ميناء المرسى القديم: خبايا أزمة بيئية تشدّ على خناقه

صورة لأكثر الأماكن تلوّثا بميناء المرسى القديم

رواء حجي-

عوضا أن يصطاد سمكا كان نصيب ناجي بن عيسى في عملية غوص قام بها منذ فترة: بقايا مواد حديدية، إطارات مطاطية، قوارير، وغيرها من المواد التي وجدها مترسبة في قاع الميناء. 

"عثرنا في مياه المرسى القديم على بقايا جسر سيدي سالم السّابق، وثلاجات، وبطاريات، في المقابل لم نجد كائنات بحرية قط. لغياب المرعى قلّة ما نجد سمكا هناك." يروي لنا ناجي بن عيسى ناشط مدني بيئي تجربة غوص قام بها في إطار حملة نظافة بالمرسى القديم، مشيرا إلى امتناعه عن تكرار هذه التجربة بعد تلقي تحذيرات من إمكانية إصابته بأمراض بكتيرية.
يعد المرسى القديم مكونا أساسيا "للمدينة العائمة" بنزرت حيث اكتسب أهمية كبرى في فترات زمنية متعاقبة، من الفترة الفينيقية والرومانية إلى البيزنطية ثم العثمانية.
عماد الدهماني أستاذ تاريخ وجغرافيا يسترجع حقبات تاريخية مضت من تاريخ بنزرت قائلا: "الميناء الفينيقي القديم يحيلنا إلى الشريان الأساسي للمدينة. لقد ساهم هذا البحر في خلق حيوية المدينة ونشاطها وقوتها على جميع الأوجه."
 
فيديو يعرض لمحة تاريخية حول ميناء المرسى القديم 

رغم رمزيته التاريخية ومكانته الجغرافية، أصبح الميناء الفينيقي شبيها ب"مصب للخردوات" ومصدرا لإنبثاق روائح كريهة تمثل مصدر قلق لدى أهالي بنزرت، وفق مستجوبي استبيان إلكتروني وزعناه على 75 متساكن ومتساكنة تتراوح أعمارهم بين 15 و65 سنة. 

غالبا ما يلاحظ مرتادو الميناء ألوانا غريبة وروائح كريهة في منطقة ما يعرف ب"المجبد" (مكان يترذل الميناء كان يخصص لإصلاح القوراب وصيانتها)، يعتبرها الخبير في الشأن البيئي حمدي حشاد دليلا على تعفن المياه وارتفاع نسبة تلوثها. 

ويؤكد الخبير في الشأن البيئي غياب حياة بحرية نشطة أو تنوع حيوي في ميناء المرسى القديم بإستثناء أنواع الكائنات البحرية القادرة على مقاومة هذا التلوث كسمك "البوري".

ويفسر محدثنا:"لا يوجد مخاطر مباشرة على الإنسان إلا في حالة السباحة والاستهلاك لأسماك ملوثة تم اصطيادها في ذلك المكان " 

من كان مسؤولا عن تلوّث الميناء؟
وفق 45 %من مجموع إجابات استبياننا الإلكتروني فإن جل الأطراف المذكورة في هذا الرسم البياني تساهم بطريقة ما في استفحال تلوث مياه المرسى القديم.
 

كانت المعطيات التي كشفها الإستبيان الإلكتروني منطلقا لجولة ميدانية قمنا بها في أنحاء المرسى القديم نشارككم إيّاها عبر هذا الفيديو:

فيديو لجولة ميدانية في ميناء المرسى القديم

تلوث برازي في المياه

بتاريخ 23 فيفيري 2022، أخضعنا عينة من مياه ميناء المرسى القديم لفحص بكتيريولوجي بمعهد باستور.

