عزيز الجبالي.. من العناق الأول مع الخشبة إلى “هربة”

 يسرى الشيخاوي

هو ممثل يحمل داخله الكثير من العفوية والصدق، يتقلب بين الوضعيات الدرامية والكوميدية بسلاسة، لا يؤدي دورا إلا ويترك فيه بصمته، يجيد تطويع جسده وتعبيراته على الخشبة وأمام الكاميرا في السينما والتلفزيون.

بين المسرح والسينما والمسلسلات والسلسلات تنوعت تجربته في التمثيل وطوع جسده وتعبيراته وصوته ليتقمص شخصيات تعلق بالذاكرة خاصة مع دور "وجدي" في مسلسل نوبة لعبد الحميد بوشناق.

هو عزيز الجبالي الذي يحسن تحريك خيوط لعبة التمثيل ويستنطق باطنه لتظهر شخصياته صادقة واقعية وشفافة حتى تبدو وكأنها حقيقية وكأن الامر يتعلق بلحظات تسجيلية أو توثيقية، وهو ما يتجلى في الشخصيات التي يؤديها على الركح في مسرحيته"هربة".

مسرحية "هربة  Evasion " بطولة عزيز الجبالي، وإدارة التمثيل هالة عيّاد وإنتاج "مسرح التياترو"، يركن فيها عزيز الجبالي إلى الخيال العلمي ليسائل مفهوم  السعادة وهو يكتشف كوكبا جديدا شبيها بكوكب الأرض لا مكان فيه للبلادة والتكلس.

و"هربة" ليست عرضا مسرحيا فحسب هي فلسفة وحلم وابن شكل عزيز الجبالي ملامحه في فترة صعبة في حياته أنهى فيها الدراسة وصار أسيرا للفراغ الذي عمق داخله الأسئلة الوجودية وصار يراكمها ويبحث عن معاني لمفهوم السعادة.

من هذا المنطلق كانت النواة الأولى لمسرحية "هربة" التي يجول بها في عدد من المهرجانات من بينها مهرجان الحمامات الدولي، وكانت كتابة نصها الذي كان محاطا بعدة أحاسيس ومتغيرات تتعلق بالأساس بشخصية عزيز الجبالي التواقة الى الحرية والباحثة عن التجدد.

قبل الخوض في تفاصيل المسرحية، تحدث الجبالي لحقائق أون لاين عن بدايته في المسرح وحبه للتمثيل الذي لم يأخذه في البدء على محمل الجد ولكنه كان يعيش معه ويكبر داخله يوما بعد يوم وكان الجميع يلحظ ذلك لكنه لا يعبأ لملاحظاتهم، وكانت أمه أكثر المؤمنين بموهبته وهي من دفعته إلى تلقي دروس في المسرح بفضاء "التياترو".

قبل أحد عشر سنة من الآن كانت أول حصة تدريب مع المسرحي نوفل عزارة، حصة يستحضرها ليقول إنه اكتشف حب حياته ومنذ اللحظة الأولى التي عانق فيها المسرح صار إدمانا يلاحقه من خلال مشاهدة المسرحيات في فضاء التياترو وخارجه.

الشغف بالتمثيل يتعاظم داخل عزيز الجبالي ومساره واضح ولكنه خير أن ينهي دراسته وتحصل على الإجازة في التجارة الدولية والماجستير في التسويق ولعل من المفارقات في حياته أنه أنفق على الماجستير من عائدات التمثيل.

ومن بين الأشياء العالقة في ذاكرته فرحته بتقاضيه أجرا لقاء التمثيل إذ يعتقد أن عائدات الفن تكمن في تلك الأحاسيس التي تجتاح الفنان من نشوة وتحرر، قبل أن يدخل في دوامة العمل في اختصاصه ويعاني من الروتين ومن الإحساس بالسجن والكبت والموت المعنوي.

من هذه الوضعية الصعبة التي آلت إلى وضع حد للعمل الذي لا يشبهه نسج الملامح الأولى لمسرحيته "هربة" سنة ستة عشر وألفين وكتب كثيرا ومن ثم تواصل مع رفاق الدرب هالة عياد وعبد الحميد بوشناق وياسمين الديماسي قبل أن يحظى بفرصة من المسرحي توفيق الجبالي ليكون حاضرا لعرض العمل على ركح التياترو بعد فترة ستة أشهر.

