دستور 2022: أي مقاربة لإدارة الشأن المحلي في ظل “الجمهورية الثالثة”؟

رُوار حجي-

في 18 أوت 2022 دخل الدستور المعروض على الإستفتاء حيز التنفيذ مبشرا مؤيديه ب"جمهورية ثالثة" تقطع مع الماضي وتأسس "لنظام سياسي جديد" تبدو بعض ملامحه جلية وبعضها مخفية تحتاج تأويلا وتفسيرا.
مثّل الباب المتعلق بالجماعات المحلية والجهوية من هذا الدستور نقطة استفهام كبيرة لما شهده من تغيرات جذرية مقارنة بدستور 2014، الأمر الذي أحيا من جديد تساؤلات عن مآل مسار اللامركزية في خضم هذه التحولات. 

"ارحل" "يسقط النظام" هتافات غصت بها الشوارع التونسية قبل عقد من الزمن قصد المطالبة بوضع نهاية لنظام خلف مشاكل اقتصادية واجتماعية، وللقطع مع سياسات ونماذج تنموية ساهمت في خلق تباينات شديدة بين المدن والأرياف وبين المناطق الداخلية والخارجية.
إن المركزية المفرطة للدولة التونسية أدّت إلى بسط المركز ليده على موارد مناطق وتحويلها لأخرى وخص جهات بالمشاريع التنموية وتهميش أخرى، هذا ما خلق تباينات ولدت مشاكل اقتصادية كانت القطرة التي أفاضت حفيظة المواطنين.نات.
في تلك الفترة انطلقت حوارات وطنية حول ضرورة وضع اللبنات الأولى لنظام جديد يضمن المساواة في التنمية ويخرج المناطق المهمشة من عزلتها التنموية، ورأى الكثيرون في اللامركزية آلية لتنمية محلية عادلة.

ماهي اللامركزية؟
تعرّف اللامركزية في بوابة الجماعات المحلية كأسلوب من أساليب التنظيم الإداري يفضي إلى الإعتراف بوجود شؤون محليّة مختلفة عن الشؤون الوطنية للدولة، يسند في إطارها القانون الى جماعات محليّة منتخبة تتمتع بالشخصية القانونية مهمّة إدارة شؤونها باستقلالية تجاه السلطة المركزية وذلك طبقا لمبادئ التدبير الحرّ والتفريع والتضامن والتعديل والتمييز الإيجابي والتشاركية والحوكمة المفتوحة وذلك في إطار وحدة الدولة ودون ممارسة رقابة مسبقة على أعمالها. 

اللامركزية

ينظم الباب السابع من الدستور التونسي لسنة 2014 العلاقة بين المركز والجماعات المحلية ويحدّد آليات تكريس اللامركزية. ويقسم المشرع التونسي الجماعات المحلية على ثلاثة مستويات: بلديات وأقاليم وجهات تتمتع بسلطة إدارة شؤونها المحلية وفق مبدأ التدبير الحر وباستقلالية مالية وإدارية. ووفق الفصل 183 تخضع هذه الجماعات المحلية الى الرقابة اللاحقة على أعمالها من قبل السلطة المركزية.

اللامركزية سلاح ذو حدين
لئن تميز الإطار القانون لللاّمركزية  بكثافته ووضوحه يشكك البعض بعد أربع سنوات على إرساء اللامركزية في قدرتها على تمكين المناطق وتحقيق تنميتها لعدم توفر الإمكانات اللازمة في  الجماعات المحلية لممارسة صلاحياتها.
في هذا الإطار يقول عدنان بوعصيدة رئيس الجمعية الوطنية للبلديات التونسية ورئيس بلدية رواد "إن ايجابيات المسار أكثر من سلبياته "عندما ننظر  اليوم إلي ما حققته البلديات نلاحظ تمكنها من تحسين البنية التحتية بتعبيد 7000 كلم  وإضافة مايزيد عن 100 ألف نقطة إضاءة  في كامل تراب الجمهورية, في مدة لا تتجاوز أربعة سنوات بموارد بشرية ومالية ضعيفة. إن  ميزانيات البلديات لا تتعدى 2.75 من ميزانية الدولة, رغم ذلك هذه نتائج لا يمكن أن يقوم بها المركز، ولن يستطيع أن تقوم بها أي وزارة كانت إلا البلديات."
ويضيف بوعصيدة أنه رغم الظروف الصعبة التي مرّت بها البلديات في 2019 من فيضانات و2020 جائحة الكوفيد 19 حافظت البلديات على ميزانيتها وعلى نموها الاقتصادي.

