في سوق جارة.. وجع المتضررين من الحريق يرتطم بأكوام الرماد (فيديو)

 يسرى الشيخاوي

في أول أيام العيد تصاعدت ألسنة اللهب في سوق جارة فتداعت لها الأسقف والحيطان وأعلن دخانها الحداد على منتوجات الحرفيين  التي باتت رمادا بعد أن عجزت شاحنة إطفاء واحدة عن مواجهة النيران الهوجاء.

وأنت تتمعن في الصور المتواترة عن الحريق تخونك العبرات ويبكي قلبك من فرط الوجع الذي تحمله في تفاصيلها ولكن حينما تقف أمام واجهة السوق الموشحة بالسواد الذي خلفته النيران لن تقوى على الصمود كثيرا وداخلك يتهاوى كلما تعثرت عيناك بوجه حرفي أو صاحب دكان تضرر من الحريق.

هنا سوق جارة بعد أن امتدت إليه أيدي العابثين وأضرمت فيه النيران التي لم تحرق المنتوجات الحرفية فحسب وإنما حرقت آمال عدد من الحرفيين الذين علقوها على أعتاب الدكاكين وسط ازدهار السياحة الداخلية ولكن أياد بائسة امتدت لتئدها.

هنا أكوام من الحجارة وأكداس من الرماد وخطوط سوداء تفرقت على مدخل السوق وامتدت إلى أجزاء كثيرة منها وخلفت أمائرها على الأبواب، هنا الحزن يوشح الوجوه والعبرات تشع في المآقي لكنها لا تغادرها والوجع يرشح من أصوات المتضررين.

وما أصعب مهمة الصحفي في مثل هذه الوضعيات فمهما كابر ليسيطر على الحزن الذي تسلل إليه يقف عاجزا أمام حرفي أو صاحب دكان أكلت النيران رزقه وجلس يتأمل ما تبقى منها بين أكوام الحطام التي توحي بأن المكان قد تعرض إلى غارة.

هذه المرة لم تملأ رائحة البخور والحناء والملوخية الأرجاء، وحتى الحمام الذي كان يزين ساحة السوق استجار ببعض الحيطان وكأنه يعلن حداده ووسط آثار الحريق تتحدث حرفية، في فيديو لحقائق أون لاين،  تصنع مظلات وحقائب من السعف عن السوق وعن كونه حافظا لتاريخهم واعمارهم وتناجي الله أن يحاسب المتسبب في الحريق.

وكفها المخضبة بالحناء صارت جزءا من اللحظة التراجيدية التي صار الوجع تقويمها، وجع يتعاظم مع كل كلمة وكل تفصيل في السوق التي احتضنت كواليس الأفراح والمناسبات السعيدة قبل أن تغدو فضاء للبكاء على الأطلال.

وفي فصل آخر من القهر يروي حادثة احتراق السوق سنة خمس وألفين ويلحق صفة الحزينة بقابس بنبرة يغشاه الألم وهو الحرفي الذي امتدت النيران إلى قوته وعائلته وعائلات أخرى فأن تأتي النار على دكان لا يعني فقط صاحبه بل يعني عشرات العائلات التي تصنع المنتوجات الحرفية.

وحرفي في صناعة الجلود ما أنفك يلح لمعرفة من تسبب في هذه الحادثة التي جعلت من يوم العيد يوما حزينا في الوقت الذي من المفترض أن يكون فيه يوما فرح وصاحب دكان بلغ من الكبر عتيا يفترش عتبة ويتحدث بنبرة تماهى فيها الوجع  والرضا عن احتراق محله وتحوله إلى كومة من الحطام، هو الشيخ الذي كان ينوي إطعام الحمام في الساحة ففاجأته ألسنة اللهب وهي تأكل دكانه.

وفي جارة يتسرب إليك الوجع حيثما وليت وجهك ويتردد صدى كلمات المتضررين من الحريق وترتطم صيحاتهم بأكوام الرماد فيما ينتظر الجميع مآل التحقيقات وتحرك الدولة لوضع حد لهذه التراجيديا.
 


آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.