التحذيرات الاستخباراتية الأجنبية لتونس:دعامة ضدّ الارهاب أم انتهاك للسيادة الوطنية؟

تلقّت السلط الأمنية والعسكرية التونسية خلال السنتين الفارطتين،في ظلّ تصاعد وتيرة التهديدات الارهابية،عديد التحذيرات والاشعارات من قبل جهات استخباراتية اقليمية ودولية تفيد بوجود مخطّطات وأخطار تستهدف الأمن العام للبلاد والسلامة الجسدية لشخصيات بارزة سياسية وإعلامية وحقوقية من قبل جماعات جهادية متطرفة تدور في فلك الخطّ الأيديولوجي لتنظيم القاعدة وروافده العالمية ، والتي تعزّزت في المنطقة المغاربية عقب التحولات السياسية التي شهدتها على وجه الخصوص كلّ من تونس وخاصة ليبيا  التي أضحت مركز ثقل وبؤرة لهاته المجموعات العنيفة والمتشدّدة المؤمنة بالتغيير عبر التمكين بقوة السلاح والتكفير وانتهاج خطّة شوكة النكاية تمهيدا لبثّ الفوضى المتوحشة وتثبيت أركان مشروعها الرامي لتأسيس "دولة الخلافة".

آخر هذه الافادات تجلّت في المعطيات التحذيرية التي قدّمت من جهة استعلاماتية أجنبية لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي نهاية الأسبوع المنصرم حول امكانية استهدافه بالاغتيال في حال تحوّله إلى ولاية جندوبة من قبل أطراف ارهابية ترنو إلى الاجهاز عليه ، مثلما تروم منذ مدّة الوصول إلى وجوه سياسية أخرى على غرار حمّة الهمامي والباجي قائد السبسي وأحمد نجيب الشابي وحسين العباسي والقائمة تطول بالنسبة إلى المهدّدين بالتصفية الجسدية من قبل مجموعات ارهابية تختلف الجهات الرسمية والاعلامية في تحديد هويتها ، على الرغم من أنّ أهم العمليات التي جدّت في تونس نسبت في غالبها لتنظيم أنصار الشريعة الارهابي الذي يقوده أبو عياض بالتنسيق مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وتشكيلاته المشتّتة، والذي هو أيضا متورّط في ارتكاب جرائم خطيرة من قبيل اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي ، حسب ما تؤكده وزارة الداخلية والتحقيقات القضائية.

قصورالمخابرات التونسية؟!

من أبرز الاستنتاجات التي يمكن التوصل اليها من خلال التمعن في كلّ المعطيات والوقائع الآنف ذكرها،هي دون شكّ حالة الوهن والقصور الذي أصاب جهاز المخابرات التونسية بمختلف تفرّعاته وروافده( المصالح المختصة،حرس،استعلامات عسكرية،ادارة الارشاد بالأمن الرئاسي،وكالة التعاون الخارجي،مقاومة الارهاب..) بعيد الثورة و الذي احدث ارتباكا واهتزازات صلب مؤسسات الدولة لا سيما تلك التي كانت تمثّل مصدر قوّة وجبروت النظام السابق.

المتغيّرات السياسية ألقت بظلالها على هذه المؤسسات خاصة وزارة الداخلية التي تمثّل الدولة العميقة حيث طالتها ارادة المدّ الاصلاحي عبر اجراء تحويرات واصدار قرارات جريئة لكنّ البعض منها لم يكن مدروسا بتؤدة وعقلانية الأمر الذي ساهم في إفراغ الأجهزة المحورية التي كانت تمثّل حصنا لحماية الأمن الوطني عوض ملاءمتها مع التحوّلات الحاصلة في البلاد.

لقد زاد قرار حلّ جهاز أمن الدولة(البوليس السياسي زمن بن علي)في اضعاف وتوهين المنظومة الاستخباراتية لتونس ممّا فسح المجال للأجهزة الأجنبية التي اضطلعت بدور مواز عبر تكثيف عملها الاستعلاماتي لاسيما حول التهديدات الارهابية وقد استبقت الأمور وحذّرت من امكانية اغتيال محمد البراهمي من طرف سلفيين متشدّدين لكن دون جدوى حيث لم يؤخذ الاشعار على محمل الجدّ فكانت النتيجة كارثية على تونس وأمنها الذي وصل إلى درجة مؤذنة بالخراب والفوضى حينئذ. فضلا عن التجاذبات وحملات التشكيك التي طالت وزارة الداخلية ممّا أدى بالمحصلة إلى مزيد ارباكها في ظلّ عدم تسييرها بطريقة محايدة تراعي المصلحة الوطنية العليا بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة.

 

وثيقة الاشعار بامكانية اغتيال البراهمي

السيادة الوطنية على المحك؟!