 

خريطة تبرز موقع سحب عينة المياه
كشفت نتيجة التحليل عن وجود بكتيريا برازية في المياه لكنها "غير قابلة للعد بسبب ارتفاع نسبتها".
وفقا لرضا بن عيسى رئيس مصلحة بمخبر مراقبة المياه والمواد الغذائية بمعهد باستور، يتضح أن مياه العينة ملوثة جدا نظرا لعدم قابلية عد البكتيريا التي وقع  رصدها. وتعتبر هذه البكتيريا  مؤشرا لوجود تلوّث برازي متأتي من مياه مستعملة وقع صرفها من القوارب أو من شبكات صرف المياه، وفق تعبيره.

نتائج تحليل العينة بمخبر معهد باستور.
(ملاحظة لا تعتبر هذه العينة تمثيلية لكامل مياه المرسى القديم بل تقتصر نتائج التحليل على منطقة سحبها.)
 
بالعودة إلى المحطات التاريخية لتأسيس منظومة صرف المياه المستعملة في الأحواض الساكبة المحيطة وذات ربط بالميناء القديم، تم في تسعينات القرن الماضي تحويل جلّ المياه المستعملة إلى محطة تطهير سيدي أحمد ببنزرت.
 
منذ ذلك التاريخ وقع التخلي عن تصريف المياه المستعملة ليس فقط في ميناء المرسى القديم بل في قنال مدينة بنزرت أيضا، حسب رواية المكتب الجهوي لديوان التطهير ببنزرت.
اعتبارا لنتيجة الفحص البكتيريولوجي للمياه و لتأكيد نشطاء في المجتمع المدني وأهالي المنطقة تواصل صرف المياه المستعملة في ميناء المرسى القديم، توجهنا إلى ديوان التطهير ببنزرت.
 
حمادي القبطني المدير الجهوي لديوان التطهير ببنزرت يوضّح في هذا الشأن "أنه بفضل محطات الضخ الثلاث (محطة القصيبة، محطة حسن النوري، محطة بوشوشة) أصبح المرسى القديم محمي من تلقّي المياه المستعملة". 
 
ويقول القبطني: "إن الأحواض الساكبة المحيطة بالميناء ليست مجهزة بقنوات تصريف أمطار لذلك يقع سكب هذه المياه في القناة المخصّصة لتصريف المياه المستعملة. وفي حالة حدوث فائض في المياه الوافدة تتحول هذه المياه طبيعيا إلى ميناء المرسى القديم. وليس بالضرورة أن تكون مختلطة بمياه الصرف الصّحي". 
 
يشير المهندس في الكيمياء والمستشار البلدي محمد علي بن قايد حسين إلى عدم استجابة مياه الصرف الصحّي التي يقع تصريفها بميناء المرسى القديم إلى المواصفات التونسية TN 106.002.
 
TN 106.002 هي مواصفات وضعتها الدولة التونسية سنة 1989 لتحديد شروط تصريف النفايات السائلة في الوسط المائي (المجال العام البحري، المجال العام الهيدروليكي وشبكات التصريف العمومية). 
 
يقتضي الحدّ من مشكل تسرب المياه المستعملة في ميناء المرسى القديم الترفيع من طاقة استيعاب المحطات. هذه العملية تخول لها استقبال وضخّ كميات أكبر من مياه الأمطار والمياه المستعملة.  
 
 "بين سنتي 2017 و2018 قمنا بتجديد تجهيزات محطات الضخ بمنطقة حسن النوري والترفيع من طاقة استيعابها من  85 لتر إلى  170 لتر في الثانية. ومن المبرمج الترفيع من طاقة استيعاب محطة بوشوشة من 12 لتر في الثانية إلى 25 لتر في الثانية في الأشهر المقبلة." يقول المدير الجهوي لديوان التطهير ببنزرت.
 
