لن يكون العمل الحزبي يوما ما عملا خيريا خاليا من طموحات الوصول إلى السلطة، وكل الأحزاب مهما كان تموقعها تفكر وتخطط دوما إلى نيل مناصب وصلاحيات في الحكم وذلك قاسم مشترك بينها كلها، فمنها من يحاول افتكاك السلطة باصطفاف في شق المعارضة ومنها من يحاول امتلاك السلطة بدعم رأس السلطة وبالمشاركة التدريجية في مؤسسات الدولة.
وفي تونس اليوم، تطمح بعض الأحزاب والائتلافات السياسية الداعمة للإجراءات الاستثنائية المتبعة منذ 25 جويلية 2021 إلى نيل نصيبها داخل السلطة التنفيذية والتشريعية متبعة أسلوبا مختلفا عن أسلوب الأحزاب المعارضة في محاولة إقناع رئيس الجمهورية قيس سعيد بضرورة تقاسم السلطة معهم وبالابتعاد عن الحكم الفردي.
ورغم درايتها بأن المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد المسمى بـ"الديمقراطية المجالسية" لا يعترف بالأحزاب السياسية ويرى أن مصيرها الاندثار، راهنت الكثير من الأحزاب الداعمة لقيس سعيد على المشاركة في انتخابات البرلمان اعتقادا منها في أن كسب تمثيلية في السلطة التشريعية قد يفتح لها باب المشاركة في السلطة التنفيذية وأساسا في الحكومة.
وتراهن هذه الأحزاب والأطياف السياسية على أن تنهي الانتخابات التشريعية الحالة الاستثنائية التي فرضها الرئيس منذ جويلية 2021 وتعود تونس إلى حالة تقاسم السلطة بين مكونات المشهد العام التي تعترف بكل المستجدات التي جرت بعد جويلية، وتحلم بأن تغير نتائج الانتخابات سياسات سعيد.
وفي حين رفضت أحزاب وازنة المشاركة في انتخابات البرلمان، تخوض كل من حركة الشعب وائتلاف "لينتصر الشعب" وائتلاف "شباب تونس الوطني" وائتلاف "الشعب يؤسس" ومستقلون غمار هذه الانتخابات.
وتتصدر حركة الشعب ( 15 نائبا في البرلمان المنحل) القوى الحزبية المتنافسة في الانتخابات التشريعية.
وتطمح حركة الشعب كغيرها من بقية الأحزاب التي رشحت شخصيات لانتخابات البرلمان، إلى تحصيل كتلة برلمانية واسعة تمنحها وزنا سياسيا انتخابيا يؤهلها إلى مرحلة طلب المشاركة في الحكم وتمكينها من حقائب وزارية في إطار تنزيل تمثليلة مكونات البرلمان في تركيبة السلطة التنفيذية وهو ما يتناقض مع مضمون الدستور الصادر سنة 2022 وقد لا يتطابق كذلك مع خيارات قيس سعيد.
ويرى هذا الحزب المرشح في الانتخابات التشريعية أن رئيس الجمهورية قيس سعيد مطالب بعد الانتخابات التشريعية باجراء تحوير وزاري شامل ينسجم مع نتائج الانتخابات التشريعية، وهذا الموقف ربما ينسحب على كل الأحزاب التي قد تحصل على مقاعد في البرلمان، وهو ما قد يجعل الرئيس تحت ضغط معارضة جديدة من داخل السلطة التشريعية كانت داعمة لمسار 25 جويلية.
مبادرة " لينتصر الشعب" هي الأخرى ترى أن الانتخابات ستنهي حالة الاستثناء وستركز مؤسسات جديدة تكون قادرة على المساهمة في الفعل السياسي و تشرّع وتصدر القوانين وتقوم بمهامها االسياسية والاجتماعية والاقتصادية وهو ما أكده عضو هذا الائتلاف وأمين عام حزب التيار الشعبي زهير حمدي في تصريحاته.
وتطمح مبادرة “لينتصر الشعب” إلى أن تكون الكتلة الأكثر وزنا وفاعلية وقدرة على لعب دور وطني.
وهذا الترابط في المواقف بين الأحزاب المترشحة في الانتخابات التشريعية، يؤكد حتما أن مدى قابلية قيس سعيد لتشريك الشخصيات السياسية في الحكومة خلال الفترة القادمة، سيكون البوصلة التي ستحدد طبيعة العلاقة التي ستكون بين البرلمان ورئاسة الجمهورية في الفترة القادمة، فإما أن البرلمان سيكون معارضا للرئيس بكل مكوناته في حال تمسك سعيد بتطبيق نص الدستور فقط وعدم الأخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات التشريعية في تركيبة الحكومة، وإما أنه سيحاول خلق حزام سياسي حوله بترضيات وتسميات في الحكومة لتستمر الهدنة السياسية مع الأحزاب الداعمة لمسار 25 جويلية.
لا شك إذن أن نتائج الانتخابات البرلمانية سيكون لها الأثر الكبير في المشهد العام في البلاد طيلة الفترة القادمة، وإن إقرار الدستور الجديد بأن النظام السياسي رئاسي وأن صلاحيات البرلمان محدودة، لا يعني أن الأحزاب والمكونات السياسية التي ستنال مقاعد في البرلمان سترضى لنفسها بالبقاء مجرد دكاكين تزكّي وتدعم مشروع الرئيس.