مطمورة روما تنهار .. أمن تونس الغذائي في تبعيّة دائمة

لا يقلّ الأمن القومي الغذائي أهمية عن الأمن القومي العام لما فيه من ارتباطات مع أمن الفرد والشعب و"الغذاء ينبغي أن يُدرَج على قائمة قضايا الأمن القومي" وفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

وتعيش تونس خلال السنوات العشر الأخيرة أزمة حادة في الأمن الغذائي في ظل تراجع منظومات الانتاج في القطاع الفلاحي وغياب استراتجيات واضحة لانقاذ القطاع، ولم تعد قادرة على توفير الحد الأدنى لأمنها الغذائي بعد انخفاض عمليات الزراعات الكبرى مقابل تركيزها على استيراد الحبوب من الخارج.

مطمورة روما تنهار

والبلاد التي كانت تاريخيا تسمى بـ "مطمورة روما" لانها كانت تؤمن الغذاء من الحبوب للامرباطورية الرومانية كلها، لم تعد اليوم مؤمّنة غذائيا وبات أمنها القومي الغذائي على حافة الانهيار، لأسباب داخلية وخارجية، وبات أفراد شعبها لا ينال مقومات الحياة اليومية إلا بعد عناء وشقاء كبير.

وعرّت التطورات والتقلبات الدولية وهن وضعف الأمن القومي الصحي والأمن القومي الغذائي لتونس، فبعد الحرب البيولوجية التي سيّرت تحت عنوان "كورونا" التي كشفت انهيار الأمن الصحي لتونس، جاءت حرب أوكرانيا لتظهر عمق الأزمة الأمنية الغذائية لتونس، فمع توقّف الحركة التجارية أصيب شريان الحركة التجارية لتونس المتعلقة باستيراد المواد الغذائية.

وتضررت تونس، التي تعاني من أزمة مالية كبيرة، بشدة من ارتفاع أسعار القمح العالمية من جراء الحرب في أوكرانيا.

وبسبب الحرب في أوكرانيا تتعرض تونس بشكل خاص لاضطرابات في إمدادات الحبوب حيث كانت قد استوردت 60% من احتياجاتها من القمح اللين و66 % من احتياجاتها من الشعير من روسيا وأوكرانيا عام 2021.

ولا بد من التأكيد على أن مشكلة الأمن الغذائي التونسي دليل على فشل السياسات الاقتصادية التونسية التنموية، وكذلك نتاج لسياسة إخضاع الدول العربية والإفريقية للتبعية الغذائية من قبل الدول المتحكمة بالاقتصاد العالمي.

إمكانيات مهدورة

ورغم إمكانيات تونس في المجال الفلاحي (350 ألف هكتار من الأراضي الفلاحية غير المستغلة بسبب النزاعات القانونية و100 ألف هكتار من أراضي أحباس و65 ألف هكتار أراضي دولية مستغلة بطرق غير شرعية..) إلا أنها بقيت مهدورة، وحلت تونس في المرتبة 53 من بين 113 دولية في مؤشر الأمن الغذائي، وفق ما ورد في دراسة استراتيجية حول الأمن الغذائي قدمها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية بالتعاون مع البرنامج الغذائي العالمي.

وتعمّق عجز الميزان التجاري الغذائي بنسبة 79،7 بالمائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2023. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن قيمة العجز قدّرت ب7،110  مليون دينار .

ويفسر تعمّق عجز الميزان التجاري الغذائي بزيادة نسق الواردات من الحبوب (9،2 بالمائة) والسكر (73،1 بالمائة) وذلك رغم تطوّر صادرات البلاد من زيت الزيتون (21،5 بالمائة).

وبلغت  إجمالي احتياجات تونس من واردات الحبوب سنة 2022 عند 2.680 مليون طن، وتقدر قيمة واردات تونس من الحبوب في 2022 بنحو مليار دولار.

وتستهلك الدولة، التي بلغ متوسط محصول الحبوب فيها خلال السنوات العشر الماضية نحو 1.5 مليون طن، حوالي 3.4 مليون طن سنويا.

السلطة النائمة

وانتبهت السلطة في تونس بصفة جد متأخرة لثقل الأمن الغذائي في تسيير دواليب الدولة، وأكد اجتماع المجلس الأعلى للجيوش الذي انعقد في عام 2022 أن الأمن القومي "الذي لا يقوم على اعتبارات أمنية بالمعنى الضيق ولكن يشمل كل القطاعات وليس أقلها الأمن الغذائي والأمن الطاقي والأمن الصحي خاصة في الظروف الراهنة التي يعيشها العالم"، حسب بلاغ رئاسة الجمهورية.

وفي حين يرى رئيس الدولة قيس سعيد أن الفلاحة قطاع يتصل بسيادة الدولة والأمن الغذائي وجزء من الأمن القومي، لم تصدر عن سلطته ولا عن الحكومة التي شكّلها أي إجراءات ثورية وعاجلة تنهض بالفلاحة والزراعة وبقيت مطمورة روما حبيسة ما تمن علينا به دول الاتحاد الأوروبي.

واكتفت الدولة، بتصريح صادر عن وزير الزراعة يقول فيه إن تونس تسعى للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح  بدءا من الموسم المقبل.

وستزرع تونس 800 ألف هكتار إضافية تخصص للقمح وستركز على توفير البذور التي تزيد الإنتاجية.

بلاد تؤمن غذائها بالاقتراض

إلى ذلك، أعلن البنك الدولي عن منح تونس قرضا ماليا بقيمة 130 مليون دولار لمواجهة التداعيات الغذائية لحرب أوكرانيا وتعزيز الأمن الغذائي للبلاد.

وقال البنك الدولي “المشروع الحالي يستهدف تمويل مشتريات القمح، في سبيل تعزيز قدرة الحكومة التونسية على توفير مخزون آمن، استغلالا للاستثمارات الضخمة التي تم ضخها على مدار السنوات الماضية لزيادة السعات التخزينية”

وسيمكّن القرض من تمويل واردات تونس من القمح اللين التي تعتبر حياتية بالنسبة للبلد الذي يواجه تحديات مالية واقتصادية صعبة.

وبحسب البنك، سيوجّه القرض أيضًا لدعم عاجل لواردات تونس من الشعير الضروري، لإنتاج الحليب والبذر بالنسبة لصغار المزارعين خلال الموسم الفلاحي القادم.

تونس تسترد عينات من بذورها المنهوبة

وفي عام 2020، تمكنت تونس من استرداد عينات من مخزون بذورها الأصلية المنهوبة، وتعد هذه الخطوة جزءا من معركة أمن قومي غذائي قادها الرئيس السابق المنصف المرزوقي، في ظل إغراق السوق المحلية بالبذور الأجنبية الهجينة.

وأعلن بنك الجينات التونسي منذ أيام عن استرجاع ألف و705 عينة من البذور التونسية الأصلية التي كانت موجودة في بنك جينات أستراليا، واصفا هذه الخطوة بالإنجاز القيّم الذي سيعزز مخزوناته بنوعيات اندثرت.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.