تصريح عدنان بوعصيدة..
أعطت اللامركزية في إطار تكريسها لآلية الديمقراطية التشاركية للمتساكنين.نات وللمجتمع المدني فرصة للانخراط في الشأن المحلي عبر المشاركة في إعداد برامج التنمية والتهيئة الترابية ومتابعة تنفيذها على غرار جلسات البرنامج السنوي للإستثمار التشاركي. 

وفق الخبير في المالية والمقاربات التشاركية أحمد قيدارة، فإن المجتمع المدني كان حاضرا في العمل البلدي عبر مسارات التشاركية المختلفة التي تنفذها البلديات في إطار اعداد البرامج السنوية للاستثمار .إلى جانب حضوره في عدة استشارات على نصوص تطبيقية لمجلة الجماعات المحلية و في المجالس البلدية. ومساهمته في توفير الدعم التقني والتكويني.
نشرت الجامعة الوطنية للبلديات في ماي 2021 تقريرها التأليفي للاستشارة حول مسار اللامركزية "اللامركزية من منظور البلديات" بهـدف تقديـم تشـخيص متكامـل لواقـع البلديـات و العمـل البلـدي و الوقـوف علـى أهـم التحديـات التـي مـا فتئـت تعرقـل مسـار اللامركزيـة، كما جاء في نص التقرير.
ومن التحديات الذي شهدها مسار اللامركزية على مستوى البلديات هي التجاذبات وعدم استقرار المجالس البلدية.  " من الطبيعي أن لا  أن نلاحظ تقدما ملموسا داخل البلديات لأن كتل المجالس البلدية لم تعد تتفق مع بعضها الآخر. عندما نتحدّث عن اللامركزية نلاحظ تكريسها لعدة مبادئ في غاية الأهمية لكنّها لم تطبق فعليا، ولا يمكن تفعيلها مع تركيبة المجالس الحالية التي أفرزها القانون الانتخابي الحالي, يقول المستتشار البلدي ببلدية منزل عبد الرحمان ببنزرت.     

وبحسب ذات التقرير لا تمثل مشاكل البلدية الداخلية فقط سببا من مسببات تعطل مسار اللامركزية بل تتجاوز ذلك إلى مسائل متعلقة بالمسار بحد ذاته على غرار غياب روزنامة تفصيلية لمراحل بعث اللامركزية،  إلى جانب عـدم تناغـم النصـوص المنظمـة لـإدارة اللامحوريـة مـع مقتضيـات مجلـة الجماعـات المحليـة  كالنصوص المتعلقة بصلاحيات الوالي.

 

ويرجع مؤيدو اللامركزية تعطل مسارها إلى التخبط السياسي وتواتر التحويرات الوزارية في فترات وجيزة لم تمكنهم من وضع أي استرتيجيات وتفعيلها، إلى جانب غياب إرادة سياسية فعلية تدعم مشروع اللامركزية. فهل ستدعم "الجمهورية الثالثة"  هذا المسار أم تلغيه؟  

اللامركزية مسار "يهدد وحدة الدولة"
يتكون الدستور الجديد الذي دخل حيز التنفيذ يوم  18 أوت 2022 من 11 بابا و  142 فصلا.
جاء الباب السابع متعلقا بالجماعات المحلية في فصل وحيد ينص على أن "تمارس المجالس البلدية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم والهياكل التي يمنحها القانون صفة الجماعة المحلية المصالح المحلية والجهوية حسب ما يضبطه القانون".
عند الوقوف عند هذا البلاب نلاحظ تغيرات جذرية على مستوى الشكل والمضمون مقارنة بدستور 2014. وتظهر هذه الاختلافات انطلاقا من العنوان حيث استعمل في الدستور الجديد مصلح الجماعات المحلية والجهوية عوضا عن السلطة المحلية.
  رأى بعض الخبراء في هذا التغيير إضعافا  لدور الجماعات المحلية وعودة إلى دستور 1959،  إذ هو الآخر أيضا يحتوي على فصل وحيد ينص على "ممارسة المجالس البلدية والمجالس الجهوية والهياكل التي يمنحها القانون صفة الجماعة المحلية المصالح المحلية".
اعتبر العميد فاضل موسى اثر مشاركته في يوم دراسي تناول مسار اللامركزية على ضوء مشروع الدستور المعروض على الإستفتاء أن اختيار مصطلح السلطة المحلية في دستور 2014 لم يكن اعتباطيا وأن المقصود به تنظيم السلطة ترابيا. مؤكدا أنه حتى لا يفهم المصطلح كأنه تأسيس لدويلات صغيرة وقع حصره في الفصل 14 في باب المبادئ العامة عبر التنصيص على التزام الدولة بدعم اللامركزية واعتمادها بكامل التراب الوطني في إطار وحدة الدولة.

