شبح “نادي باريس” يخيّم على تونس: أي حلول لتجنبه؟

كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن "نادي باريس"، وامكانية لجوء تونس إليه اثر تعثر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي واستحالة تسديد ديونها الخارجية المُجدولة لهذا العام، إذ عليها أن تسدد مبلغ 945 8 مليون دينار، منها 672 6 مليون دينار كأصل الدين و273 2 مليون دينار كفائدة على الدين.

ونادي باريس هو مجموعة غير رسمية مكوّنة من مسؤولين ماليين مموّليين من 22 دولة (بينهم الاحتلال الاسرائيلي) والتي تعد من أكبر الاقتصادات في العالم، ومن أبرزها أستراليا، والولايات المتحدة، والدنمارك، وفرنسا، وألمانيا، وإيرلندا، وإيطاليا، واليابان، وروسيا، والسويد، وسويسرا، وبريطانيا وكندا.. وهي عبارة عن الدول الدائنة.

ويكمن الهدف العام لـ"نادي باريس" في مساعدة الدول المدينة على سداد ديونها، والخروج من أزماتها المالية، وتحسين أحوالها الإقتصادية والحيلولة دون إفلاسها، وتتم جدولة ديون تلك الدول من قبل النادي بتوصية ضرورية من صندوق النقد الدولي، حيث يشترط أن تكون الدولة عضواً في الصندوق، وأبرمت اتفاقاً معه. وقبل جدولة ديونها بواسطة النادي، ستكون قد مرت بالعديد من الإجراءات التقشفية وبعض الإصلاحات الأخرى.

ويرى بعض الخبراء أن وجود دولة مَدينة في مناقشات مع "نادي باريس" أشبه بالخضوع وهو "أمر مذل" على حد تعبير الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، بالنظر إلى كيفية الإستجواب والمفاوضات معها وعرض الشروط والمقترحات عليها، إذ يرى الشكندالي "أن المرور إلى نادي باريس أمر مذل للدولة التونسية على كل المستويات ويحتمل عديد التنازلات ويصنف الدولة في خانة "القلابة" الذين لا يمكن التفكير في إقراضهم دون شروط مجحفة عادة ما تمس بالسيادة الوطنية، وإن أردنا الحل فهو بأيدينا.. غير ذلك فالطريق معبدة نحو الحالة اللبنانية وربما أتعس فحتى اللجوء الى نادي باريس في ظل التشتت والتشرذم السياسي وانقسام المجتمع التونسي لن يجدي نفعا".

حول إمكانية إنضمام تونس الى نادي باريس

ويرى رضا الشكندالي، في تدوينة على صفحته بالفيسبوك، أنه لا يمكن لتونس أن تمر إلى نادي باريس قبل ابرام برنامج مع صندوق النقد الدولي يوضّح فيه الصندوق عدم استدامة الدين العمومي لتونس وعدم قدرتها على تسديد ديونها، وعندها يمكن التفاوض مع نادي باريس حول الديون الثنائية.
وبين الشكندالي أنّ المدخرات من العملة الصعبة حاليا تبلغ 124 22 مليون دينار وهو مبلغ كاف لستديد مبلغ 230 مليون دينار في الأشهر الأولى لهذه السنة كخدمة دين خارجي من دون النزول تحت سقف ال90 يوم توريد على أن تكون هناك حلول سريعة لمزيد تعبئة الموارد الخارجية من العملة الصعبة قبل حلول شهر رمضان حيث تكون الضغوط على مستوى توفير المواد الأساسية كبيرة.

وشدّد رضا الشكندالي على أنه لا يوافق من يقول أن المرور الى نادي باريس هو الحل الأمثل في الوقت الحالي بما أن هامش التصرف ما يزال ممكنا بشرط أن لا تنساق رئاسة الجمهورية الى معركة كسر عظام مع الإتحاد العام التونسي للشغل وأن تمد يدها لمبادرته حتى يجلس الجميع الى طاولة الحوار حول برنامج اقتصادي واجتماعي وبمشاركة فعالة لكل القوى الوطنية الاجتماعية منها والسياسية دون إقصاء، وأن يغيّر رئيس الجمهورية خطابه السياسي من خطاب التخوين والتقسيم الى خطاب التجميع ويصبح رئيس كل التونسيين. 

