النداء يكسب معركة صفاقس؟!

قبل سنة ونيف، وفي عزّ سطوة وتغوّل أحزاب الترويكا وعلى رأسها حركة النهضة،كان مجرد التفكير في عقد اجتماع شعبي بمدينة صفاقس من قبل نداء تونس يعدّ ضربا من أضغاث الأحلام التي تحاكي "منامة العتارس" إذا ما استعملنا المدوّنة المعجمية الطريفة لزعيم حزب نداء تونس قائد السبسي. 

اليوم بات ذاك "الحلم الهلامي" أمرا واقعا حيث نجح الندائيون في تنظيم اجتماع جماهيري حاشد بعاصمة الجنوب قد يكون هو الأكثر شعبية منذ تأسيس الحزب في مطلع صائفة 2012.

لايهمّ كثيرا البحث والتمحيص في الطريقة التي تمّ من خلالها استقطاب تلك الجحافل من المواطنين التونسيين فجلّ الأحزاب تتشابه في آليات التعبئة. لكن هنا لسائل أن يسأل عن مدى رمزية هذا الكسب الذي حقّقه نداء تونس وأنصاره في رحلة اثبات الوجود وقلب موازين المعادلة السياسية المتمخضة عن انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. 

لم يكن من المتاح للندائيين طوال الفترة الماضية الدخول إلى مدينة صفاقس التي تعدّ أحد أبرز معاقل حركة النهضة منذ أن كانت تحت مسمى الاتجاه الاسلامي. لقد وجدت النهضة في هذه الولاية المناضلة كلّ الظروف التاريخية والموضوعية التي سنحت لها بالتحكّم في خيوط اللعبة السياسية بدعم خفي ومعلن أحيانا من جمعيات وتنظيمات دينية وخيرية قياداتها تسيطر على السواد الاعظم من منابر دور العبادة الامر الذي جعل النهضويين يستأثرون كنتيجة منطقية بنصف المقاعد النيابية المخصصة للولاية- 8 من أصل 16 مقعدا- خلال الاستحقاق الانتخابي الفارط.

عبثا حاول آنذاك أعضاء النداء في صفاقس تنظيم اجتماعات وتظاهرات شعبية في خطوة كانت أشبه بالعملية الانتحارية، متجاسرين بذلك على رابطة مجالس حماية الثورة بالجهة وتشكيلات أخرى من "المجتمع البدني" معروف عنها قربها من حركة النهضة وانضباطها الفجّ  لنظرية "التدافع الاجتماعي" التي كادت تدخل البلاد في أتون العنف و الفوضى. النتيجة كانت دائما مجرد لقاءات مصغرّة في دوائر ضيقة معظمها جوبهت بتحركات احتجاجية ووقفات تنديد وملاحقات من جيوب "المقاومة الثورية" ومناصري الشرعية الانتخابية. 

طوال هذه الفترة،كان نشاط أعضاء حركة نداء تونس في صفاقس أقرب إلى السريّة منه إلى العلنية فالحزب عاش وقتئذ تضييقات جمّة قد تكون حادثة اجتماع جربة مثالا نموذجا لها.

قبل زهاء السنة من الآن،جمعتنا دردشة خاطفة مع أحد قياديي النهضة المتمرسّين  في العمل السياسي فقال بصريح العبارة "إنّ نجاح نداء تونس في صفاقس يعني بالمحصلّة بداية أفول نجم حركة النهضة" مايعني خضد شوكتها التي أجهضت الاضراب العام للاتحاد العام التونسي للشغل وما أدراك زمن الصدام والشيطنة والرمي بالفضلات أمام مقره المركزي.

 لكل ذلك يبرز نجاح اجتماع نداء تونس الاخير في صفاقس  بشكل لا مراء فيه الحجم الشعبي الذي أضحت عليه حركة النداء بقطع النظر عما اذا كان هذا الحزب يتموقع ضمن خانة قوى "الثورة" أو الأطراف المناوئة لها، فتلك مسألة سيكون للشعب القول الفصل فيها في حال اجراء انتخابات ديمقراطية شفّافة تستجيب للشروط والمقاييس الدولية المتعارف عليها مع توفير كلّ ممهدّات تحفيز المواطنين على ممارسة واجبهم الانتخابي من أجل المساهمة في رسم الخارطة المستقبلية للبلاد.

إنّ وقوف الباجي قائد السبسي يوم أمس الأحد في قلب مدينة صفاقس بفضاء المعرض الدولي ليخطب بطريقته المعهودة أمام الآلاف من أنصار الحزب ومريديه ومسانديه من رجال ونساء الأعمال والرياضيين والمثقفين كان بمثابة التحدّي المحفوف بالمخاطر والصعوبات التي حتّمتها الأوضاع العامة التي تعيش على وقعها البلاد.

رهانٌ نجح السبسي وجماعته في كسبه بفضل استغلالهم لاخطاء منافسيهم واستفادتهم من تكتيك التجميع لقوى اليمين واليسار في صلب ندائهم . الامر بلا شك يصب في اطار أسلوب المناورة من أجل الظفر بنقاط هامة في السباق المحموم على السلطة والحكم الذي تعتبر جهة صفاقس محرارا له وقطب الرحى فيه.

كل العارفين بالشأن السياسي يعتقدون ان ولاية صفاقس تعد أحد المحطات المفصلية في المعركة السياسية التي تجري بالبلاد، ومن هنا تأتي اهمية اجتماع السبسي بانصاره في استعراض قوة شعبي، في مدينة تحسب الى وقت قريب انها من المعاقل التقليدية لليمين الديني المحافظ. 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.