تكرّر الاشعارات والتحذيرات الاستخباراتية الاجنبية خلال المدّة الفارطة يطرح عديد التساؤلات حول مدى احترام هذه الجهات الاستعلاماتية لمبدأ السيادة الوطنية التونسية. فمن أين تتحصّل المخابرات الاجنبية على هذا الكم الهائل من  المعلومات الدقيقة والحسّاسة التي تخصّ الأمن الوطني التونسي؟ وهل لهذه الأجهزة علاقة ما بجواسيس أو مخبرين يشتبه في كونهم يتعاملون مع سفارات أجنبية بتونس تابعة لدول نافذة عالميا؟ وهل باتت المخابرات الاجنبية على دراية بحيثيات الواقع التونسي وبالأخطار المحدقة بالبلاد أكثر من المشرفين على دواليب الحكم فيها؟ وكيف بامكان المخابرات التونسية تلافي نقائصها وتحسين أدائها الميداني الاستباقي؟

حول كلّ هذه الأسئلة الحارقة والشائكة،يقول نائب رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل مختار بن نصر في تصريح لحقائق أون لاين إنّ طرح هذه المسائل يتنزّل في إطار الحرب على الارهاب حيث من الطبيعي أن يكون هناك تعاون بين الدول بخصوص المعلومات . وهو أمر منصوص عليه من قبل الأمم المتحدة في قوانينها التي تحثّ على التصدي لهذه الظاهرة عبر الاشعار وتقديم المعلومة إذا ما توفرت علاوة عن التدريبات المشتركة والدعم التقني واللوجستي.

ويضيف العميد المتقاعد من الجيش الوطني إنّ تونس لها علاقات تعاون ليست بجديدة على المستوى الاستخباراتي خاصة مع الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا والجزائر ، مفيدا أنّ الأجهزة الاستعلاماتية التابعة  لبعض هذه الدول قادرة على مراقبة الشبكات والتنصت تقنيا على مدار الساعة ممّا يتيح لها استقاء معلومات هي مطالبة بتبليغها في حال التأكد من مدى مصداقيتها.

واعتبر بن نصر أنّ تكثّف مثل هذه  التحذيرات والمعلومات الواردة على الأجهزة الأمنية التونسية لا يعكس بالضرورة ضعفا اعترى هذه المؤسسات ، مشدّدا على أنّ الأعراف الدولية لا تمنع قيام السفراء والدبلوماسيين بممارسات من هذا القبيل.

وأشاد بوجود تطور على مستوى جمع المعلومة وتحليلها والتنسيق داخليا وخارجيا في علاقة بالأجهزة الاستخباراتية التونسية التي أصبحت تستشعر الخطر وتتصدى استباقيا مستدركا بالقول إنّ هذا لا يجب أن يحجب حقيقة ضرورة التطوير والتحسين مقترحا بعث وكالة وطنية للاستخبارات تكون بمثابة المجمع الذي يؤم كلّ الأصناف الأمنية والعسكرية المعنية بالمسائل الاستعلاماتية بهدف استقراء أفكار العدو وتحديد الاجراءات اللازمة.

هذا وقد ختم العميد بن نصر حديثه بالاشارة  الى أنّ بلادنا تمتلك كوادر وكفاءات بشرية مختصة في هذا المجال مبرزا انّ ما ينقصهم فقط هو التقنيات المتطورة ومؤسسة من شأنها تجميع كلّ هذه القوى التي لا يمكن من دونها بناء دولة حديثة قوية قادرة على ضمان أمنها وسيادتها الوطنية.

قنابل موقوتة تحتاج إلى تفكيك؟!

من جهة أخرى،أكّد أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية قيس سعيّد ، في تصريح لحقائق أون لاين ، أنّ هذا الموضوع يلفّه الكثير من الغموض وهو ما يبعث على التساؤل حول خطر استباحة سيادة الدولة ، معتبرا أنّ المشرفين على الجهاز التنفيذي ، من رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة محمد المنصف المرزوقي الى رئيس الحكومة مهدي جمعة ، مطالبون بالتثبّت من هاته المسألة وحماية  القرار الوطني السيادي والمجال الترابي للبلاد حتّى لا تتحوّل تونس إلى مرتع للمخابرات الأجنبية التي من الطبيعي أن تتعاون مع الأجهزة المحلية لكن في إطار قيم السيادة الوطنية.

وبيّن أنّ كلّ الأسئلة الواخزة التي سبق أن ذكرناها هي ذات مشروعية في ظلّ تعدّد الحالات التي كانت فيها المخابرات الأجنبية على اطلاع دقيق بفحوى الأمور وأدق التفاصيل لما يحصل ببلادنا من تهديدات للأمن الوطني.

وأردف قائلا : اذا كان الأمر يتعلق  بمؤسسات الدولة التونسية التي من المفترض أن تشرف وتراقب وتتحكم في هكذا عمليات فلا غرابة في المسألة . لكن إذا ارتبط الموضوع بأفراد يشتغلون في الداخل لفائدة استعلامات أجنبية فحينها ليس من حقّ أي قوة عظمى مهما علا شأنها أن تستبيح حرمة السيادة الوطنية ، مفيدا بأنّ هذه الجريمة إن وجدت فهي تخضع للقانون الجزائي الذي يعاقب على تهمة التخابر والمساس بأمن البلاد والعباد.

وشدّد في المحصّلة على أن سريّة المسألة و واجب التحفظ ، الذي قال إنّه مفهوم ، لا يمكن قطّ  أن يمنعنا من التساؤل بشدّة وتسليط الضوء على هذا الموضوع الحسّاس الذي تزيد الحالات المتكرّرة في تأجيج الحيرة إزاءه ناهيك عن الحاجة إلى فهم ما يجري في هذا العالم الاستخباراتي الذي وصفه بالمغلق.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.