-رشاد الصالحي
يتعلق القانون الأساسي عدد 58 المؤرخ في 11 أوت 2017 بالقضاء على العنف ضد المرأة وقد ورد في الفضل الأول منه ما يلي يهدف هذا القانون إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية وذلك باتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم.
هذا القانون وإبّان سنّه اعتبر ثورة تشريعية ومكسبا يكشف عن درجة عليا من الوعي لدى التونسيين ومع مرور أكثر من خمس سنوات على هذا القانون لنا أن نتساءل عن مدى جدوى هذا القانون هل حقق أهدافه أم ظل حبرا على ورق ؟ هل أنّنا بصدد إلزام هذا القانون ما لا يلزم ؟ للإجابة عن هذا السؤال كان لا بدّ من الرجوع إلى أهل الاختصاص في القانون.
*القانون يستطيع أن يقود وعي أمّة
يتساءل الأستاذ ذاكر العلوي هل يكون هذا القانون مثل مجلة الأحوال الشخصية قاطرة لتغيير عقلية مجتمع بأكمله ؟ ويضيف مجلة الأحوال الشخصية في تاريخ صدورها لم تكن تتماشى والذوق العام التونسي، ولا مع عقلية التونسيين. وكانت غريبة عن المجتمع في ذلك التاريخ. لكنها الآن أحد مقومات هذا المجتمع. القانون قد يسبق وعي الأمة. ولكنه يستطيع أن يقود وعي أمة. المجتمع سبق أجهزة الدولة من قضاء وإدارة. فالقانون تضمن إضافة إلى بعض المؤسسات القانونية الجديدة مثل مطالب الحماية وغيرها فقد أنشأ مؤسسات وهياكل هي بمثابة الرافعة لبقية المؤسسات القانونية. فالدولة لم تعمم إلى اليوم بعض الهياكل التي يتحدث عنها القانون وأخص بالذكر منها مراكز الإيواء وهياكل الإحاطة وغيرها. ..
السؤال الجوهري حسب الأستاذ العلوي هو لماذا لم تقبل المرأة بقانون حماية المرأة ؟ لماذا ترفض المرأة الالتجاء لذلك القانون إلا في الحالات القصوى ؟ عندما تعرض على المرأة إمكانية الالتجاء لقرارات الحماية لوقف العنف، تتردد في القبول. هذا إضافة إلى المجتمع الذي يرى أن تعنيف الزوج أو الأب أو الأخ للزوجة أو الأخت أو البنت هو أمر طبيعي يدخل في إطار سلطة الرجل. وتدخل القانون لحماية المرأة هو زيادة في تعكير الحياة العائلية. هكذا يبررون استمرار العنف في مجتمعنا. وبعض النساء يستبطنّ هذه العقلية .
أحسن نتائج نفاذ هذا القانون في رأي محدثنا هو اكتشاف أن لا وجود لمثال أو نموذج واحد للرجل العنيف ولا وجود لمثال أو نموذج للمرأة المعنفة. فالقانون حسب الأستاذ ذاكر العلوي سينتج آثاره حتما. وسيقع القضاء على العنف المسلط على النساء إن آجلا أو عاجلا ولن يكون للغة العنف أي مكان في مجتمعنا. ربما مع هذا الجيل أو الذي يليه.
*قانون 58 والهنات بعد خمس سنوات
من جهتها أكّدت الأستاذة ذكرى الكلاعي أنه وبعد أكثر من خمس سنوات من دخول قانون 58 حيز التنفيذ تراءت العديد من الهنات عند محاولات الإنفاذ و التطبيق لهذا القانون. وقد يعزى ذلك إلى شبه فقدان وشلل في البنية التحتية و الميزانية اللازمتين، فالوزارات المعنية وذات الصلة لم تقدم على توفير ذلك. فالزمن القضائي المعقول مثلا لإصدار قرارات الحماية التي يتصف موضوعها بالاستعجالية وجب في بعض الحالات إصدارها على الاقل في ظرف ثلاث أيام لحماية ضحية العنف أو أي ضحية قد تتعرض مستقبلا إلى عنف بموجب وجود تهديدات جدية
هذا إضافة إلى غياب الفضاءات الخاصة التي من المفروض أن تكون موجودة داخل الفرق المختصة لحسن استقبال الضحية و الإنصات إليها مع الحفاظ على معطياتها الشخصية.وعدم توفر مسلك قضائي واضح داخل المحاكم لإرشاد ضحية العنف. يضاف إلى ذلك نقص التجهيزات لدى الفرق الأمنية لمرافقة ضحية العنف أو للخروج المستعجل في حالات التلبّس. وعدم وجود استمرار لدى الفرق المختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة و الطفل. هذا بالإضافة إلى الغياب شبه الكلي لمراكز الإيواء في كامل تراب الجمهورية التونسية رغم وجود قانون و أوامر تنظم ذلك. وغياب التكوين اللازم في كيفية التعهد بضحية العنف لبعض الفرق الأمنية وعدم وجود عنصر نسائي لدى أغلب الفرق الموجودة.
