حاروتها: خديجة السويسي
ترى الدكتورة في علوم الإعلام والاتصال نهوند القادري أن تلفزيون الواقع و راج بشكل كبير جدا لدرجة انه لم يعد هناك حواجز بين الإنسان وما يريد، وأصبح يعمل بالمباشر والسريع والواقعي وكله لخدمة الكاميرا وبالتالي لخدمة المدخول أو الربح.
وفي إطار إنجاز بحث حول التطبيع مع العنف المسلط على النساء في برامج الواقع: تحليل عينات من برنامج عندي ما نقلك، أجرت الصحفية والباحثة في الجندر خديجة سويسي حوارا مع نهوند القادري، باعتبار تخصصها في مجال الإعلام والاتصال وتبنيها لقضايا النسوية ولمقاربة جندرية في بحوثها في هذا المجال.
ونهوند القادري هي دكتورة في علوم الإعلام والاتصال لها عديد المؤلفات الفردية والجماعية في مجال الإعلام والاتصال وعلاقتها بالمرأة على غرار قراءة في ثقافة الفضائيات العربية: الوقوف على تخوم التفكيك، الإعلاميات والإعلاميون في التلفزيون بحث في الأدوار والمواقع والعديد من المؤلفات الأخرى.
وكان لنا معها الحوار التالي:
ماهو تعريفكم لتلفزيون الواقع؟
تلفزيون الواقع هو نمط جديد من جيل التلفزيون، التلفزيون مر بعدة مراحل من الكلاسيكي التقليدي الذي كانت الدولة توظفه لخدمة الثقافة والتعليم وما يسمى بالتنمية، فكان هذا تلفزيون le piloteوكان ممسوكا تقريبا من الإدارات الحكومية وان كان أحيانا بشكل غير مباشر، يعني كان المطلوب من التلفزيون أن يقدم وظيفة معينة، هذا في المرحلة الأولى التي تسمى التلفزيون القديم la paléo-télévision، هكذا كان الوضع حتى في أوروبا وفي أمريكا يمكن أن نعتبر أن الوضع كان مختلفا شيئا ما، في أوروبا التلفزيون كان يجب أن يدار من قبل الدولة لأنه لديه وظيفة تثقيفية وتهذيبية مهمة جدا.
في مرحلة ثانية من العمل المتلفز انتقل التلفزيون إلى مرحلة التلفزيون الجديدla néo-télévisionوهو الذي انطلق في أن يكون نوعا ما مختلف و اظهر الكواليس إلى الخارج، يعني لم يعد هنالك كواليس للعمل المتلفز وأصبحت الكواليس جزء من المشهد، وهنا انطلقت النواة الأولى لتلفزيون الواقع، وفي هذه المرحلة طريقة عمل التلفزيون أصبحت مختلفة عما كان معهود في السابق وصار غير مسير من قبل إدارات الدولة كما أصبح يعتمد على الإعلانات والربح السريع.
ثم مررنا بمرحة ثالثة هي la post-télévisionما بعد التلفزيون وهو يعني أن كل شيء تحول إلى خدمة الكاميرا، ليس فقط لم يعد هناك كواليس وإنما كل شيء ظهر أمامنا على الشاشة وهنا تعززت فكرة تلفزيون الواقع، وعندما نقول أن كل شيء في خدمة الكاميرا يعني متطلبات الكاميرا وهي وجود عواطف وأحاسيس ومشاعر ودموع في مشهدية يجب أن تكون موجودة وإلا فان هذا النظام لن يشتغل. كل شيءأصبح في خدمة الكاميرا وكل شيءأصبحأمامنا، لم يعد هناك فصل بين ما يحدث وراء الكواليس وبين ما يجري أمامنا على الشاشة، هنا كل شيءأصبح في خدمة هذه الشاشة وتم توظيف كل الانفعالات والأحاسيس، الأشياء التي كانت حميمية ظهرت أمام المشاهد ولم يعد بإمكاننا الفصل بين الكلام المدروس وكلام الأشخاص العاديين، لم نعد نفصل بين المشاعر والكلام النخبوي.ومن هنا تلفزيون الواقع اخذ مجده وأهميته و راج بشكل كبير جدا لدرجة انه لم يعد هناك حواجز بين الإنسان وما يريد، يعني أصبح يعمل بالمباشر والسريع والواقعي وكله لخدمة الكاميرا وبالتالي لخدمة المدخول أو الربح.