ينصّ الدستور الجديد في فصله الرابع على أن "تونس دولة موحدة ولايجوز وضع أي تشريع يمس بوحدتها" دون أي إشارة إلى اللامركزية في هذا الفصل او في فصول الباب السابع المتعلق بالجماعات المحلية والجهوية, والسؤال المطروح هنا هل أن رئيس الجمهوية يرى في اللامركزية مسا من وحدة الدولة خاصة وأن بعض مناهضي اللامركزية يجدون مببرات رفضهم لهذا المسار في امكانية تفيكيكها لوحدة الدولة؟
 في الحقيقة لم يسبق لرئيس الجمهورية عرض موقف واضح إزاء الجماعات المحلية وكيفية تمثّله للتنظيم المحلي القائم بصريح العبارة إلا أنه بالعودة على تصريحاته نجد أنه  حذّر في إحدى إجتماعاته  مع وزير الداخلية توفيق شرف الدين ووزيرة التجارة فضيلة الرابحي بن حمزة،" الجماعات المحلية من التخاذل أو سعي البعض إلى ''انشاء دولة داخل الدولة''.

سلسبيل القليبي أستاذة القانون الدستوري، تقول إن الفصل الرابع والباب السابع  يعطي انطباعا أن دستور 2022 يرى في اللامركزية 2014 مدخلا لتفكيك الدولة او مصدر تهديد لوحدة الدولة. لذلك الباب السابع لم يعد اسمه سلطة محلية بل جماعات محلية بالضبط مثلما كانت التسمية في دستور 59 مع إضافة كلمة جهوية.
وعن السيناريوهات المتعلقة بهذا التنظيم المحلي الذي يرسم ملامحه الدستور الجديد، يقول أستاذ القانون الدستوري معتز القرقوري أنه ثمة من يطرح إمكانية العودة إلى المركزية وإفراغ الجماعات المحلية من صلاحياتها الفعلية، في المقابل تستبعد أطراف اخرى هذه الفرضية لصعوبة تحققها. ما يمكن قوله أنه ثمة غموض على مستوى هذا المعطى فكل السيناريوهات واردة.
الظاهر أن الفرضية القائلة بالعودة إلى النظام المركزي تنبني إنطلاقا من عدة مستجدات وقرارات إتّخذت على المستوى الوطني والمحلي وقد أثارت شكوكا حول التخلي عن مسار اللامركزية منذ البداية. وتعتبر هذه الفرضية أن الدستور في بابه السابع لم يكن سوى خطوة تكميلية لقرارات تمهيدية.

من المؤكد أن غياب اللامركزية ومبادئها في الدستور الجديد والتراجع عن 11 فصلا مخصصا للتنظيم الترابي وتعويضه بفصل وحيد لم يبقي سوى على التقسيم الإداري للجماعات المحلية، لم يكن سهوا من قبل الرئيس  بل كان خطوة متعمدة فتحت باب التأويل على مصراعية، فبالعودة إلى مشروع دستور الهيئة الاستشارية وتحديدا إلي بابه الثامن "التنظيم الترابي" المتكون من ثمانية فصول نلاحظ دسترة للامركزية ومبادئها الأساسية كالعمل وفق التدبير الحر وتمتع الجماعات المحلية بالشخصية القانونية والاستقلالية المالية والإدارية، إلى جانب الإشارة إلى صلاحياتها المنقولة والذاتية والمشتركة مع السلطة المركزية، وهي أحكام ينص عليها أيضا دستور 2014.

المجلس الوطني للاقليم والجهات داعم أم معادي لفلسفة اللامركزية؟
يطرح على الطاولة خيار دستوري جديد من شأنه أن يعيد ترتيب الأوراق في علاقة بملامح التنظيم المحلي الذي يكرسه الدستور الجديد وهو إحداث غرفة برلمانية ثانية يطلق عليها المجلس الوطني للجهات والأقاليم إلى جانب الغرفة الأولى المتمثلة بمجلس النواب.

