نشر عدنان منصر مدير ديوان رئاسة الجمهورية صباح اليوم على صفحته الفايسبوكية الرسمية إصدارا جديدا تحت عنوان "لماذا تفضل المعارضة هزيمة كاملة على نصف انتصار ؟".
واعتبر منصّر في هذا الإصدار أن "أية انتخابات نزيهة لن تسمح للجبهة الشعبية بالفوز بأكثر من ثلاثة مقاعد أو أربعة".
وبيّن نفس المتحدث أن "المعارضة استنزفت نفسها بنفسها" مضيفا قوله " لا نعتقد أن جناحي المعارضة المذكورين (نداء تونس والجبهة الشعبية) يؤمنان فعلا بالديمقراطية، فأحدهما نشأ في تربة الاستبداد والآخر لا يزال يخطئ التاريخ والجغرافيا ! ".
وفي ما يلي النصّ الكامل لهذا الاصدار الفايسبوكي :"انتهت جولة حاسمة من الحوار الوطني قبل ثلاثة أيام بتصريح الرباعي باتفاق عدد من الأحزاب على اسم مرشح لرئاسة الحكومة المنتظرة، تلك التي يفترض أن تسير شؤون البلاد بعد استكمال المسارين التأسيسي والانتخابي. ولكن عوضا عن اعتبار المعارضة، أو أكبر قسم منها على الأقل، أن تسليم الترويكا الحكم لحكومة من غير المنتمين للأحزاب نصف انتصار على الأقل، فإن كثيرا من ردود فعلها بينت حجم الارتباك الذي أوقعتها فيه نتيجة الحوار. بعض المشاركين في الحوار اعتقدوا أن الرباعي سيواصل غض النظر عن دلالهم المبالغ فيه، وأنه سيعتبر الترويكا أو من شارك منها في المفاوضات، هي المعطل للحوار في كل الحالات، ومهما قدمت من تنازلات.
البعض الآخر اعتبر أن الحوار مجرد سوق لعقد الصفقات الثنائية، تحت طاولة الحوار وليس فوقها. بالنسبة لحركة النهضة فقد كان الحوار فرصة جديدة لإتقان التنفس تحت الماء، في وقت بدا أن القسم الأوسع من المعارضة قد فقد القدرة على التنفس في الهواء الطلق.
بالنسبة للكثيرين كان انسحاب جزء من المعارضة من الحوار، ورفض قسم آخر لنتيجته، أمرا متوقعا. ينطلق الأمر من قراءة بسيطة فحواها أن من استثمر في العنف والفراغ (والفلفل أحيانا!) لا يمكن أن ينظر بعين الارتياح لأي اتفاق سياسي يهدف لقطع الطريق أمام ذلك العنف وذلك الفراغ.
منذ أكثر من سنتين، لم تفوت الجبهة الشعبية ونداء تونس أي فرصة من أجل الدفع بالأمور في الاتجاه المعاكس للمسار الذي بدأ ذات 23 أكتوبر، وبأعنف الوسائل وأبعدها عن شرف المنافسة السياسية، وبعد فترة من الاستحياء لم تدم سوى أشهر قليلة، لم يلبث الطرفان المذكوران أن استعادا كل ترسانة الاستعلاء على التونسيين لمجرد أنهم اختاروا غيرهم في تلك الانتخابات.
من اعتصام إلى آخر، ومن مسيرة إلى أخرى، ومن رحيل إلى آخر، دخلت المعارضة حرب استنزاف طويلة ضد نفسها، حربا لم تستفق على عدميتها إلا بعد أن فشلت في حشد أكثر من مائتي شخص في اعتصامها الأخير أمام رئاسة الحكومة.
دخلت تلك المعارضة الحوار بأصوات عالية وجيوب فارغة، معتقدة الاستناد إلى قواعد تملأ حشودها الآفاق ومستعدة لبذل كل نفيس من أجل إرضاء دلال فات حده بالنسبة لنداء تونس، وهو أول حزب في العالم يحتل المرتبة الثانية وأحيانا الأولى اعتمادا فقط على عمليات سبر الآراء، فإن الحوار كان فرصة للعودة إلى حكم خرج زعماؤه منه مكرهين ذات 14 جانفي أو ذات 23 أكتوبر.
أما الجبهة الشعبية فإن الحوار كان بالنسبة لها فرصة للوصول إلى السلطة، بعد أن جربت كل الوسائل الأخرى، وهي التي تعرف مكوناتها جيدا أن أية انتخابات نزيهة لن تسمح لها بالفوز بأكثر من ثلاثة مقاعد، أو أربعة.
الطريف هو أن اليائسين من صناديق الاقتراع قد قرروا فجأة أن يضعوا أنفسهم في خدمة الباحثين عن الصفقات، وهذا مثير للشفقة في أدنى الحالات ! من الطريف أيضا أن حماة الطبقة العاملة وآخر أنبياء الشيوعية على الكرة الأرضية لم يجدوا غير البنك الدولي يرشحونه لرئاسة الحكومة !
استنزفت المعارضة نفسها بنفسها، وانقطعت عن قواعدها المتعجبة من غرابة التحالفات التي انخرطت فيها قياداتها، والمحبطة من كثرة المواعيد التي لم تسقط فيها الحكومة، بالرغم تحسن الظروف المناخية ! في الأوضاع الانتقالية وعندما تخطو الديمقراطية خطواتها الأولى، فإن محافظة المعارضة على قواها وحسن التصرف في طاقاتها أمر جيد للديمقراطية، شرط أن تكون مؤمنة فعلا بالديمقراطية، وأن تكون واثقة من الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع.
لا نعتقد أن جناحي المعارضة المذكورين يؤمنان فعلا بالديمقراطية، فأحدهما نشا في تربة ألاستبداد والآخر لا يزال يخطئ التاريخ والجغرافيا ! من المؤسف جدا أن قسما معتبرا من المعارضة قد استنزفته المعارضة، مثلما استنزف الحكم أصحاب الحكم. في الأثناء أصاب التونسيين الملل من النزاع المتواصل والصراع الذي لا ينتهي، ورأوا في الحوار فرصة لأمل صغير في هدنة تسمح لهم باسترداد الأنفاس والرؤية بشكل أوضح بعد أن يهدأ غبار تلك المعارك العبثية، ولو قليلا.
كان بإمكان الجميع أن يخرج منتصرا من ذلك الحوار، أو نصف منتصر، ولكن البعض خير عوضا عن ذلك الخروج بهزيمة كاملة، برضاه وعن سبق إصرار. وها أن بعضهم بدأ في وضع شروط لا حد لها أمام حكومة لم يبدأ المرشح لرئاستها حتى في تشكيلها، وقد يخرجون علينا منذ اليوم الأول لاستلامها المهام للتصريح بأنها حكومة فاشلة ! كان بإمكان الجميع أن يروا أن التونسيين قد ملوا وأنهم كرهوا كل ما ميز مشهدنا السياسي منذ أزيد من سنتين، وأن كثيرا من المعارك لم تعد تعنيهم. عوضا عن ذلك كله، بدأ البعض بالبحث فيما إذا شوهد المرشح لرئاسة الحكومة الجديدة يخرج من أحد المساجد منذ ثلاثين عاما، وإن كان يبسمل قبل الطعام أو يصوم رمضان…".