حسب رأيك ما هو الدور الذي تلعبه برامج تلفزيون الواقع في علاقة بالمجتمع خاصة البرامج من نوع برنامج عندي ما نقلك التي تطرح مشاكل اجتماعية؟
برامج تلفزيون الواقع أتى معها نمط جديد من العمل المتلفز وهذا النمط الجديد هو أن الخطاب لم يعد من المطلوب أن يكون نخبوي، كل إنسان عادي يشعر انه موجود ولا توجد مسافة بينه وبين الأشخاص الذين أمامه على الشاشة بتفاصيل حياتهم بانكساراتهم بكل شيء يفعلونه، يشعر انه موجود في هذا المكان وأنهم حقيقة يعبرون عنه، وهنا يوجد فخ كبير يقع فيه الإنسان لان الهدف الأول والأخير هو جذب الإعلانات، والتي كانت تشتغل بطريقة مختلفة عن منطق الإعلانات إذ أنه كان يعمل في السابق بطريقة مختلفة عن اليوم لأنها من المؤكد واكبت التطورات الاقتصادية والأزمات المتلاحقة.
الإعلانات في البداية كانت تقدم لنا حياة الرخاء والنعيم والحياة الحلوة والجميلة، والحياة الزوجية مختلفة في التلفزيون عن الواقع، كان هناك نوع من الانفصام بين الواقع وبين ما نراه على الشاشة، لان الإعلام كان منطقه في البداية هو انه يكره الحروب والأزمات، ويروج لحياة الرخاء والنعيم على أساس ربطها بالاستهلاك، أي انه كل ما اقتنيتا هذه السلع كل ما كنا في حياة أفضل.
الآن مع النمط الجديد le poste télévisionما بعد التلفزيون والأزمات الاقتصادية وشدة المنافسة و الإعلام الجديد new media التي أتت به شبكات الاتصال،أكيدأن المنطق الإعلامي سيواكب هذا التغير، لقد شق المعنى التقني للاستهلاك وليس ضروريا أن كل مواد الاستهلاك مخصصة للناس الذين لديهم إمكانيات مادية أو الذين يعيشون حياة رخاء، لم يعد الإعلام يريد أن يحاكي فقط هؤلاء الناس بل يرغب في أن يتوجه لكافة الناس ليستطيع الوصول إلى اكبر عدد ممكن، وهنا انطلق العمل على القضايا الاجتماعية والبؤس والحرمان ومشاكل العنف التي تحصل في المجتمع.
أنا اعتقد أن هذه القضايا تطرح بطريقة استهلاكية جدا تثير الشفقة وتثير التعاطف، أشخاص لا يقومون بنوع من جدل الفكرة في حقل الفضاء العام، الحكاية لا تتطرق لإشكاليةالقضايا التي تثار بل تطرح بطريقة استعراضية جذابة مثيرة تريد جذب الناس ويشاهدونها ويلتهون بها ويقولون الحمد لله أننا لسنا هكذا.قصص تحاكي عند كل شخص غريزة معينة، حتى وصلنا لمرحلة يمكن أن نسميها تجارة المشاكل حتى أنه يقال وأن الذين يشاركون ويعرضون مشاكلهم تدفع لهم الأموال لقاء هذه المشاركة يعني لا يوجد شيء بالمجان.
هل أن منشط برامج تلفزيون الواقع من المفروض أن يلتزم بمجموعة من القواعد في تقديمه لمثل هذه البرامج؟ وهل يوجد التزام بهذه القواعد في العالم العربي أثناءتقديم برامج تلفزيون الواقع؟
أعتقدأن المنشط هو جزء من السيناريو الذي يكون مرسوما للبرنامج، وله دوره المرسوم له. أكيد أنه كل ما كان عفوي وكل ما كان له نوع من البديهة وسرعة البديهة في التصرف كل ما يجذب أكثر وهذا يعود لشخصيته، لكن إجمالاالإطار العام مضبوط لهذا المنشط وهو لا يستطيع أن يتخطى الخطوط العريضة المرسومة له ولدوره. وفيما يتعلق بكيفية استطاعته أن يأخذ من الناس ومن مشاعرهم، وقدرته على إظهارها ببراعة وكيفية تمكنه من الدخول إلى الداخل وإخراج كل هذه الانفعالات، هذا يعود إلى شخصية المنشط، هناك منشطين أصبحوا يملكون المهارة كي يتمكنوا من إزالة الحواجز بينهم وبين الأشخاص الذين يستضيفونهم، وهناك منشطين لا يمتلكون هذه المهارة، لكن اعتقد أن دورهم كبير جدا في هذه النقطة تبعا لما هو مرسوم.
