عندما يصبح الإرهاب مطية للبزنس الإعلامي..

"مرعب: مخطط كبير يستهدف مشاريع.." ، "خطير: هذا ما كانت تخطط له الجماعات الارهابية..".. هذه العبارات الرنانة تمثل غيضاً من فيض من العناوين التي نجدها بشكل يومي في الصحف المكتوبة والالكترونية وشاشات التلفاز وغيرها.. عناوين كفيلة وحدها بزرع الرعب في نفوس المواطنين و إثارة مخاوفهم من عمليات إرهابية تهدد حياتهم.

وهي أيضاً عناوين تجعلك تركض نحو المقال وتقرؤه فتفاجأ، إذا فكرت قليلاً، بأنه مجرد كلام لا أدلة ثابتة تدعمه وتثبت صحته. 

فجلّ هذه المقالات تكون مصادرها مجهولة حيث يستعمل كاتبها عبارة "مصدر أمني" أو "مصدر مطلع" وغير ذلك  من المصادر التي لا يمكن التثبت منها.

أو أن يكون كاتب المقال نقل المعلومات من شخص نقابي و قد يكون أمنيا معزولا ومجال عمله بعيد عن الإرهاب وهنا من الطبيعي أن نتساءل كيف تحصّل هذا النقابي على هذه المعلومات؟ 
وفي حالات كثيرة، قد يسمي "مصدر المعلومة-الاشاعة" نفسه خبيراً في الإرهاب والمجموعات الاسلامية المتشددة والمسلحة، دون أن تكون له الخبرة أو الدراية في هذا المجال أو على الأقل دراسات متعلقة به. 
من الوارد أيضاً ان يتم اختيار شخص ما ليتحدث في الظاهرة الارهابية وبقدرة قادر ولعلاقات مع إعلاميين وصحفيين هنا وهناك يصبح هذا الشخص خبيراً بغض النظر عن خلفيته العملية والفكرية التي غالباً ما تكون بعيدة كلّ البعد عن كلّ ما هو مرتبط بالأمن والارهاب.

وباختصار، فإن من يثرثرون في مختلف وسائل الإعلام ويحلّلون ويدعون انهم يملكون كلّ الإجابات والقدرة على التخطيط وقراءة ما سيقوم به الإرهابيون وعددهم وانتشارهم.. كلّ هؤلاء إما يبحثون عن الشهرة السريعة والمزيفة من خلال إحداث ضوضاء فارغة أو يخدمون أجندات معينة.
ويمكن تصنيف التعاطي الإعلامي مع ملف الإرهابيين إلى قسمين رئيسيين:
–    الأول وهو التغطية الإخبارية أي الاكتفاء بنقل الوقائع ومتابعة الأحداث مع إمكانية استضافة خبراء أو من يزعمون أنهم كذلك،
–    الثاني وهو ما يدعيه البعض من تحقيقات صحفية استقصائية تهم الظاهرة الإرهابية، والواقع اننا إذا نظرنا إلى هذه "التحقيقات" وجدنا انها بعيدة كلّ البعد عن المهنية والحرفية التي يتطلبها إعداد تحقيق صحفي استقصائي حيث ان هذا الأخير يختلف كثيراً عن التغطية العادية للأحداث ويحتاج إلى بحث وتحرّ واستجوابات وغيرها.. ولا يمكن نقل معلومات عن موقع "ويكيبيديا" على سبيل المثال لا الحصر، ونشرها في صحيفة والقول بان هذا العمل هو تحقيق استقصائي.. فهذا اسمه ضحك على الذقون واستخفاف بعقول القراء.

ويمكن القول ان ما نراه في الصحف اليومية ومعظم المواقع الالكترونية، خصوصاً في ما يتعلق بالظاهرة الارهابية، لا يعدو كونه ظاهرة صوتية تخلق جلبة وتثير جدلاً وتجذب مزيداً من القراء.

ومن الوارد أيضاً انها، عن وعي أو دون وعي، تخدم أجندات سياسية لأطراف تستفيد من البلبلة الصادرة وتسييرها وفقاً لمصالحها الخاصة.

ولهذا، يتعين على الإعلاميين والصحفيين جميعاً أن يبدؤوا بتحمّل مسؤولياتهم ومحاولة إيجاد تفسيرات حقيقية لظاهرة الإرهاب في تونس بغية معالجتها من جذورها بعيداً عن المزايدات السياسية والمصالح الشخصية و النفعية ، وأيضاً بعيداً عن جلساتهم الخاصة التي يرسم فيها من يسمون أنفسهم بـ "النخبة المثقفة" ملامح سياستهم وما ستغدقه عليهم من أموال و مغانم ومناصب.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.