“آكسيليري مليح.. سيّبي الموبيلات يهزها الريح”… عن أداء الممثل حمزة داود المربك

 يسرى الشيخاوي-

حمزة داود ممثل خبرت الأركاح وقع أقدامه ونسق أنفاسه وتساقط حبات عرقه بين المشاهد، ممثل من طينة الممثلين الذين تركوا بصمتهم في الذاكرة الفنية وخاصة منها المسرحية.

هو الفنان الذي وهب الكثير من روحه للفن، للمسرح، ولفرقة الجنوب بقفصة وشارك في مسرحيات لن تسقطها الذاكرة المسرحية، هو الفنان الذي كلما خط فصلا من حياته يلفت إليه الأنظار.

قبل سنة، كانت صورته جالسا على كرسي يبيع اوراق"الملسوقة" بمثابة الصرخة التي تخترق كل الآذان لتعري واقع الكثير من الفنانين في تونس وتجعلنا  نتفكر في مصائرنا وسط كل الجحود والنكران .

صورة حمزة داود التي تداولها الكثيرون حينها ليست إلا برهانا على أن الواقع، أحيانا،  أشد تراجيدية من الخيال وفرصة لإثارة أسئلة كثيرة تبحث عن أجوبتها ولعل على رأسها "اما حان الوقت لارساء استراتيجية او قانون يجنب الفنان مآلات موجعة؟".

حمزة داود الذي استجار بأوراق "الملسوقة" من الحاجة، يرجع إلى معدنه من جديد، إلى الفن اللذي يسري  في عروقه عبى بوابة مسلسل "حرقة" إخراج الأسعد الوسلاتي وسيناريو عماد الدين حكيم..

عبارة "الضفة الأخرى" التي ترافق عنوان المسلسل في جزئه الثاني لا تعكس فقط رواية القصة من إيطاليا بل إنها أيضا تحيل إلى حالة العبور التي قد يتيحها هذا العمل الفني لبعض الممثلين ليعبروا من ضفة إلى ضفة أخرى ويقولوا إن الفن كما النبوة لايطاله الكل.

من بين هؤلاء الممثلين حمزة داود الذي شد إليه الأنظار في دور "الجيلاني"، الرجل الذي بلغ به الكبر عليا لكنه لم يركن إلى الراحة وظل وفيا لمصب  الفضلات يبحث فيه يوميا عن بقايا الأمل وشظايا الأحلام حتى غادرت روحه جسده.

"الجيلاني" بشيبه ومشيته المثقلة بمتاعب السنين وهموم الحياة وصوته القادم من أعماق الوجع وابتسامته التي تروي فصولا من القهر والظلم يصور قدرة فئة من المواطنين في تونس على التكيف مع الظروف المفروضة عليهم فرضا لا يملكون أمامه الا أن يبتسموا ابتسامة ساخرة.

هذه الفئة من المواطنين، هم البرباشة الذين تواترت سنينهم داخل المصب فألفوه وألفهم وصار ملاذهم حينما تنصلت الدولة من مسؤولياتها وألقت بفئة من واطنيها في فوهة الفقر والحاجة فلم تكن أمامهم سبيل أخرى، غير القمامة، ليحيوا على الهامش.

وإن كانت المشاهد التي ظهر فيها قليلة، فإن أداء حمزة داود كان مربكا إذ مسك بزمام الشخصية وتقمص كل تفاصيلها ليبدو صادقا ومقنعا بطريقة تختلط معها المشاعر وتعجز عن تحديدها أمام حياته "الهادئة جدا" وموته الصاخب جدا على هدوئها.

"آكسيليري مليح.. سيّبي الموبيلات يهزها الريح"، هذه الكلمات قالها "الجيلاني" لابنته "بسمة" التي تشاركه الحياة بكل تقلباتها حينما كانت تقود عربته التي تقلهما والقمامة، هي بعض من الكلمات التي لفظها وهو يودع هذا العالم، هذه الجملة يمكن تصريف أفعالها مع ضمائر أخرى جمعها الحلم وفرقها الواقع.

هذه الكلمات ليست سوى فلسفة للتكيف مع الواقع فلسفة ينتهجها الحالمون الذين يغمضون أعينهم ويتخيلون أن الرياح العاصفة من حولهم سبيلهم إلى التحليق عاليا حيث لا مصب ولا فضلات ولا وتهميش ولا وصل..  

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.