نقص الأكسجين: قاتل الميناء الصامت
نظرا لاقتصار الفحص البكتيريولوجي على كشف نوع ونسبة البكتيريا الموجودة في المياه، استعنا بدراسات علمية سابقة للبحث عن مصادر التلوث المحتملة الأخرى.
سنة 2003 أجرى عمر الهادفي أحد الطلبة بكلية العلوم ببنزرت رسالة بحث حول حالة التلوث بميناء المرسى القديم وتأثيرها على الحيوانات القاعية متوسطة الحجم.
اعتمد الباحث سحب عينات مياه من ستة نقاط مختلفة بالميناء وتحليل مكوناتها. وتمكن بهذه المنهجية من التوصل إلى أن ميناء بنزرت القديم يتمتع "بنظام إيكولوجي شديد الاضطراب وبيئة شديدة التلوث" ساهمت في إنتاجها بعض العوامل. نذكر أمثلة منها في هذا الرسم البياني: 
مثلما يمثل الأكسجين العنصر الأساسي للحياة على اليابسة يساهم في ديمومة الحياة البحرية أيضا. لذلك يعتبر الخبير في الشأن البيئي حمدي حشاد "ميناء المرسى القديم وسطا ميتا". ويقول أن:"  ضعف دوران المياه  يقلص من نسبة الأكسجين فتصبح المياه راكدة. " 
تتأثر نسبة تركيز الأكسجين الذائب في المياه بعدة عوامل كالنشاط البيولوجي، وتراكم المواد العضوية، وتصريف المياه المستعملة وهي عناصر تم اثبات وجودها في مياه المرسى القديم. 
ولتأثر نسبة الأكسجين  بديناميكية التيارات المائية أيضا، أردنا تحديد طبيعتها وسرعة تحركها بالميناء العتيق.
 
توجهنا إلى وكالة حماية الشريط الساحلي للحصول على بعض المعلومات حول هذا الشأن، بيد أن المدير الجهوي ببنزرت رفض الإدلاء بأي تصريح أو مدّنا بأي وثيقة إلا بعد مراسلة المكتب المركزي للوكالة. وإلى حدود كتابتنا هذه الأسطر لم نتلقى جوابا. 
 
مكنتنا مصادرنا من تقرير أولي لدراسة جدوى هيدروديناميكية لتحديد تيارات المياه البحرية بالميناء العتيق وفرضية ربطه بقنال بنزرت. أنجزت الدراسة سنة 2017 من قبل مكتب Maritec  لصالح وكالة الشريط الساحلي. 
 
يذكر التقرير أنه في حركتي المد والجزر تم تسجيل تدفق نسبي مقبول للمياه عند مدخل الميناء القديم، فيما تميزت التيارات المائية  بالحوض الداخلي بضعف تدفقها الشديد.
 
وخلص التقرير إلى أنه جراء تياراته المائية المنخفضة، يعاني الحوض الداخلي من ركود دائم في المياه وتراجع جودتها بشكل ملحوظ في فصل الصيف.
 
مشروع مارينا شوكة في خاصرة الميناء
سنة 2008، تم الإعلان عن انطلاق أشغال مشروع سياحي سيحقق انتعاشا اقتصاديا لمنطقة تعاني من نقص في الاستثمار. مرّت أكثر من عشرة سنوات ولم يكتمل المشروع وتحول بذلك إلى مجرّد بناء يفسد واجهة ميناء المرسى القديم. 
 
كمال بن عمارة رئيس بلدية بنزرت، يؤكد إسهام مشروع مارينا في منع تجدد المياه خصوصا  في الحوض الخارجي بسب بناء حاجز لم يكن مدرجا ضمن دراسة المشروع. 
 
" التّلوث والرمال الموجودة في المياه على مستوى جسر سيدي سالم (في الحوض الخارجي) ساهم في صعوبة التنقل من وإلى الميناء. في بعض الوقت ننتظر ارتفاع منسوب المياه حتى تتمكن قواربنا من الإبحار. هذا الأمر يتسبب أحيانا في اصطدام القوارب ببعضها البعض"، يقول جيلاني حشاني أحد الصيادين ببنزرت. 
 
