ستستفيد ميزانية الدولة لسنة 2023 من المنحى التراجعي لعديد الأسعار العالمية التي تخصّ الطاقة والمواد الغذائية، مع ضرورة توجيه الموارد المالية التي سيتم توفيرها نحو تدعيم الاستثمارات العمومية، وفقا لما ورد في دراسة للدكتور عبد الجليل البدوي الخبير الاقتصادي وعضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي قدمها مؤخرا.
وكشفت الدراسة التي تلقت حقائق أون لاين نسخة منها، أنه انطلاقا من أسعار العقود الآجلة في مجال الطاقة، فإنه من المتوقع أن يبلغ سعر خام برنت في المتوسط 84 دولارا للبرميل سنة 2023 أي بتراجع ب16 % مقارنة مع متوسط سعر البرميل سنة 2022، وهذا المستوى المتوقع هو دون الفرضية التي وقع اعتمادها في ميزانية 2023 والتي بنت توازنات المالية العمومية على أساس أن متوسط سعر برميل النفط لسنة 2023 سيبلغ 89 دولارا.
وبينت الدراسة أن الفرق ب 4 دولار للبرميل سينتج عنه تقلص للنفقات العمومية المتوقعة في مجال الدعم، علما أن كل دولار فارق بين الفرضية ومعدل السعر المسجل في السوق العالمية سينتج عنه تراجع نفقات دعم المحروقات بـ141 مليون دينار.
ومن المترقب أيضا أن يتم تسجيل نفس التقلص للنفقات العمومية فيما يخص نفقات دعم المواد الغذائية، ذلك انه من المتوقع تسجيل تراجع ب 8% لأسعار المواد الغذائية سنة 2023 مقارنة بأسعار سنة 2022.
وأكدت الدراسة أنه يجب توجيه الموارد المالية التي سيقع توفيرها نتيجة تراجع الأسعار العالمية، نحو تدعيم الاستثمارات العمومية خاصة في مجال الأمن الغذائي والتحول الطاقي حتى تكون القاطرة لدفع الاستثمارات الخاصة وتحقيق الانتعاش القتصادي.
رغم الاستفادة لكن..
ولكن فرغم تبيان استفادة ميزانية الدولة لسنة 2023 من تراجع الاسعار العالمية للطاقة والمواد الغذائية إلا أنه لا بوادر في الأفق على انفراج أزمة المالية العمومية التي تواجه أزمة شاملة قد تزعزع استقرار البلاد، أمام تعطل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط اصلاحات يرفضها رئيس الجمهورية قيس سعيد.
فمع تفاقم ديون تونس الخارجية والخشية من التخلف عن السداد وتفاقم كتلة أجور الدولة التي بلغت نحو 18 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2021، وهي من بين أعلى المعدلات في العالم، بالاضافة إلى تنامي النفقات العمومية والتوريد الذي تجاوز التصدير ما خلف عجزا كبيرا، تنامي البطالة وغيرها من العوامل الأخرى، جعلت ما قد تغنمه الدولة من التراجع العالمي لاسعار الطاقة والمواد الغذائية دون مردودية تذكر أو انعاش واضح للميزانية التي تبقى عاجزة أمام تغطية جميع المتطلبات..
وفي مثل هذا الوضع دعا الدكتور عبد الجليل البدوي إلى اعتماد إجراءات استثنائية وعاجلة يقع العمل بها بكل حزم في إطار قانون طوارئ يمكن السلطة التنفيذية من عديد الصلاحيات لتحقيق إنجازات ملموسة سريعة وكفيلة بإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية ونفخ الروح مجددا في المسار التنموي وإعادة الثقة والأمل للمواطن التونس وبالخصوص للشباب وللكفاءات، وذلك في إطار قانوني استثنائي واضح وبمساندة شعبية عارمة.