نشر القيادي بحزب المؤتمر من اجل الجمهورية ورئيس الحملة الانتخابية للرئيس المؤقت المنصف المرزوقي، عدنان منصّر، يقول بحبر قايسبوكي منذ قليل :
"إلى الصديق لطفي زيتون، مجددا :
طالعت البارحة بعض مقتطفات من حديث يبدو أنك قلته في اجتماع انتخابي في باجة دعوت فيه إلى عدم انتخاب "من يقسم التونسيين إلى جبهة 18 أكتوبر وجبهة 7 نوفمبر"، ولأنني لا أريد أن آخذ أحدا بالشبهة وعلى الظن، فقد بحثت عن التسجيل وعثرت على المضمون نفسه في حوار صحفي قصير يبدو أنك أدليت به بعد الاجتماع الانتخابي المذكور. أود قبل أن ألج المضامين أن أصف لك الصورة التي انطبعت في ذهني بعد مشاهدتي التسجيل: بدوت لي، رغم أن صحفيا واحدا كان أمامك، تنظر في كل اتجاه تقريبا، ترفع عينيك تارة إلى فوق وتارة إلى هذا الجانب وذاك. فهمت من حركة عينيك أنك كنت إما محرجا وإما غير مقتنع بما تقول، وفي كلتا الحالتين فإن الأمر عندي سيان، فقد قلته في اجتماع وأدليت به للإعلام، ما يعني أنه موقف شديد الوضوح نطق به لسان يحركه دماغ على أتم الوعي. أريد فقط أن أسألك، من وحي حركة عينيك في التصريح، عما أنت نادم اليوم: على الزمن الذي كانت فيه مواقفك أكثر ثورية أم على مواقف اليوم التي لم تنفك، مختارا أم محتارا، تصرح بها منذ أشهر. سأسألك نفس السؤال بعد عام، وسنرى أين ستكون حينئذ وإلى أي اتجاه تنظر عيناك…
لنأت الآن إلى المضمون، وموقفك الذي كان موجها لي شخصيا، وللحزب الذي أنتمي إليه، وربما لمرشحنا للرئاسيات. هنا يصبح لي الحق في مقارعتك ومناقشتك وتعرية موقفك. بالنسبة لك "انتهى 7 نوفمبر منذ أربع سنوات"، وهذا صحيح، فهو ينتهي في الثامن من نوفمبر من كل سنة، ولكنه يعود إلينا بعد السادس من نوفمبر من كل سنة أيضا. مجازا، يعتبر كلامك أن النظام القديم قد انتهى، وهنا أسألك: من الذي أفشل سعيكم إذا لم يكن النظام القديم هو الذي فعل ذلك ؟ من الذي حاصر كل عمل قمتم به؟ من الذي نراهم اليوم لا يخجلون من التصريح بأنهم النظام القديم ويواجهونكم بأنهم خصومكم في الانتخابات وبعدها؟ من الذي يتوعدكم بنفس الممارسات حتى لو فزتم بالانتخابات ؟
وددنا لو أنكم دعوتم الناس لعدم التصويت لهؤلاء، ولكنكم لا ترونهم أصلا فكيف تدعون لعدم التصويت لهم ؟ من كل الطيف المتقدم للانتخابات، لم تجدوا إلا المؤتمر تدعون لعدم التصويت له. المؤتمر سي لطفي اعتبر كل ما تعرضتم له من مآس في السابق مأساة مناضليه الخاصة، لسبب بسيط وهو أننا نقدس كل ذات بشرية ونعتبر مأساتها مأساتنا. المؤتمر سي لطفي حمى ظهوركم عندما تآمر عليكم الجميع وطعنكم من كل جانب، لأننا اعتبرنا ذلك دفاعا عن خيار الشعب في الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة. المؤتمر ورئيسه الشرفي سي لطفي حمى ظهوركم بعد انسحابكم من الحكم، لأنه رفض أن يقصى الناس بسبب آرائهم وانتماءاتهم، وقد واجهنا في سبيل ذلك من الضغوط ما تعلمون وما لا تعلمون. المؤتمر، ورئيسه الشرفي تحملا في سبيل احترام خيار الناخبين ما تنوء به الجبال: حمينا بامكانياتنا البسيطة التجربة الديمقراطية، وأفشلنا مؤامرات الداخل والخارج، وسنستمر في إفشالها ما منحنا الله النفس. ليس من أجلكم، بل من أجل أن لا يضام أحد في هذه البلاد بعد اليوم. ليس من أجلكم، بل من أجل ألا يعيش أبناؤنا، أبنائي وأبناؤك، ما عاشه الجيل الذي سبقه من تهميش وعسف وسجن وتشريد.