ويضيف محدّثنا:"منذ أن أنجز مشروع مارينا فقدت المياه نضارتها، وشهدنا نقصا في الأسماك، وتراكما في الرمال".
تثبث رسالة بحث حول حالة التّلوث بميناء المرسى القديم ببنزرت أن رواسب الميناء القديم تختص بكونها رواسب موحلة  في المناطق الداخلية ورملية -موحلة في المناطق الخارجية.
ومن الواضح أن القائمين على مشروع مارينا لم يأخذوا بعين الاعتبار هذه الخصائص البيولوجية للميناء، وهو ما عمّق ظاهرة الترمل في المنطقة القريبة من مكان الإنجاز. خاصة وأنّ إحدى الإجراءات المتخذة سنة 2003 (قبل إحداث مشروع مارينا) ساهمت في تجمّع الرمال في مستوى جسر سيدي سالم.
 
"من المفروض على شركة كاب 3000 أن تقوم بدراسة تأثيرات على المحيط والبيئة قبل إنجاز المشروع. هذه الدراسة لا أحد تمكن من الإطلاع عليها. إلى اليوم نتساءل هل أن الدراسة هي نفسها تحترم خصوصيات المنطقة تلك؟" يقول سامي بالحاج مختص في التصرف في السواحل والبحار.
 
ولحلحلة هذا المشكل يرى بالحاج أنه لابد من فتح نوافذ وسط هذا الحاجز لدخول وخروج التيارات المائية.
 
ما يمكن استنتاجه من ما ذكر آنفا أن المشكل المحوري في ميناء المرسى القديم يتمثل في صعوبة التجدد الطبيعي للمياه نتيجة لضعف تدفق التيارات المائية.
 
أين البلدية؟
وفق الأمر عدد 2428 لسنة 2005 المؤرخ في 7 سبتمبر 2005 يتعلق بالمصادقة على عقد لزمة وكراس الشروط لاستغلال الميناء القديم ببنزرت، أوكلت مهمة استغلال الميناء وتجهيزاته إلى البلدية.
 
يدعوا 97.3% من عينة استبيان أنجزناه حول تلوث مياه المرسى القديم  بلدية بنزرت إلى إيلاء اهتمام أكبر بهذا المشكل البيئي. 
 
في هذا السّياق يعتبر رئيس البلدية كمال بن عمارة أن إمكانيات البلدية لا تكفي لتدخل يفضي إلى حلول جذرية. مؤكدا تمكن البلدية بالتشاور مع ديوان التطهير ببنزرت من تخفيض كميات صرف المياه المستعملة في الميناء، الأمر الذي ساهم في تحسن ملحوظ في جودة المياه ورائحتها.
 
وأشار بن عمارة إلى حرص البلدية على الإيقاف النهائي لصرف المياه المستعملة في حوض الميناء. 
 
وعن استغلال البلدية لتجهيزات أكسجنة المياه بالمرسى القديم يقول: "تتدخل البلدية لإصلاح عطب محطتي ضخ المياه الموجودة في المنطقة الداخلية للميناء. تساعد هذه التجهيزات على تجديد المياه ولو نسبيا. بحكم قدمها دائما ما تشهد عطبا لذلك لم تثبت هذه الطريقة الميكانيكية نجاعتها"، يوضح رئيس البلدية.
 
إجراءات إصلاح "زادت الطين بلّة"
سنة 2003 تم تنفيذ بعض الإجراءات قصد تأهيل الميناء القديم وتجديد مياهه. وذلك بعد دراسة أنجزها مكتب SCET تونس عام 1999 لفائدة المصالح الجوية والبحرية التابعة لوزارة التجهيز والإسكان.
 وقع رصد بعض الإخلالات على مستوى الأشغال المدخلة على ميناء المرسى القديم سنة 2003. ولعلّ أبرزها عملية فرش رمال على طبقات أخرى من رمال متعفّنة في قاع البحر.
"تحركات قوارب الصيد تحدث تيارات مياه خفيفة تساهم في تحول الرمال من مكان إلى آخر. هذه العملية  أدّت إلى تجمع الرمال قرب قنطرة سيدي سالم  بالحوض الخارجي للميناء "، يقول  محمد علي بن قايد حسين مهندس في الكيمياء، واصفا هذا الإجراء بالغير مدروس لتسببه في تضخم نسبة تعفن الرمال في قاع الحوض المائي.  
من ناحية أخرى يقوم مبدأ عمل محطة التصريف المحدثة حين ذاك على سحب المياه من الميناء القديم وضخها في بحر "La Plage". بمعنى آخر تقوم العملية على نقل المياه الملوثة من مكان وتحويلها الى مكان آخر.
إن عدم نجاعة الإجراءات السابقة في حل مشكل تلوث مياه المرسى القديم ومساهمة بعضها في تعمق المشكل أكثر فأكثر، جعل مكونات المجتمع المدني والسّلط المحلية تفكر في حلّ جذري يخرج الميناء من أزمته البيئية.
 
