في ثورة 2011 وضحى من أجلها الأبطال.

قد تكون هناك أهمية خاصة للإنتخابات التونسية، ليس فقط لدى 5.3 مليون تونسي يحق لهم الإنتخاب ولكنه اهتمام وترقب من ملايين العرب والمتابعين ، وحتى اولئك الشجعان الذين نزلوا إلى الشوارع العربية للمطالبة بالحرية ويعيشون الآن إما في السجون أو في بيوتهم محبطين، بعدما اصبحوا في نظر الشعوب حفنة من الخونة والعملاء، يعلقون آمالا كبيرة على هذا الحراك الديمقراطي لإثبات أن شعوب المنطقة تستحق الأفضل وأن تجربة تونس يمكن ان تلهم أولئك الذين يتقاتلون في بقية دول الربيع العربي وتدعوهم إلى التفكير مجددا ومراجعة أنفسهم.

بعد أكثر من 3 سنوات على اندلاع الثورات العربية واسقاط اعتى الانظمة الديكتاتورية، يمكننا القول صراحة ان النتيجة صفر، عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى وملايين المشردين، لا تطورا  قد حدث، ولا آمال حقيقية بقيت، انقسامات وعداءات ولدت حتى داخل الأسرة الواحدة، و انقسم الناس بين طرفي الصراع اللذين يتشابهان في جميع دول الربيع العربي ( اسلاميون – نظام سابق أو جيش ) ولم يحاولوا ان يفكروا ولو لوهلة واحدة أن هؤلاء لا يستحقون وان هناك الأفضل.

ربما نحن كعرب، لم نعتد أن نبحث كثيرا وراء الأفضل، نقبل ما نراه أمامنا لأنه الأسهل، نرضى بما نحصل عليه أيا كان ونقول "افضل من غيره" ولهذا نحن في مصر وتونس واليمن وليبيا مستمرون في الصراع الأكثر خطورة على مستقبل الأجيال القادمة، نواصل اختيار من ندافع عنه بناء على اعتقاداتنا الدينية والايديولوجية، نصر حتى اللحظة الأخيرة ان ننقسم وفقا لتوجهاتنا رغم أننا ندرك تماما أن هذا سوف يقودنا إلى الهاوية.

خلال الحملات بين الديمقراطيين والجمهوريين قبيل إنتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت مؤخرا، تابعت معظم المناظرات التي جرت بين أوباما ورومني، بغض النظر عن موقفك من أمريكا ورؤيتك لدورها في المنطقة لكن لا أحد يمكنه ان ينكر ما وصلت إليه الولايات المتحدة من قوة وتطور حتى اصبحت القوى الأكبر في العالم، هذا ليس لأنهم يملكون المفتاح السحري، أو انهم وجدوا الكنز الثمين في شيكاغو، ولكن لأن الشعب هناك يعرف كيف يقرر مستقبله والأسس التي يختار من أجلها، لذلك كانت المناظرات تركز جلها على قضايا  التعليم – الصحة – الوظائف – التنمية  ولم يسأل أحد الحاضرين عن توجهات أو اعتقادات ايديولوجية لدى المرشحين، هذه الشعوب نجحت لأن لديها الوعي الكافي لإختيار من يدافع عنها ويحقق مصالحها، ونحن مازلنا في القرن الحادي والعشرين نتعارك ونتجادل على الهويات والافكار، حتى اصبحنا شعوبا متخلفة تقاتل بعضها في الشوارع واصبحنا من وجهة نظر شعوب العالم، حفنة من الجهلة السفاحين بعدما كنا أحرارا وابطالا ويحتفي بنا العالم قبل 3 سنوات فقط.

النداء الذي أتمنى ان يسمعه 5.3 مليون تونسي سوف يقررون مستقبل وطنهم غدا، وقد يعيدون الأمل لثورات اجهضت عمدا. نحن نعيش في الحياة لنتعلم من التجارب التي نمر بها، والناجحون هم الذين يستوعبون الدرس جيدا ولا يكررون الأخطاء، لقد رأيتم تجربة مصر وليبيا وسوريا و اليمن، الشعوب هناك انقسمت حسب الإنتماءات العقائدية والفكرية ولم تبحث عن الأفضل، يمكننا القول ان الملايين الذين انتخبوا مرسي رئيسا، هم انفسهم الذين صوتوا للسيسي، ربما لأنهم لم يحاولوا يوما أن يفكروا ان الإنتخابات عملية ديمقراطية لاختيار الافضل، فكانوا يسيرون وراء الحملات الاعلامية والحشود التي تتصارع من أجل الإنتماءات لا الأفكار والبرامج التي تستحق، في ليبيا يتقاتل الشعب المنقسم بين رجال جيش يشعرون بالإشتياق للسلطة واسلاميين متشددين يريدون ان يستمروا في العبث والتدمير، ولو فكر الليبيون قليلا لعرفوا ان الطرفين لا يستحقان افضل من بصقة تمحيهم من الصورة، وان البلاد بها من الكفاءات المهملة ما يمكنها ان تحقق لهم مطالب الثورة.

ساعات قليلة لتقرروا مصير تونس ، وربما مصير الثورات العربية التي تبدو مثل أوراق الشجر التي تتشبث بالجذع الأخير، الوقت مازال أمامكم للتفكير في الأصلح، ابحثوا وراء المرشحين، اختاروا من يملك برنامجا يستحق وافكارا تقود للبناء، ابتعدوا عن الحشود التي تسير وراء الإنتماءات فقط ، فهؤلاء سبب فشلنا.

 لا تنسوا أن هناك ابطالا قد ضحوا بحياتهم من أجل هذا الوطن، ابطالا لم يخافوا من بطش قوات بن علي ووقفوا بصدور عارية ليحملوا احلامكم امام جبروت الرئيس الهارب، انهم يستحقون ان يرتاحوا في قبورهم بان تختاروا أفضل من يمثل احلامهم البريئة، الفرصة لن تتكرر كثيرا، و التاريخ لا ينسى، تخل عن افكارك الايديولوجية وانتخب من سيدافع عن مطالبك ويبقي روح الثورة في تونس الخضراء، من اجل وطن لا يرجف فيه الأمل.

آخر الأخبار

الأكثر قراءة

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.