الفوضى ضربت بيوتها: أحزاب مكلومة تلملم جراحها

تسارعت تقلبات المشهد السياسي في تونس وتغيرت طبيعتها ولم تقف التطورات عند تغيّر تموقع الأحزاب في الحكم أو المعارضة، بل تطورت إلى حد بروز قيادة ومعارضة داخل الأحزاب، وينسحب ذلك على كل التيارات السياسية يسارية أو إسلامية أو دستورية كانت، فتشكلت أحزاب وتفتت بسرعة وانقسمت أخرى إلى حزيبات صغيرة تستبد بها الفوضى وتحاصرها هواجس من مشروع أتى به قيس سعيد ولا يعترف البتة بالأحزاب ويراها أجساما وسيطة مصيرها الفناء.

وبات واضحا أن مناعة جميع الأحزاب التونسية ضعيفة جدا وتحتاج تعزيزا، ولم تسلم غالبيتها من وباء الانشقاق والانقسام والاندثار، وارتطمت كل المشاريع السياسية الحزبية في تونس، إسلامية ويسارية وقومية، بواقع جرها إلى حالة موت سريري تستغيث فيه، وزادها مسار 25 جويلية تأزما وفاقم غربتها المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد.

أكبر الأحزاب التي تشكلت بعد الثورة انقسمت، نداء تونس الذي فاز في الرئاسة والتشريعية، والنهضة التي قادت الحكم بعد سنة ألفين وإحدى عشر، ومنها من اندثر نهائيا لاعتبارات متنوعة ومتعددة الأبعاد، وهذه الحالة هي التي فتحت الباب على مصراعيه لقيس سعيد ليطرح نفسها للشعب بديلا عنها.

ولم تسلم كل الأحزاب من الاستقالات، فقيادات النهضة غادرت البيت الذي ضمهم لسنوات لأسباب تعلقت بطريقة إدارة الحركة وانفراد بعض الأشخاص بالقيادة المركزية للحزب، وعشاق الباجي قائد السبسي ومرافقيه في نداء تونس تششتوا، والحال نفسه في صفوف رفاق حمة الهمامي ومنجي الرحوي وفي صفوف حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ومشتقاته.

الواقع السياسي للبلاد يظهر حقا أن كل هذه الارتطامات والسجالات لها عمود فقري مشترك، أولها غياب الديمقراطية الداخلية في هياكل هذه الأحزاب وانفراد بعض الأشخاص بقيادة الأحزاب وثانيها ضعف الخط السياسي وهشاشة البرامج والأفكار التي تلتف حولها مكونات هذه الأحزاب السياسية فضلا عن تنازع بعضها عن أحقية المسك بمنصب في الحكم، ولم يدم عُمُر بعض الأحزاب طويلا ومنها من اكتفى بالمشاركة في استحقاق انتخابي وحيد قبل أن تتقاذفه أمواج الواقع والحاضر.

وإزاء هذا الوضع تحاول بعض الأحزاب لملمة جراحها بعقدها مؤتمرات انتخابية يمكن القول عنها كونها شكلية، ومنها من انقسم إلى شقين، شق معارض للسلطة وآخر داعم لها، على غرار حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد.

وعاشت تونس أواخر الأسبوع الماضي على وقع حراك سياسي، وانعقد مؤتمرات انتخابية لشقي حزب الوطد ومؤتمر حزب التيار الديمقراطي وانتهت إلى إعادة انتاج نفس القيادات المركزية لهذه الأحزاب.

وفيما تعمل أحزاب سياسية على إعادة ترتيب بيوتها لخوض أنشطتها وتجاربها الانتخابية، تستأنس أحزاب أخرى بتجارب الانضمام إلى جبهات سياسية واسعة لتتجاوز حالة ضعفها وتفتتها الداخلي الذي يفقدها وزنها السياسي.

هذه الحالة، يحبذها قيس سعيد، أكبر خصم للأحزاب السياسية، ويعشق استمرار تشظي هياكل الأحزاب وهو الذي ينظر لمشروع الديمقراطية المجالسية أو ما يسمى بالبناء القاعدي وهو الذي لا يعترف البتة بها ويرى أن الأجسام الوسيطة مصيرها الفناء.

ولاشك أن الخارطة السياسية سيكون لها طعمنا ولونا آخر خلال الأعوام المقبلة، وقد تتغير طريقة الممارسة السياسية في حال نجح قيس سعيد في إرساء كامل أفكار مشروعه السياسي ولعل أهمها عدم الترشح للاستحقاقات الانتخابية في قائمة حزبية.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.