في العالم العربي اعتقد أن هذا النوع من البرامج ليس من تفكير العالم العربي وهو قادم ضمن الشعار الذي رفعه المعلن وهو "فكر عالميا وتصرف محليا" يعني الفكرة قادمة من الخارج ونحن يمكننا تبعا لبيئتنا ولثقافتنا ونمطنا أن نتصرف ولكن دون أن نخرج عن حدود الأقنية التي وضعوها لنا لأنهابالأخير أفكار وتصورات المعلن، كيف يمكنه أن يستغل بهدف الربح كل القضايا الوطنية والاجتماعية من خلال الاستعراض المباشر، السريع والطريف المهم أن تستهلكوا هذا النوع من البرامج.
يعني محتوى تصور هذه البرامج لم نقم نحن بوضعه أو أي أحد من العالم العربي يمكنه أن يدعي انه هو من قام بوضعه، التصور ليس لنا ولا الغايات والأهداف قادمة من عندنا، هي قادمة بطريقة أننا نقلد ولكن لدينا هامش للتصرف محليا لنبين نوعا ما خصوصيتنا وثقافتنا بالرغم من انه في بعض الأحيان المواضيع المطروحة في تلفزيون الواقع تعتبر صادمة للأشخاص العاديين في مجتمعاتنا لأنهم لم يتعودوا عليها خاصة لو تعلقت المواضيع بالنساء. تكون نوعا ما صادمة ولكن الجمهور بصدد التعود عليها لان كل شيء من حولهم أصبح معولما، ربما الأشياء أصبحت تشبه بعضها أينما كانت نوع من الجدلية بين الخاص والكوني تقوم بعملها ولكن بطريقة ملطفة.
في كتاب الإعلاميات والإعلاميون في التلفزيون في الصفحة 172 تحدثتم عن وسائل الإعلام كيف أنها تعيد إنتاج إيديولوجيا رأس مالية بطريركية لأنها تدار من قبل رؤوس الأموال وتمول من قبلهم، وفي البرنامج الذي اشتغل عليه لاحظت أن المنشط يمارس عنفا على الضيفات الهدف منه هو إعادة الضبط الاجتماعي أو الردع، هل هذه الممارسات التي تصنف كعنف هي ممارسات ممنهجة من قبل المنشط أم أنها عفوية؟
ليست عفوية ولقد توصلت في إحدى الدراسات إلى نتيجة مفادها أن هو معنَّف ليقبل التراتبية الموجودة، لا يكون هو أصلا، هو مطلوب منه طيلة الوقت أن يلتزم بالأشياء المرسومة وأن يبذل قصارى جهده ليتمكن من تحقيق نسب مشاهدة عالية، وهو ما يعتبر تعنيفا له. وليس سهلا، ليس بإمكانه أن يقول لا، وهو مضطر إلى الالتزام حتى ولو كان غير مقتنع. بسبب هذا نلاحظ انه تصدر عنه مواقف يمكن تصنيفها في إطار العنف، عنف على الشخص الذي يتعامل معه، هذا العنف المسلط بالتراتبية، تراتبية منذ وضع مفهوم البرنامجle concept، هناك درجات وطبقات من العنف تعيد إنتاج نفسها وتولد نفسها لتصل إلى الشخص المشارك في البرنامج وفي نفس الوقت تصل فيما بعد إلى المشاهدين.
هل يمكننا أن ننفي في العالم العربي أننا لا نتعرض للعنف ؟ كلنا أشخاص معنفون.
*أُجري الحوار بتاريخ 8نوفمبر 2020