الاستقلالية ليست مرآة للعزلة.. والتضامن النقابي مبدأ كوني

لا يمكن للخصوصية أن تسحب إنسانا أو بلدا من دائرة الكونية، فالقيم والمبادئ العامة تنسحب على كل أفراد العالم، والحقوق كونية لا تتغير من بلد إلى آخر وحريّ بالدول حمايتها واحترامها مهما اختلفت الأنظمة الحاكمة إلا إذا انحرفت نحو الدكتاتورية والقمع.

وهذا الطرح يحتّم على كل سلطة حاكمة التأقلم والتفاعل مع كل  المبادئ ومع القيم وكذلك المتغيرات التي تحيط بها، واستقلالية القرار والحكم لا يعني الانعزال عن العالم وأركانه الحقوقية، وكما يحق للسلطة منع كل طرف أجنبي من التدخل في خياراتها وقراراتها الداخلية يتوجب عليها احترام الحقوق والحريات الانسانية ذات الأبعاد الكونية.

تونس ليست بمعزل عن العالم وعن كل المبادئ التي تنشدها الشعوب وهي معنية بالتفاعل مع القضايا الحقوقية وقبول التفاعلات الخارجية المتعلقة بالحقوق والحريات، لعل أهمها الحقوق النقابية التي تضبطها المواثيق الدولية ودساتير الدول، وما حادثة طرد الأمينة العامة لكنفدرالية النقابات الأوروبية من تونس إلا ضربا من ضروب عدم احترام نواميس التضامن النقابي الدولي، ففي كل دول العالم وفي كل الأنظمة الديمقراطية تتفاعل وتتضامن المنظمات النقابية مع بعضها وفي ذلك تجسيد للدفاع عن الحق النقابي وليس تدخلا في القرار الداخلي.

والتاريخ يشهد بنجاعة التضامن النقابي الدولي مع القضايا الحقوقية الكونية، لعل أبرزها التضامن مع الدولة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني الغاشم وتجلى ذلك في زيارة وفد إلى غزة لمعاينة جرائم قوات الاحتلال.

محطات تاريخية أخرى تجلى فيها المد التضامني النقابي مع تونس بدءا من تاريخ 26 جانفي 1978 عندما زار الأمين العام لكنفدرالية النقابات الأوروبية في تونس وحضر محاكمة أمين عام اتحاد الشغل الحبيب عاشور آنذاك واستقبله رئيس الدولة السابق الحبيب بورقيبة في قصر قرطاج ثم حلول وفود دولية نقابية وحضورها محاكمات لنقابيين في تونس عام  1985، وصولا إلى إسناد نقابيين دوليين مساجين أحداث الحوض المنجمي.

ودفاع الدولة على سيادتها واستقلالية قراراتها واجب وطني وليس فضلا أو منّة ممن يقودها ويتزعمها، لكن فرض الاستقلالية لا يعني العزلة عن العالم وخلق مناخ داخلي يجرم الأخلاق والمبادئ الدولية، ولا يعدّ تضامن النقابات الأوربية مع الاتحاد العام التونسي للشغل ومع الحق النقابي مسّا من استقلالية الدولة ولا سيادتها.

وكان حريّا برئيس الجمهورية قيس سعيد استقبال الأمينة العامة لكونفدرالية النقابات الأوروبية إيستر لينش والتحادث معها بشأن ضمانات الحق النقابي التي وردت في دستور 25 جويلية وتوضيح بعض المسائل التي ربما تتعلق بمنع بعض المشتبه بهم في ارتكاب جرائم فساد بالتخفي وراء العمل النقابي والاحتماء بالاتحاد العام التونسي للشغل.

وكما تقبل السلطة حضور منظمات دولية لمراقبة العمليات الانتخابية وكذلك التهاني بالتنصيب، جدير بها أن تتقبل مبدأ التضامن النقابي الدولي كشرط أساسي لضمان مناخ ديمقراطي تعددي يحترم سيادة البلاد ويضمن الحقوق الكونية.

الإيمان بالحقوق والحريات لا يعني الاكتفاء بالتنصيص عليه فقط في الدساتير، بل هو ممارسة يومية فالفصول الدستورية وحدها لا تحفظ الحق النقابي ولا تحميه من السلطة خاصة، بل إن ممارسات السلطة وخياراتها هي التي تضمنه وتحميه، والمنطق ذاته يفترض أن تتسلح به كل الهيئات النقابية، والحق النقابي لا يعني التمرد الكلي والخروج عن الضوابط والأحكام القانونية والمس من المصالح العامة وتعطيل شؤون البلاد، بل هو أهم أسس المصلحة الوطنية وقوام الكرامة الشعبية.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.