يحتفل العالم اليوم، باليوم العالمي للمياه الذي يوافق 22 مارس من كل سنة، تحت شعار "تسريع وتيرة التغيير بُغية ايجاد حل لأزمة الماء وخدمات الصرف الصحي"، وهو مناسبة لدق ناقوس الخطر إزاء ما تمر به تونس من شح للموارد المائية يتفاقم عاما بعد عام جرّاء قلّة التساقطات وخاصة تواصل إهدار الثروة المائية واستنزافها دون اجراءات ردعية تُذكر.
وما يزال إلى غاية اليوم 650 ألف تونسي لا يحصلون على المياه في بيوتهم وتصلهم الإمدادات عبر الحنفيات العمومية، في حين يفتقر 300 ألف تونسي إلى المياه تماما ويلتجؤون للآبار والبحيرات والمصادر الطبيعية لتغطية حاجياتهم من المياه، وفق معطيات كشف عنها قسم العدالة البيئية والمناخية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تزامنا مع اليوم العالمي للمياه.
وفي الأرياف يصل نصيب كل فرد إلى أقل من لترين من المياه في اليوم الواحد، أما المدارس الريفية فإن أكثر من ثلثها يفتقر إلى مياه الشرب (1415 من مجموع 4585) ما يحيلنا بصفة عامة إلى حجم الانتهاك الممارس على حق الأفراد في مياه تضمن لهم عيشا كريما وتحقق كرامتهم البشرية.
مياه مهدرة
إهدار المياه تتسبب فيه مؤسسات الدولة على غرار الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، التي كثيرا ما تُتهم بعدم المحافظة على المياه واهدارها من خلال عدم الإسراع في إصلاح الأعطاب الطارئة وتسربات المياه التي تحدث في المناطق السكنية، والتي تظلّ أحيانا لأسابيع وأشهر حتى يقع إصلاحها.
اقرأ/ي أيضا: الثروة المائية في تونس: "الصّوناد" تُهدر المياه وتدعو المواطن لترشيد استهلاكها
"وقد أصبح محمولا على صناع القرار أن يضعوا حدا للإهدار اللاّمسؤول لمنبع الحياة من طرف المنشآت الصناعية أيضا التي تستغل كميات كبيرة من المياه مثل شركة فسفاط قفصه التي تستغل سنويا ما يقارب 8.9 مليون متر مكعب في السنة، الى جانب كبار المستثمرين الذين يتمتعون برخص حفر دون رقابة ويمتلكون أبارا غير قانونية دون ردع، وفقا لبيان قسم العدالة البيئية والمناخية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية.
وفي هذا السياق أكّد مسؤول سابق بوزارة الفلاحة، في تصريح سابق لحقائق أون لاين، وجود قرابة 18 ألف بئر عميقة غير مرخص فيها، مشدّدا على ضرورة وضع خطة وطنية لتوفير المياه في المناطق التي تعاني من العطش، في مقابل محاسبة من "يسرق الماء".
اقرأ/ي أيضا: تونس تحتاج 10 مليار دينار لتحسين جودة مياه الشرب.. و18 ألف بئر عميقة غير مرخص لها
وشدّد المنتدى على أن الخصاص المائي الذي تعيش على وقعه البلاد التونسية منذ أعوام والذي أثر على نصيب كل فرد في حصته السنوية من الماء التي وصلت إلى 400 متر مكعب (مرشحة للنقصان مع حلول سنة 2030 إلى 350 متر مكعب)، لا يمكن أن يعكس إلا الحاجة الملحة إلى تغيير السياسات المائية المتبعة منذ عقود والتي أثبتت عدم جدواها، إذ لم تعد فقط غير ملائمة لمتطلبات الأفراد بل ومعيقة لإعمال الحقوق الأساسية لهم على غرار الحق في الماء الصالح للشرب والحق في الصحة.
وبين المنتدى أنه من واجب سلطة الاشراف وعلى رأسها وزارة الفلاحة منح الأهمية القصوى لمياه الشرب وأن يتم كذلك الاحتفاظ بأعلى المياه جودة لهذا الغرض بغض النظر عن مدى الربح الذي قد تحقّقه الاستعمالات الأخرى من فلاحة وصناعة وسياحة إلى جانب سن نص قانوني يضع توفير الماء الصالح للشرب على رأس الأولويات.
اجراءات عاجلة يجب اتخاذها
وطالب قسم العدالة البيئية والمناخية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بتحسين الخدمات في مجال إدارة المياه إلى جانب ضمان الجودة والكمية المطلوبة في المياه المخصصة للشرب والمساواة في ضمان حق الجميع في الماء وفي خدمات الصرف الصحي ووضع حد للاستغلال العشوائي لطبقات المياه الجوفيّة من طرف المنشآت الصناعية والمحافظة عليها من أجل ضمان حق الأجيال القادمة في الماء، واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للتأقلم مع التغيرات المناخية.
اقرأ/ي أيضا: العواشرية سجنان: قرابة 400 عائلة تشرب من مياه عين تَرِدُها الخنازير.. ومسؤولو الجهة "لا يبالون"
كما طالب بمكافحة ظاهرة تنامي الآبار العشوائية، والتعامل مع الثروة المائية من منطلق مقاربة حقوقية تجعل من حق الأفراد في مياه نظيفة وآمنة في مقدمة الأولويات والنأي بها عن المصالح التجارية واعتماد مقاربة تشاركية وحوار مجتمعي في تحيين التشريعات وخاصة منها مجلة المياه حتى تواكب التطور الديمغرافي والتغير المناخي، واتباع سياسات مائية وفلاحية تقوم على استدامة مورد المياه والقطع مع إشكال الاستغلال اللاّمسؤول للثروة المائية.