في حتمية المواجهة: اتحاد الشغل يختار التدرّج

"البحر هايج والشقف عوّام".. الشقف هي كلمة تقال في جزيرة قرقنة عن سفن الصيد البحري، استمدّها الاتحاد العام التونسي للشغل في شعاره لعراقة قرقنة في العمل النقابي وأرفقها بكلمة"عوّام" للإحالة إلى قدرته الخارقة على مواجهة أمواج "البحر الهايج".

وفي هذه الصورة وضع اتحاد الشغل نفسه في موضع "الشقف" أما البحر "الهايج" فهو الوضع العام بالبلاد.

وهذا الشعار الذي أطلقته المنظمة الشغيلة منذ شهر جوان من عام ألفين واثنين وعشرين أرادت من خلاله التأكيد على استعدادها لمواجهة خيارات السلطة المتعلقة بالحق النقابي وإمكانية دخولها في مواجهة معها في صورة المس من الحق النقابي واستهدافه.

اليوم طفى هذا الشعار مجددا على السطح، ويبدو أن مرحلة "تعويم الشقف" قد أتت، وباتت المواجهة بين المنظمة الشغيلة والسلطة حتمية في هذه  الفترة التي توترت فيها العلاقة بين قيادة المنظمة ورئيس الجمهورية قيس سعيد وبلغ التوتر بينهما ذروته ووصل حد الايقافات مقابل إقرار موجة من الاحتجاجات في كامل الجهات.

بسرعة البرق، بلغ التوتر أشدّه، فبعد ساعات قليلة من إيقاف الكاتب العام لنقابة الطرقات السيارة، وبعد خطاب ألقاه رئيس الجمهورية في ثكنة الحرس الوطني، أطلق الاتحاد حملة للحشد والتعبئة للرد عليه وأطلق سهامه نحوه واعتبره معاديا للحق الدستوري النقابي، معلنا عن دخوله مرحلة المواجهة بإعلانه برنامج موسعا من الاحتجاجات في كامل جهات البلاد.

اختار اتحاد الشغل بعد هيئته الإدارية الوطنية التصعيد، لكنه تصعيد تدريجي، وبرمج عشرات التحركات الاحتجاجية المناهضة لخيارات الرئيس وستنطلق احتجاجات جهوية وقطاعية وصولا إلى تحركات وطنية قد تصل حد إقرار إضرابات عامة في كامل البلاد دفاعا عن النقابيين الملاحقين أمنيا وقضائيا.

وما سيزيد الطين بلّة، الاستدعاءات الأمنية التي تلقاها أكثر من عشرة نقابيين منضوون في نقابات النقل للتحقيق معهم مع فرقة مكافحة الإجرام في بن عروس، وهي استدعاءات  يراها النقابيون تصعيدا جديدا من السلطة الحاكمة وخطوة ثانية لسحب الاتحاد إلى ساحة المواجهة.

احتجاجات الاتحاد ستنطلق أواخر الأسبوع الجاري من خلال تنظيم مسيرات في كامل ولايات الجمهورية في مناسبات مختلفة، وهي خطة تدريجية تسعى من خلالها القيادة المركزية للمنظمة النقابية إلى دفع النقابيين إلى التحرك ضد السلطة وتبدو كذلك كونها خطوة لجس نبض قدرتها على تحريك منخرطيها ومنضويها في الجهات قبل إقرار أي تحرك وطني.

وستبدأ تحركات اتحاد الشغل منذ يوم السبت 11 فيفري 2022 بتنظيم تجمع عمالي أمام  الاتحاد الجهوي للشغل بولاية قبلي وسيليه تحركات احتجاجية حاشدة وتجمع عمالي في ولاية صفاقس يوم 18 فيفري.

كما ستحرّك المنظمة الشغيلة قواعدها يوم 18 فيفري في القيروان والقصرين والمنستير ونابل وبنزرت وجندوبة ومدنين وتوزر، وستليها مسيرات يوم 25 فيفري في  المهدية والكاف وسليانة وقفصة وباجة.

وسيستمر الاتحاد في الضغط على السلطة إلى حدود يوم  4 مارس بتنظيم احتجاجات و مسيرات في ولايات تطاوين وقابس وزغوان وسوسة وسيدي بوزيد، قبل أن يمر إلى تنظيم تحرك وطني مرتقب ربما سيكون بإقرار إضراب عام.

كل هذه التطورات توحي إلى أن المعركة المؤجلة بين الاتحاد والرئيس قد حانت، في ظل غياب مؤشرات لإمكانية التهدئة بين الطرفين وفي ظل غياب المنظمات التي قد تلعب دور الوساطة بينهما لخفض منسوب التوتر.

ولا شك أن مبادرة الانقاذ الوطني التي تديرها منظمات مجتمع مدني، وعلى رأسها اتحاد الشغل، ستعذّي الحرب بين قيس سعيد ونور الدين الطبوبي، خاصة وأنها أشعلت فتيل النزاع بينهما، فالأول يرى أن الاتحاد يلعب دورا سياسيا ويريد التدخل في صلاحيات السلطة خارج إطار المؤسسات الرسمية، والثاني يعتبر أن للاتحاد دور وطني تاريخي في تقرير مصير الدولة يتوجب عليه الاستمرار في القيام به.

سيناريو الخميس الأسود مازال عالقا في أذهان التونسيين، وأي نزاع حاد بين اتحاد الشغل والسلطة ستكون له هزات اقتصادية ستخلّف زلزالا اجتماعيا.
 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.