تاريخيا، لم يأتي دستور 2022 بالإزدواجية البرلمانية، فقد جرى العمل بها منذ عقود خلت في دول أخرى خاصة منها الفيدرالية. ويعود الفضل في بروز هذا النظام إلى بريطانيا ببعثها برلمانا يتكوّن من مجلس العموم إلى جانب مجلس اللوردات. وانتهجت تونس بدورها هذا النظام بإحداث مجلس المستشارين  بين سنة 2005 و2011.
 إن المتمعن في  الفلسفة التي يقوم على أساسها مجلس الجهات والأقاليم سيلاحظ اختلافا على مستوى الصلاحيات والمهام التي يضطلع بها هذا المجلس مقارنة بنظيريه.
فبينما تلعب معظم المجالس في التجارب المقارنة دور غرف تفكير تساهم في تحسين جودة النصوص التشريعية والفحص والتدقيق والمصادقة على جل مشاريع القوانين مع الغرفة الأولى، إلى جانب مراجعة عمل الحكومة ومراقبتها، يضطلع هذا المجلس بوظيفة تشريعية وأخرى رقابية، حيث تكفل على عهدته المصادقة على المشاريع المتعلقة فقط بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والإقليمية والوطنية وممارسة صلاحيات الرقابة والمساءلة في مختلف هذه المسائل.
"يخلط هذا المجلس  بين مؤسستين بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي يقره دستور 1959 (كان يتمتع بصبغة استشارية لكن في نفس الوقت كانت تنعرض عليه  مشاريع القوانين المتعلقة بالشأن الاقتصادي والتنموي ويتم التداول فيها) وما يسمى بالغرفة العليا أو مجلس الشيوخ في دول أخرى مثل فرنسا وهو مجلس يمثل الأقاليم والجهات ويتمتع ببعد لامركزي"، تقول أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي.

بعد تمحيص في فصول باب السلطة التشريعية نلاحظ أن الصلاحيات الموكولة إلى مجلس الجهات والأقاليم تحوم حول القوانين المناسباتية  التي يتم النظر فيها مرة او مرتين في السنة مثل قانون المالية و قانون المالية السنوي  وقانون المالية ختم الميزانية.
يقول أستاذ القانون الدسنوري معتز القرقوري إن "الصلاحيات التي تم أسنادها للغرفة الثانية  ليست الصلاحيات التي من المفروض ان تضطلع بها. وأنه من الأفضل لو كانت غرفة تفكير لا تحتوي فقط على تمثيل الجهات. لأنه بهذه الخاصية أصبحت الغرفة الثانية كأنها ستعوض المجلس الأعلى للجماعات المحلية الذي ينص عليه دستور 2014 ومجلة الجماعات المحلية ولم يتم بعثه إلى حد الأن, مرجحا تحويل صلاحيات هذا المجلس  إلى الغرفة البرلمانية الثانية".
 بالعودة إلى النصوص الترتبيبية للمجلس الأعلى للجماعات المحلية يعتبر هذا المجلس هيكلا تمثيليا لمجالس الجماعات المحلية أي المجالس البلدية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم يساهم في ضمان التناسق بين السياسات العمومية والمخططات والبرامج والمشاريع المحلية والوطنية، ويتمتع بدور استشاري حول مشاريع القوانين التي تهم الجماعات المحلية والمتعلقة بالتخطيط والميزانية والمالية المحلية،  كما يخوّل له حضور مداولات مجلس نواب الشعب ومناقشة مشاريع قوانين تتعلق بالجماعات المحلية، بيد أن مجلس الجهات والأقاليم يلعب بالأساس دورا تشريعيا في هذا المجال.
يؤكد الأستاذ المتخصص في الشؤون الجيوسياسي رافع الطبيب أن مجلس الجهات والأقاليم سيجسد تصورا للامركزية تنبني على فكرة التنمية الجهوية وتحميل المسؤولية للجهات لتطوير نفسها بنفسها، عوضا عن اللامركزية التي تم إعتمادها سابقا كأداة لتفكيك الدولة المركزية وتفتيت السلط. " مسألة التنمية الجهوية كانت ورقة انتخابية سيتم سحبها نهائيا من الصراع الإنتخابي بفضل هذا المجلس، إذ يعمد النواب إلى استغلالها لكسب مقاعد في مجلس النواب ثم لا يتطرقون إليها لانشغالهم بالقضايا الوطنية"، يفسّر محدثنا.
البناء القاعدي "نظام يهدد أواصر الوحدة الوطنية"
وفق الفصل الحادي والثمانون يتكوّن المجلس الوطني للجهات والأقاليم من نواب منتخبين عن كل مجلس جهوي لتمثيل جهاتهم  ونائب عن كل إقليم لتمثيل إقليمه في المجلس الوطني للجهات والأقاليم. وينتخب هؤلاء  بطريقة غير مباشرة.
في هذا المجال يرى مراقبون أن الفلسفة التي تقوم عليها تركيبة مجلس الأقاليم والجهات مماثلة ل"التصعيد في النظام البناء القاعدي" اي الإنتخاب من الجهوي إلى المحلي إلى الوطني. 
في المقابل ينفي الأستاذ المختص في الشؤون الجيوساسية رافع الطبيب وجود أي مشروع يسمى نظام البناء القاعدي قائلا: "لا وجود لهذا النظام إلا في عقول بعض الأشخاص المعادين للمشروع الجديد الذي تعيش على وقعه تونس منذ انتفاضة 25 جويلية 2021. هي مجرد ترهات لنخب سياسية تجاوزتها الأحداث".
للبحث عن جذور نظام البناء القاعدي ومدى حقيقة وجوده من عدمها وجدنا ورقة بحثية نشرتها المفكرة القانونية تحت عنوان: تناقضات نظام البناء القاعدي ومخاطره, يكشف هذا المصدر عن وجود مرجعين فقط نشرا للعموم يتحدثان عن طبيعة هذا المشروع. وهما بيان بإسم قيس سعيد نشر بتاريخ 3 أوت 2013 دعا فيه إلى انتخاب مجلس وطني شعبي على الطريقة القاعدية، ومرجعية ثانية هي كتاب لخليل عباس أحد الشباب اليساريين الذين انخرطوا في المشروع.
كما تشير الورقة البحثية إلى غياب نص واضح ونهائي يبين أسس هذا المشروع وملامحه واقتصار الأمر على مناقشته في نشاطات الحملات التفسيرية. 
في أكثر من مناسبة تحدّث مفسرو الحملات التفسيرية لقيس سعيد في منابر إعلامية عن أهمية هذا المشروع في تحقيق العدالة التنموية بين الجهات عبر "قطعه مع المنظومة القائمة العاجزة عن خلق الثروة" .
ترتكز أسس البناء القاعدي على فكرة إعادة البناء من المحلي الذي يمثل القاعدة في اتجاه المركز حيث يتم التصعيد من المجالس المحلية إلى الجهوية ثم إلى المجلس الوطني. 
يقع في البداية تشكيل مجالس محلية على مستوى كل معتمدية ينتخب أعضاؤها وفق نظام الاقتراع على الأفراد كممثلين  لكل عمادة. وتتمركز صلاحيات هذه المجالس في وضع مشاريع التنمية في المعتمديات. 
ثم يصعد من كل مجلس محلي  ممثل في المجلس الجهوي على مستوى الولاية وممثل في المجلس الوطني.
ويقوم المجلس الجهوي بالنظر في المشاريع التنموية الموضوعة على المستوى المحلي بينما يضطلع المجلس الوطني بدور تشريعي في مختلف المسائل المتعلقة ببرامج التنمية الجهوية والوطنية.
 

