39
وفي تصريح خاص لـ”اندبندنت عربية” أردف فخري، أنه “بالعودة إلى مختلف المؤلفات والبحوث التي أنجزت في شأن تاريخ وصول الأكلة إلى البلاد فليس هناك ما يثبت أن الجيش الانكشاري هو الذي أتى بهذه الأكلة إلى تونس”.
عندما تتجول في أزقة عاصمة تونس أو مدنها الداخلية ستستوقفك حتماً محال الأكلات الجاهزة، حيث تتصدر الواجهات صحاف فخار بنية اللون توضع خصيصاً في الشتاء لجذب أنصار “اللبلابي” وهي أكلة يزدهر الإقبال عليها مع تقلص درجات الحرارة في البلاد شتاءً.
وعلى رغم مرور عقود على اكتساب هذه الأكلة شعبية منقطعة النظير، فإن التساؤلات في شأن أصلها لاتزال حائرة بين كثر يرون أنها تركية دخلت البلاد مع الانكشاريين، وشق آخر يرى أنها تونسية.
ويتألف طبق “اللبلابي” من قطع خبز بارد وحمص مطبوخ، إلى جانب البيض وزيت الزيتون و”مرقة الهرقمة” والأخيرة عبارة عن حساء يتكون من سيقان البقر تطبخ بصورة مستقلة ويضاف إليها الثوم وتوابل أخرى.
تطوير تونسي للأكلة
ويفضل كثير من التونسيين أكل “اللبلابي” ممزوجاً بالبهارات والفلفل الأحمر حتى يكون حار المذاق مما يجعله ملائماً لفصل الشتاء. وتتعدد المصادر التاريخية التي تتحدث عن أصل الأكلة، ويرى بعضها أنها “مستوردة” من تركيا وأن التونسيين تعرفوا إليها من خلال الجيش الانكشاري.
وعام 1574 تحولت تونس إلى إيالة عثمانية يقودها باشا معين من السلطان التركي، وقد استمرت الهيمنة العثمانية على تونس إلى حدود 1881 تاريخ سقوط البلاد بيد الاستعمار الفرنسي.
ويقول رئيس جمعية “أساتذة النكهة وخبراء الطهي في تونس” نبيل الركباني، إن “هناك بالفعل مصادر وبحوثاً تاريخية تقول إن الجيش الانكشاري هو الذي أوصل ’اللبلابي‘ إلى تونس من خلال استخدامه كأكلة رسمية، لكن أولاً لا يمكن تأكيد ذلك لأن الجيش العثماني كان يستعمل الحمص في الماء ومعه الخبز المجفف بينما ’اللبلابي‘ متألف من عديد من المكونات وطُور مع الزمن”. يضيف “السبب الأخير هو أنه حتى الآن لا يوجد شيء اسمه ’لبلابي‘ في تركيا أو أكلة شبيهة أصلاً، لذا يمكن القول إن التونسيين هم من طوروا ’اللبلابي‘ على مر الزمن”.
وشدد على أن ”هذا التطوير شمل عديداً من العناصر على غرار الحساء وزيت الزيتون وبهارات أخرى. أما الحمص المسلوق فليس حكراً على تونس، لأن البلدان المتوسطية كلها ينبت فيها الحمص وطُور واستُعمل، لكن ’اللبلابي‘ كأكلة عموماً طورت من قبل التونسيين”..
أكلة تونسية مظلومة
ومنذ عقود أطلق تسمية “اللبلابي” على أكلات شعبية شبيهة في دول الشرق الأوسط مثل لبنان وسوريا والعراق، لكن “اللبلابي” التونسي لايزال فريداً بالنظر إلى مكوناته وشعبيته التي اكتسبها على مر الزمن.
ويرى الباحث في تاريخ الطعام علي فخري، أن “’اللبلابي‘ هو من أهم أطباق الـ(ستريت فوود) التونسية وأصر هنا على كلمة الـ(ستريت فوود) التونسي الموسمية المظلومة وهي تكتسي نفس أهمية الشاورما اللبناني والتاكوس المكسيكي كستريت فوود وغيرها من الأطباق السريعة الخاصة بالشعوب”.
وفي تصريح خاص لـ”اندبندنت عربية” أردف فخري، أنه “بالعودة إلى مختلف المؤلفات والبحوث التي أنجزت في شأن تاريخ وصول الأكلة إلى البلاد فليس هناك ما يثبت أن الجيش الانكشاري هو الذي أتى بهذه الأكلة إلى تونس”.
وأبرز أن “المجتمع التونسي مرت به عديد من الحضارات التي تأثر بها، ومع مرور الزمن طور التونسيون الحمص المسلوق والخبز المجفف، لذا يمكن القول إن ’اللبلابي‘ أكلة تونسية موسمية مظلومة”.
لم تعد أكلة شعبية
ومع تدهور القدرة المعيشية للتونسيين بات لافتاً غلاء أسعار “اللبلابي” شأنه في ذلك شأن بقية الأكلات الشعبية وهو ما قد يؤثر في الإقبال عليه.
وقال الطاهي نبيل الركباني، إن “’اللبلابي‘ لم يعد أكلة شعبية كما كان في السابق، إذ أصبح الآن يباع في محال الأكلات الجاهزة بنحو دولارين ونصف الدولار وثلاثة دولارات في بعض المناطق وأصبح البعض يستعمل فيه معدات لم نألفها في السابق”.
ورأى أن “ذلك يجعل من الجائز القول إنه لم يعد أكلة شعبية بامتياز، لأنه في السابق كانت هذه الأكلة مخصصة للفئات التي تعاني الهشاشة والشعبية، لكنها الآن لم تعد كذلك، مما يجعل حتى الأصدقاء يستضيفون بعضهم بعضاً على صحفة ’لبلابي‘ وهو أمر غير مألوف في السابق”.
ويزخر المطبخ في تونس بعديد من الأكلات المثيرة للجدل حول أصلها وتاريخها شأنها في ذلك شأن “اللبلابي” على غرار “الهرقمة” و”الملوخية” و”الكسكسي” و”الباستا”، وكلها أكلات اكتسبت شعبية كبيرة في بلد تعاقب عليه عديد من الحضارات على مر التاريخ.
(صغير الحيدري – أندبندنت عربية)