مقترحات حلول في انتظار التنفيذ
اتفقت جل الأفكار المطروحة على مبدأ وصل ميناء المرسى القديم بمصدر مياه ذات تيارات قوية ومستوى أكسجين كافي. 
 
بعد تركيز كرونومتر على مستوى مياه الجسر المتحرك ببنزرت لقيس سرعة التيارات المائية في فترات مختلف من السّنة، أثبتت دراسة أنجزها المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار سنتي 1999 و2000 أن قنال بنزرت يتمتع بسرعة تيارات قوية إثر عملية المد والجزر في فترتي الصيف والشتاء.
 
تتوفر في قنال بنزرت إذن الخصائص المطلوبة لإنجاز المشروع المنشود، الشيء الذي جعل الخبراء يذهبون نحو فكرة ربط الميناء المرسى القديم بهذا القنال. إلا أنهم اختلفوا على الطريقة التي سيتم اعتمادها.
 
كان إحداث قنال مفتوح يربط الحوض الداخلي للميناء بالقنال من أكثر الحلول التّي لقت رواجا.
 
" تتمثل الفكرة في فتح نهج تونس أو ما يعرف ب"باب الرمل". هذه الطريقة الأنجع للتّرفيع من نسبة الأكسجين في المياه. كما أن التيارات المائية ستساهم في جهر المياه طبيعيا"، يشرح قيس العريبي مهندس معماري ورئيس لجنة أشغال سابق ببلدية بنزرت.
 
ويعتبر العريبي أن الميناء بشكله الجديد سيخلق مسلكا سياحيا يوفر مواطن شغل جديدة ستدفع عجلة الاقتصاد في المنطقة. ويشدّد محدّثنا على نجاعة إنجاز هذا المشروع لأنه سيساهم في إرجاع المياه إلى مسارها الطبيعي قبل تغييرات المستعمر الفرنسي المدخلة على شكل المرسى القديم.
 
"فيديو يفسّر مشروع إحداث قنال مفتوح يربط الحوض الداخلي للميناء بقنال بنزرت" 

 

قبل تسعينات القرن التاسع عشر كان المرسى القديم يتمتع بقناتين مائيتين تصل إحداها إلى "ساحة 13 جانفي" الآن وتمر الأخرى من نهج تونس "باب الرمل" متجهة نحو "بحيرة بنزرت" أو ما يعرف حاليا بقنال بنزرت "البطاح".

يقول الأستاذ في التاريخ والجغرافيا عماد الدهماني إن "المستعمر الفرنسي بحفره للقنال العصري وردمه لأجزاء من الميناء (القناتين المائيتين) وإحداث بناءات جديدة، طمس طابع "بندقية الشرق"  وساهم في تقليص حجم الميناء القديم".

