استبد الفساد بتونس وشدها إليه حد العناق، تفشى كسرطان في جل مؤسساتها واحتل عقول أغلب مسؤوليها، فراكمت الدولة آلاف الملفات حتى أضحت عليلة تكابد من أجل الاستمرار والبقاء بعيدا عن سيناريو الإفلاس.
لعل ملف القروض والهبات هو الأكثر ثقلا بعد الثورة لما يحتويه من معطيات تحيل إلى حصول جريمة "فساد دولة"وانتهاك للمال العام ولحقوق التونسيين، سيما وأن المسألة تتعلق بآلاف المليارات التي تلقتها البلاد.
وانتهت التحقيقات وعمليات الجرد المتعلقة بالقروض والهبات التي تحصلت عليها تونس إبان الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي إلى وجود شبهات تلاعب بهذه القروض وشبهات فساد تعلقت بطرق صرفها وهو ما دفع إلى طرح أسئلة بشأن الجهة والأطراف الذين تلاعبوا بهذه الأموال.
وتم إجراء جرد شامل للهبات والقروض التي حصلت عليها تونس بطلب من رئيس الدولة قيس سعيد.
ويرى سعيد أنه من الضروري معرفة مآل القروض التي جاءت من الخارج.. مليارات تم ضخها في تونس ولكن لا أثر لها في الواقع وسيتحمل أيضا في هذا المجال كل شخص مسؤوليته.
وبلغ حجم القروض والهبات التي تلقتها الدولة التونسية منذ بدء الانتقال السياسي عام 2011 وحتى عام 2021 حد 3ر113 مليار دينار تونسي، وفق تأكيد رئيس لجنة المالية في مجلس نواب الشعب عصمان شوشان.
وتحصلت تونس على 325 قرضا طيلة تلك المدة، أي إلى حين اعلان الرئيس قيس سعيد التدابير الاستثنائية في البلاد عام 2021 وحل البرلمان واقالة الحكومة.، حسب قول ذات المسؤول البرلماني.
وتحوم حول بعض هذه القروض والهبات شبهات فساد من ذلك أن جانبا من هذه الأموال لم تمر عن طريق البنك المركزي التونسي.
وتوجد شبهات فساد حول مآل هذه القروض منها تلك المتعلقة بالمشاريع المعطلة من بينها مشروع مستشفى الملك سليمان بمدينة القيروان رغم تخصيص الأموال اللازمة لهذا المشروع، حسب قول النائب الذي أدلى بمعطيات هامة في تصريحه لاذاعة الجوهرة أف أم.
وانتهى الجرد إلى أن هناك قروضا تم الحصول عليها وتسديدها بالفوائض دون انجاز المشاريع التي كانت رصدت لفائدتها.
وكل هذه المعطيات تفتح الباب أمام تحميل المسؤولية إلى أطراف وجهات كانت نافذة طيلة السنوات الماضية، فالمسألة واضحة أن بعض من تقلدوا مناصب ومسؤوليات بعد الثورة حوّلوا البلاد إلى مزرعة خاصة يتم فيها التلاعب بالمال العام دون حسيب ورقيب.
وتُظهر كل هذه المعطيات أن مؤسسات الدولة هي التي مارست الفساد خلال السنوات الماضية، فالقروض والهبات ليست لدى مهربين ولا تجار ولا محتكرين، هي تحت مسؤولية وزراء ومديرين عامين ومسؤولين تورطوا أو تواطؤوا مع الفساد والمفسدين.
وتعهدت السلطة الحالية، ممثلة في رئيس الجمهورية، بالكشف عن الأطراف التي استفادت من بعض الهبات والقروض، لكن الأهم من الكشف عن الأسماء هو محاسبة من امتلأت جيوبهم واستكرشوا من المال العام.