تعتقد أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي "بوجود بذور لهذا النظام في مجلس الأقاليم والجهات. وتشير إلى أن  المرسوم المتعلق بالانتخابات والمرسوم الذي سينظم اختصاصات الغرفة البرلمانية الثانية سيحسم هذه المسألة، وفق تعبيرها. 
إن ما يبعث عن الانشغال في فلسفة البناء القاعدي هي إمكانية إسهامها في تفكيك أواصر الوحدة الوطنية وتعميق الشعور بالانتماء المحلي والخصوصيات المحلية  على حساب الانتماء الوطني. "كل فرد سيعتبر نفسه متجذّرا في جهة أو في اقليم ولن يتمثل سوى مصالح  جهته او اقليمه هذا الأمر يمكن ان ينتج فتورا في البحث عن قواسم مشتركة بين فئات المجتمع التونسي  وفي البحث عن وحدة وطنية."  تقول القليبي.

إلى حين صدور النصوص التكميلية المنصوص عليها دستوريا سيبقى المشهد ضبابيا في علاقة بإدارة الشأن المحلي . يفترض مراقبون ثلاث مسارات محتملة في هذا السياق، تكمن إحداها في العودة الى المركزية وتستشرف أخرى مقاربة  جديدة للامركزية. ولا تُستبعد أيضا فرضية خلق تنظيم محلي جديد يعبّر عن توجهات الرئيس، إذ ما فتئ قيس سعيد في خطاباته يلوّح بالقطع مع المنظومة السابقة واجتثاث جذورها من مؤسسات الدولة. ومن مفارقات هذه المسارات المطروحة اشتراك داعميها في قدرتها على تحقيق التنمية العادلة وفي إلتقاء ناقديها في دحضها بحجة  تفكيك الوحدة الوطنية وتماسكها.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.