وكان الاتفاق على أن يحظى بعرض واحد إن لم يعجب توفيق الجبالي ينتهي الأمر عند ذلك الحد وعرضت المسرحية حينها لكن أفكارها لم تختمر كما أراد الجبالي كما أنه لم ينتش بعرضها ولم يرتو منها قبل أن يعاوده الحنين إليها تزامنا مع شهرته المتأتية من مسلسل نوبة ومن فيلم دشرة ليعيد النبش فيها ويبدل بعض تفاصيلها.

هربة، حسب حديث الجبالي، هويته ولكنه غفل عنها ولم يعرها الاهتمام الكافي قبل أن يلتفت إليها من جديد ويكمل ملامح الحلم المنقوص وعاد إلى مسرحيته التي عرضت رمضان الفارط بحضور عدد من مديري المهرجانات لرغبة منه في أن يكون الاقتراح منهم للحضور في المهرجانات وكانت الجولة الصيفية.

وهذا الممثل المتجدد المتقلب بين الشخصيات والأدوار لا يريد أن يطوي صفحة "هربة" ليمر إلى صفحة عمل آخر إلا وقد خطت أقدامه على أركاح في مختلف الجهات وهو العائد إلى الخشبة بعد جوع إليها خلفته جائحة كورونا.

وبهذا العمل المسرحي القديم المتجدد من خشبة إلى أخرى، يحاول أن يروي عطشه إلى الركح بشخصيات جديدة وكتابة عميقة تحتمل أكثر من تأويل وبطرح فني يراوح بين الظاهر الذي يكتسي الهزل والباطن الذي يتحلى بالوجع.

ووفق حديث الجبالي، المسرحية تحاكي المجتمع التونسي فهو يتسم بروح الدعابة رغم ما يحمله الواقع من قسوة ووجع بأسلوب لا يخلو من تحديات فليس من السهل أن تشد جمهورا مختلفا بعضه جاء بفكرة مسبقة بأنه سيضحك وبعضه الآخر جاء بحثا عن معلومة أو عن أي نقطة تحمله على التفكير والتأويل.

والهدف من المسرحية هو السفر إلى عوالم أخرى بعيدا عن منطق التسطيح والتتفيه، وفي كل عرض يبعث روحا جديدة ويوزع الاهتمام بين الشخصيات بلا ميزان لتبدو العروض مستجدة وغير مستنسخة وليرضي شخصيته التي تهاب الملل وتخاف من فكرة التكرار والاستنساخ.

ولأنه لا يقبل أن يكون حبيسا لأية فكرة أو مشروعا للروتين، اتخذ قرارا  بطي صفحة "هربة" بعد جولتها في المهرجانات الصيفية وجولة تلبي طلب الجمهور التونسي داخل أرض الوطني وخارجها لينطلق في مشروع مسرحي جديد.

وهذا القرار وليد فكرة أنه لا يريد أن يستنزف نفسه والا  يفقد شغف التمثيل ويغدو الأمر بالنسبة له مجرد تكرار بلا روح كما أنه يريد أن ينسج تفاصيل تجربة جماعية يتقاسم فيها الركح مع ممثلين آخرين لأنه يهوى المسرح الجماعي.

رحلة في ثنايا المسرح، "هربة" من كل شيء إلى الركح، لم تكن لترى النور لولا دعم عائلته وأصدقائه هالة عياد وعبد الحميد بوشناق وياسمين الديماسي الذين آمنوا به وشاركوه الحلم وجعلوا الصعب هينا وأناروا معه الزوايا المظلمة.

في حديثه  عن الدعم من حوله، تتغير نبرة صوته المحملة بسيل من العرفان وهو يصف الفخر في عيون أمه وأبيه وأخيه الذي يدفعه إلى الإيمان بنفسه أكثر  فأكثر وبقدرته على فعل الكثير في عالم الفن طالما يستمع إلى  ذلك الصوت داخله وطالما جعل من فخرهم بوصلته.

وعن رضاه عن نفسه في هذه المرحلة من مسيرته، لا يخفي أنه صعب مع نفسه في هذه الناحية خاصة إذا ما تعلق الأمر بالنجاح إذ يزيد ذلك من مسؤوليته ويرفع السقف عاليا ولكنه راض عن نفسه بنسبة ستين بالمائة إذ مازالت أمامه أحلام كثيرة لتحقيقها في تونس، على حد قوله.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.