ومن الشروط الاخرى لتفادي اللجوء إلى نادي باريس، حسب الشكندالي، هو أن يقع الحسم فورا في موضوع فسفاط قفصة وذلك بوضعه تحت إشراف الجيش الوطني من حيث حمايته لمضاعفة الإنتاج فيه حتى نتمكّن من توفير مبالغ هامة من العملة الصعبة كما كان ذلك قبل الثورة، وتشجيع التونسيين المقيمين بالخارج على فتح حسابات بالعملة الصعبة في البنوك التونسية بنسبة فائدة تحفيزية وإلغاء الأداء على الثروة المحدث في قانون المالية لسنة 2023 على العقارات التي يشترونها.

كما شدد على ضرورة سن قانون عفو جبائي يمكّن من ضمّ الأموال من العملة الصعبة المتداولة في السوق الموازية الى المسالك المنظمة والتخفيض في الأداء على أرباح الشركات المصدرة كليا لتحسين تنافسيتها في الأسواق الخارجية قصد مزيد دفع الصادرات.

السيناريو اللبناني مطروح

رجّح الخبير الاقتصادي آرام بلحاج، أن يشترط صندوق النقد الدولي ذهاب تونس إلى نادي باريس بعد أن تبيّن أن الحكومة غير قادرة على تعبئة الموارد الخارجية اللاّزمة لتمويل ميزانية 2023، مبينا أنه "إن صحّت هاته الفرضية، فستفتح الأبواب على مصراعيها أمام السيناريو اللّبناني لا قدّر الله".

وقال آرام بلحاج، في تدوينة على صفحته بالفيسبوك، إن المطلوب الآن هو بدء التفاوض عاجلا مع بعض الشركاء في الغرب وبعض المانحين في الشرق قصد إعادة جدولة بعض الديون خارج إطار نادي باريس.

وشدد أن الحل الآن إعادة عجلة الإنتاج إلى مستويات محترمة جدا ونجاح الموسم السياحي القادم وانخراط التونسيين المقيمين في الخارج ستكون عوامل فاصلة لتجاوز الانهيار المرتقب".

تعبئة موارد مالية دون اللجوء إلى نادي باريس

الخبير الاقتصادي محسن حسن قدم حلولا رأى أنها يمكن أن تجنب البلاد المرور بنادي باريس، تتمثل أساسا في توفير كل الظروف الملائمة للترفيع في طاقة إنتاج الفسفاط ونقله إلى المستوى الأقصى واعتبار مناطق الانتاج ذات علاقة بالأمن القومي والإعلان عن برنامج لتنمية مناطق الحوض المنجمي وتأهيل شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي، بالاضافة إلى إيقاف توريد كل المواد الكمالية والاستهلاكية الغير ضرورية للدورة الإقتصادية، في مقابل تشجيع التونسيين بالخارج على تحويل مدخراتهم إلى تونس من خلال تكفل الدولة بكل الرسوم الموظفة على هذه التحويلات المالية.

ومن الحلول أيضا برمجة اكتتاب وطني بالعملة الصعبة موجه للتونسيين المقيمين بالخارج بشروط مشجعة من حيث نسبة الفائدة ومدة السداد، والاعلان عن برنامج للعفو عن جرائم الصرف بشروط مشجعة ومقترن بعدم المساءلة شريطة إيداع المبالغ بالعملة الصعبة موضوع المصالحة في البنوك التونسية على أن لا تشمل هذه المصالحة من تعلقت بهم جرائم تبييض أموال أو تمويل الإرهاب، كذلك تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية لتوريد  منتجات الطاقة من الدول العربية بشروط ميسرة من حيث السعر وآجال الخلاص.

كما دعا إلى الاعلان عن خطة سريعة لدعم المنظومات الفلاحية ودعم الموسم الفلاحي لتحقيق الأمن الغذائي والحدّ من التوريد وتشجيع التصدير، والاعلان أيضا عن إجراءات سريعة لتشجيع التصدير في قطاعات النسيج والصناعات الكهربائية والميكانيكية والغذائية كتكفل الدولة بكامل كلفة النقل والتأمين.

وشدّد محسن حسن على أن الإبتعاد عن شبح الإفلاس يشترط أيضا إعادة الثقة بين مختلف الفاعلين في الداخل والقطع مع الخطاب الصدامي والانطلاق في حوار وطني شامل يؤدي إلى صياغة عقد اجتماعي يحدد الخيارات الكبرى اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ويمكن من التوافق حول برنامج شامل للإصلاحات الإقتصادية والمالية قد يعيد الثقة بين تونس وشركائها الماليين وكل المانحين بما في ذلك صندوق النقد الدولي. 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.