غلاء الأسعار.. تقارير الدولة تدحض تفسيرات السلطة

في إدارة الدول كثيرا ما تتناقض خطابات السلطة مع تقارير مؤسسات الدولة، ولا يتطابق كلام الراعي مع أحوال رعيته، وحديث الحاكم في واد وواقع البلاد في واد آخر.

وفي تونس، وخلافا لما يصرح به رئيس الجمهورية قيس سعيد بشأن تدهور المقدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وتفسير ذلك بالاحتكار متهما خصومه السياسيين بافتعال الأزمة، تظهر المؤشرات الرسمية الصادرة عن المعهد الوطني للاحصاء حقائق تثبت الارتفاع الدائم لأسعار الخدمات والغذاء في تونس وبين حالة التضخم التي تعيشها البلاد.

وبين الخطاب السياسي والخطاب التحليلي العلمي، تتباين المعطيات المتعلقة بالواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، فمؤشرات المعهد الوطني للاحصاء بشأن الأسعار لا تتماهى كما لا تعكس مضمون خطاب الرئيس، بل إنها تدحضه وتثبت عمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية بعيدا عن التبريرات ذات الأبعاد والدلالات السياسية البحتة التي ينتجها الرئيس.

هل تقنع الاحصائيات الصادرة عن المؤسسة الرسمية المهتمة بالإحصاء "المعهد الوطني للاحصاء" رئيس الدولة كون أزمة السلع قوامها الغلاء وما الاحتكار إلا جزء منها ؟ فالتضخم في تونس وصل إلى أعلى مستوى منذ ثلاثين والارتفاع في الأسعار والوضع العالمي هما أبرز الأسباب وليس الاحتكار، ولم تشهد البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي هذا المنحى التصاعدي للتضخم الذي وصل حد 9.8 %.

كل الأسعار ارتفعت، أسعار المواد الغذائية و الأثاث والتجهيزات والخدمات المنزلية والنقل، ولن تجد السلطة حلا لغلاء الأسعار و تدهور المقدرة الشرائية للمواطنين ما لم تجيد التقييم وما لم تصارح نفسها بعدم نجاحها في ايجاد الحلول العاجلة والكفيلة بالانقاذ الاستراتيجي للظروف الشعبية، فتونس اليوم تحارب التضخم فقط بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية.

بكل تأكيد، المرحلة تتطلب اليوم وعيا بكل مقومات الأمن القومي الغذائي، بدءا باعادة نسق الانتاج الفلاحي والصناعي والاستثمار بقوة في قطاع للتقليص من الاستيراد وبالتالي التخفيض في الكلفة والأسعار، والمرحلة تستوجب اليوم المراهنة على استعادة الدولة دورها في الفلاحة والصناعة بالانتاج المكثف لتحقيق اكتفاء ذاتي دون توقفها عند التنظيم وإصدار التشريعات والرقابة، فتونس اليوم فرطت كثيرا في مشاريعها وأراضيها الفلاحية تحت مسميات متنوعة، فباتت هناشير زياتينها تحت سطوة الكثير من المتمعشين الذين يأجرونها بمعاليم رمزية وينتفعون منها أكثر  من الدولة.

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.