*قانون 58 هو استجابة لمواثيق دولية
وفي كلمتها عن قانون عدد 58 لسنة 2017 أكّدت الدكتورة فادية الحاج سالم والباحثة في شؤون العنف ضد المرأة أن هذا القانون كان وفاء لالتزامات الدولة لجل المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية ذات العلاقة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والتي تعززت بانضمامها إلى اتفاقيات وبروتوكولات هامة تعالج بعض الأشكال من العنف ضد النساء وبذلك أصبحت الدولة ملزمة بسن تشريع وطني يتلاءم ومقتضيات تلك الصكوك الدولية من خلال اتخاذ جميع التدابير لمنع كل أشكال العنف باعتباره انتهاكا لحقوق الإنسان وعائقا لتمتع المرأة بالحقوق المضمنة بتلك الصكوك فهل تمتعت ضحية العنف التونسية بالمقاربة الشاملة التي تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم ؟
*قانون عاجز أمام سيطرة الصور النمطية والعقلية الذكورية
و تضيف محدثتنا أمام تساؤلنا هذا إجابات عدّة من قبل ضحايا العنف، استنجدن بالسلط الأمنية والعدلية فوجدن أنفسهن ضحايا السلط السلطويّة. ويبقى هذا القانون دون جدوى في القضاء على العنف ضد المرأة لأننا مازلنا اليوم أمام صور نمطية وعقلية ذكورية تترأس مناصب تجعلها تمارس العنف بطريقة أو بأخرى على الضحية، رغم إصرار هذه الأخيرة على كونها ضحية عنف. فماذا يفعل الإنسان أمام جلاده؟ ألم يكن من الأجدر إصدار أحكام تتماشى ووقائع القضايا، وتتماشى مع النصوص القانونية لقانون 58 دون إيجاد التبريرات الكفيلة بإنقاذ المعتدي؟ ألم يكن من الأجدر اتخاذ قرارات حمائية فورية تتماشى مع خطورة الأفعال المرتكبة، دون اللجوء إلى سياسة النظر في الدعوى و إعطاء الفرص للمعتدي للإفلات من العقاب؟ فكم من ضحية عنف لم تتمتع بالحماية القانونية المناسبة لطبيعة العنف الممارس ضدها بما يكفل أمنها وسلامتها وحرمتها الجسدية والنفسية وكرامتها مع احترام خصوصياتها وما تتطلبه من إجراءات إدارية وأمنية وقضائية. ألم يعجز هذا القانون عن الحفاظ على أمن الضحية وإبعاد المعتدي أو منعه من الاقتراب من الضحية ؟ ألم يعجز قضاة الأسرة عن منع المعتدي من الاتصال بالضحية في أي مكان توجد فيه ؟ ألم يعجز القضاة عن إخراج المطلوب من المسكن وفي المقابل خرجت الضحية صحبة أطفالها ؟ ألم تطعن الضحية أمام القضاء رغم علمهم بأنها مهددة بالقتل ؟ ألم تقتل الضحية رغم علم الأمن بأنها مهددة بالقتل ؟
*عندما يكون القانون جزء من المشكل
وتختم الدكتورة فادية الحاج سالم والباحثة في شؤون العنف ضد المرأة بالقول إن هذا الواقع المرير الذي تعيشه النساء ليس من وحي الخيال بل هو من جراء قانون لم يفعّل كليّا وجدّيا ولم يتم تبنيه من قبل القطاعات المختصة. و الإقرار بأن العنف هو انتهاك لحقوق المرأة وبكونه قضية شائكة وجب معالجتها فعليا. فلا يجب تلميع هذا القانون ونساء بلادي تعنف بطرق مختلفة على يد جلاديهن خاصة أما ارتفاع نسب العنف ضد المرأة. فعلى الدولة مثلما التزمت بالوفاء بالتزاماتها الدولية بسن هذا القانون، تحمل كافة مسؤولياتها وواجباتها على المستوى الوطني تجاه ضحية العنف وذلك بالتطبيق الفعلي للقانون حتى لا نضطر مجددا إلى التساؤل عن مدى فشل تطبيق القانون عدد 58؟
من جهته أشار الناشط السياسي يوسف الماجري إلى أن هناك فجوة بين النظري والتطبيق في قانون 58 محملا الوزارات ذات الصلة مسؤولية تفعيله وتطبيقه على أرض الواقع.