 

 تستمد فكرة مشروع القنال المفتوح مبرّراتها من مرجعية تاريخية وعلمية تكمن في إعادة المياه إلى مسارها الطبيعي.
سامي بالحاج من جهته يتبنى في دراسته هذا المشروع لكنه يشير إلى مخاطر محتملة عن إنجازه: "تبقى هذه الدراسة أولية يجب أن تشفع بدراسات تكميلية تأكد أو تنفي مخاطر الحفر على سلامة البناءات لوجود عدة عمارات ومحلات متداعية على مستوى نهج تونس، إلى جانب دراسة إمكانية تضرر الشبكات الكهربائية و المياه الصالحة للشراب وشبكات تصريف المياه المستعملة في مناطق التّدخل". 
بسبب هذه المخاطر والكلفة العالية للمشروع يرى بعض المختصين أن الحلّ البديل يكمن في إنجاز "Des dalots  " تحت الأرض على مستوى شارع "باب تونس".
تطرقت دراسة وكالة حماية الشريك الساحلي المنجزة من قبل مكتب دراسات MARITEC سنة 2017 إلى هذا المقترح. حيث اعتبرته الدراسة أقل كلفة وأقل مخاطرعلى البنية التحتية، مؤكدة قدرته على تحسين سرعة تدفق التيارات المائية إلى الحوض الداخلي للميناء المرسى القديم. 
قوبل هذا المقترح بالنقد أيضا لقلة نجاعته في حل مشكل ظاهرة الترمل وإمكانية سدمه بمواد صلبة.
" في إطار تحالف جمعياتي أسس مؤخرا نعمل كمجتمع مدني على حلول سيتم تقديمها للسلطات ومناقشتها فنيا." يقول رئيس لجنة المشاريع الكبرى ببلدية بنزرت ومهندس في الكيمياء محمد علي بن قايد حسين.
ويعتبر أن الحل الأنجع في نظره هو الحل الميكانيكي عبر إستعمال مضخات ذات طاقة عالية تأتي بمياه سليمة إلى المرسى القديم.  ويقترح محدّثنا أربعة سيناريوهات تتمثّل في جلب المياه عبر باب تونس، أو شارع حبيب بورقيبة، أو مرورها بجانب "العمارة العالية" أو عبر البحر.
الحل الميكانيكي أيضا لا يخيره البعض لإرتفاع مخاطر العطب وحاجة المحركات الدائمة إلى الصيانة.
وضعت إذن عدة حلول لتجديد مياه المرسى القديم على طاولة النقاش ومنها ما تم عرضه على السلط المحلية.
 
الحلول موجودة لكن إرادة التنفيذ ومصادر التمويل مفقودة
في 17 من نوفمبر سنة 2017 ، أرسلت وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي نسخة من "التقرير الأول لدراسة جدوى هيدروديناميكية لتحديد تيارات المياه البحرية بالميناء العتيق وفرضية ربطه بقنال بنزرت باعتماد النمذجة الرقمية" إلى ولاية بنزرت. ورغم إحاطة الولاية علما بمقترحات الحلول لم يسجل لصالحها تدخل فعلي يذكر خدمة لهذا الملف. 
صحيح أن مجلة الجماعات المحلية مكّنت البلديات من صلاحيات ذاتية تتنزل ضمن مبدأ التدبير الحرّ،  إلاّ أن مثل هذه المشاريع الكبرى تنطوي ضمن صلاحياتها المشتركة نظرا لتخطى كلفتها قدرات البلدية المادية. هذا ما يستدعي تكاتف الجهود بين السلطات المحلية لجذب انتباه السلطة التنفيذية المركزية نحو مشكل الميناء البيئي. 
يقول رئيس البلدية كمال بن عمارة أن بلديته تتابع تقدم المشروع وأنه ثمة بطئ شديد جدا في دراسة مقتراحات تجديد المياه عن طريق القنال المفتوح أو الأرضي.
ويشير رئيس البلدية من جهته إلى وجود مساعي للبحث عن مانحين دوليين لتمويل المشروع.
أثبتت تحاليل ودراسات علمية إسهام عوامل طبيعية وأخرى خارجية في تلوث مياه المرسى القديم وتدهور نوعيتها. واليوم نقف على أعتاب أزمة بيئية تهدّد  ديمومة هذا الإرث التاريخي وعراقته. 
في المقابل وضعت مقترحات حلول لتجديد المياه على طاولة الحوار لكنها مازالت لم تأخذ بالجدية الكافية محليا وخاصة وطنيا. 
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.