فاق عددهم تسعين ألفا: لماذا هاجر الايطاليون بالالاف نحو تونس؟

مروى الدريدي-

مثلما كانت تونس قديما "مطمور روما" نظراً لما كانت توفره من إمدادات غذائية ومحاصيلَ زراعية فضلا عن أنها إحدى أغنى المقاطعات، كانت أيضا قبلة لهجرة الآلاف من الايطاليين في القرن الماضي نحوها لأسباب سياسية اقتصادية واجتماعية.
لكن هل يمكن إسقاط واقع هجرة التونسيين اليوم نحو ايطاليا، على هجرة الايطاليين في السابق نحو تونس؟ هذا ما أوضحه المؤرخ عبد اللطيف الحناشي، الذي أكّد أن هناك مغالطات يقع الترويج إليها في تشبيه ما يحدث اليوم من هجرة نحو السواحل الايطالية بما حدث سابقا من هجرة نحو تونس، كاشفا لحقائق أون لاين، عن أرقام ومعطيات رسمية بشأن عدد المهاجرين الايطاليين نحو تونس وأسباب ذلك.
 
تطور عدد الايطاليين في تونس
هجرة الايطاليين نحو تونس أخذت في الارتفاع شيئا فشيئا خاصة بعد الاستعمار الفرنسي سنة 1881، وقد كان منهم من يحتلّ مواقع اقتصادية مهمة وأصحاب أراضي وضيعات فلاحية، وكانت لهم مدارس خاصة بهم ومستشفى، وكان منهم أيضا من أتى هربا من أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية متردية وبحثا عن العمل.
وفي عام 1881 كان عدد الايطاليين في تونس 11 ألف و200 فقط، وكانت حينها ايطاليا تعيش على وقع أزمة سياسية على اعتبار أنها كانت مجموعة من الدول ونشأت فيها حركات لتوحيدها، وكنتيجة لهذه الصراعات هاجر عدد كبير جدا من الايطاليين إلى تونس.
سنة 1886 ارتفع عدد الايطاليين في تونس ليصبح 16 ألف و763 ايطاليا، وفي عام 1891 ارتفع إلى 21 ألف و16 ايطاليا، وفي سنة 1896 بلغ عددهم 55 ألف و772 ايطاليا، وفي سنة 1901 تطور العدد ليصبح  71 ألف و600 ايطالي، وبلغ سنة 1906 حدّ 81 ألف و156، وظلّ العدد في ارتفاع ليبلغ سنة 1911، 88 ألف و82 ايطاليا، وفي عام 1921 اصبح عددهم 87 ألف و799 ايطاليا، وبلغ سنة 1926، 89 ألف و219 ايطاليا إلى أن بلغ سنة 1931، 91 ألف و175 ايطاليّا..، وفقا لمعطيات رسمية قدمها المؤرخ عبد اللطيف الحناشي.
 
وبيّن الحناشي، أنه في سنة 1911 كان عدد الايطاليين في تونس ضعف عدد الفرنسيين الذي كان عددهم تقريبا 44 ألف فقط، مقابل أكثر من 88 ألف ايطالي.
 
أسباب الهجرة نحو تونس
 هجرة الايطاليين نحو تونس التي توسّعت بعد الاحتلال الفرنسي، كانت تلقائية في البداية، مثلما بيّن ذلك عبد اللطيف الحناشي، نتيجة الأزمات التي شهدتها ايطاليا وخاصة صقلية التي عاشت أزمة سياسية واجتماعية وعانت المجاعة والفقر المدقع.
 
وكان المستعمر الفرنسي يعوّل على اليد العاملة الايطالية لسببين الأوّل لانها زهيدة مقارنة باليد العاملة الفرنسية، والثاني لأن العمالة التونسية كانت متهمة بالكسل وبأن انتاجاتهم ضعيفة وتنقصهم الخبرة، مضيفا أن المستعمر كان يشغل اليد العاملة الايطالية خاصة في مجال البنية الأساسية، من ذلك مد الطرقات والسكك الحديدية والبناء والعمل في المناجم، وكان يعوّل على الايطاليين كثيرا في هذا المجال، كما أنهم كانوا يعملون في الحرف والصيد، وكانوا نشيطين بشكل كبير. 
 وكانت هجرة الايطاليين نحو تونس قانونية، وفقا للحناشي، وتمرّ بشكل عادي وبطريقة قانونية، نظرا للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت تعيشها ايطاليا ولحاجة المستعمر الفرنسي للعمالة الايطالية، وحتى من كانوا يدخلون بطرق غير قانونية فإن معظمهم هاربون من العدالة.
 
الضغط على الهجرة
بدأت السطات الاستعمارية تضغط على هجرة الايطاليين نحو تونس، خاصة بعد الاحتلال الليبي لايطاليا، مع تنامي التخوفات منهم، وفي سنة 1911 أصبحت تشدد المراقبة في الحدود، ولا تقبل دخولهم في الموانئ أو الحدود الليبية التونسية، وكانت ترحّل ما يصل إلى 20 ايطاليّا في السنة. وعندما أحست فرنسا بالخطر أصدرت قانون التجنيس ما سمح لللآلاف من الايطاليين أخذ الجنسية الفرنسية.
 
ولم يكن الفرنسيون يراقبون بدقة دخول الايطاليين لانهم كانوا بحاجة إليهم خاصة في أواخر القرن التاسع عشر، كما بدأت المراقبة الفعلية والدقيقة عام 1901 تقريبا عندما ازداد عددهم حيث أصبحوا دولة داخل دولة وكان لديهم مستشفى ايطالي ومدارس في المناطق الساحلية اغلبها في صفاقس وسوسة وبنزرت ونابل، وكانت منطقة قرمبالية مثلا تسمى ايطاليا الصغرى.
 
أملاك الايطاليين
 كان الايطاليون سنة 1901، يملكون في تونس 665 ضيعة فلاحية بمساحة 945 33 هكتار، وفي سنة 1907 كانوا يملكون 93 ضيعة بمساحة 84 ألف و146 هكتارا، وتعتبر هذه المساحات شاسعة وتتركز في أهم المناطق الزراعية في الوطن القبلي وضواحي تونس.
كما أنه لديهم تقريبا 20 مدرسة خاصة بهم في حلق الوادي والعاصمة وسوسة 
 
وبين الحناشي أنه لا يمكن مقارنة الهجرة في السابق باليوم، إذ أنه في السابق لم تكن هناك تأشيرات وكانت سهلة وفي المتناول لذلك لم يكن هناك التجاء للطرق غير الشرعية للهجرة الا من كان هاربا من العدالة وكانت فرنسا تسمح لهم بالدخول مع مراقبتهم.
 
وفي الثلاثينات أخذت أعداد المهاجرين الايطاليين في تونس في التراجع وذلك مع توتر العلاقات الدولية وصعود النازية في ايطاليا، واتخذ الفرنسيون في 1939 اجراءات لترحيل الايطاليين، وبعد انتهاء الحرب العالمية وتمكن فرنسا من ارجاع تونس لسلطتها في 1943 بدأت حملة كبيرة جدا لطرد الايطاليين وتم افراغ تونس منهم ليتراجع عددهم إلى بضعة آلاف.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.