المؤتمر سي لطفي كان يصدع دوما بالموقف المبدئي عندما كان البعض يقضي ساعات وأياما يتساءل إن كان التوقيت ملائما للمبادئ أم لا. الرئيس الشرفي للمؤتمر صدع بأكثر المواقف خطورة عليه عندما كان البعض يكتفي بالنواح بصمت على مصير الديمقراطية وكرامة الإنسان في بلدان قريبة وبعيدة. ليس ذنبنا سي لطفي أننا لا نتقن كثيرا فنيات الحساب، وليس ذنبنا أن البعض أصبح يتقنها أكثر ممن أبدعها من كبار علماء الرياضيات أنفسهم. هناك في حياة الشعوب منعرجات، وبعد عشرين سنة أو مائة سنة، لن يبقى منا سوى مواقف حق صدعنا بها عندما خير الآخرون الصمت. لذلك نحن متواضعون ولا نود أن نتقن كثيرا الحساب، ولكننا نحتاط من أن يعاقب أبناؤنا ذكرانا في قادم الأيام والسنين.
كم نود سي لطفي أن نكون مخطئين وأن تكون المصيب، وأن يكون 7 نوفمبر قد زال إلى الأبد، إذا لاقتصدنا كثيرا من طاقتنا، ولقضينا وقتا أكبر مع أصدقائنا وأبنائنا، ننعم بهم وينعمون بنا ما بقي من أعمارنا. وليس المجال هنا للتدليل على أن 7 نوفمبر لا يزال حيا يرزق. كل أملي أن نكون نحن المخطئين، وأن تصيبنا عدوى تفاؤلك الباهر والمبهر. في الأثناء يتسلل إلى سلة التوافق التي تنوؤون بحملها ذئاب وضباع كثيرة، ستقفز في وجوهكم عندما ستفتحون الكيس لتروا إن كان من بالداخل قد أكل وشبع ونام. خبرنا معا النظام القديم سي لطفي، ولكننا كونا عنه فكرتين متناقضتين فيما يبدو: فكرتنا أنه لن يكون هناك نظام جديد طالما كان هناك نظام قديم، وأن للنظام القديم من القوة والطاقة ما يجعله قادرا على الاستمرار والانقضاض على كل من يمثل تهديدا لسطوته، ولو بعد حين. فكرتك أن النظام القديم قد انتهى وأنه لا بناء من دونه، وأنه وديع وطيب القلب، لذلك فأنت قادر على التعايش معه لأنك أنت أيضا وديع وطيب القلب. الصراع سي لطفي ليس حول أشخاص وأسماء، بل حول أخلاقية وطنية رأيت أنك تلقي بها وراء ظهرك أبعد فأبعد في كل مرة.
لي سؤال آخر: كيف يمكن أن تعتبر أن النظام القديم قد انتهى وتدعو في الوقت نفسه إلى البناء معه؟ كيف تنكر وجوده وتدخله في الوقت نفسه ذلك الكيس؟ أما أنا فرأيي أنك تعرف أنه لم ينته، وأنك أدخلته الكيس بمحض إرادتك، وأنك فقط ترفض أن تنظر داخل الكيس مجددا. نحن سي لطفي لم ندخل أحدا الكيس، ولم ندخله، ورغم ذلك فإننا نعرف من فيه وما فيه. هذا سي لطفي لا يتطلب عكس ما قد يذهب في روعك آلات ولا إمكانيات ولا حسابيات… هذا سي لطفي يتطلب فقط أن يكون خوفك على خيار الناس وثورتهم أكثر من خوفك ممن يتهددونها، أولئك الذين ساموكم سوء العذاب طيلة ربع قرن، أولئك الذين سيعيدون الكرة بمجرد مغادرتهم كيسا لا يتسع لهم بالتجربة. الغريب مع ذلكـ، ورغم أنك كنت تنظر أثناء تصريحك في كل اتجاه ، لم تكن تراهم !!".