11
بقلم الأستاذ نادر الخماسي محامٍ وباحث في القانون-
في وقت يعمّ فيه القلق من ظهور نسخ متحورة أسرع انتشارا لفيروس كورونا المستجد عبر العالم، تتزايد الجهود الدولية لمكافحة الوباء وذلك من خلال تكثيف عمليات التلقيح، ورغم سعي الحكومات إلى الوصول لمناعة جماعية وتلقيح أكثر ما يمكن من المواطنين إلا أن عدد متلقي التطعيم يبقى دون المستوى المتوقع مما دفع بالكثير من الدول إلى انتهاج آلية إجبارية لتلقي التلقيح.
ففي إيطاليا مثلاً ألزم المرسوم الصادر في 25 ماي الماضي الأطباء والعاملين في القطاع الصحي بالتطعيم ضد "كوفيد-19"، وإلا سيمنعون من مزاولة أي نشاط فيه اتصال مباشر بالمواطنين. وقد طعن نحو 300 موظف إيطالي بالقطاع الصحي في هذا القرار.
أما في المملكة المتحدة، فقد أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستجعل التطعيم الكامل ضد فيروس كورونا إلزاميا على جميع الأشخاص.
وفي روسيا، رغم معارضة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإلزامية التطعيم على المستوى الوطني، فإن عمدة العاصمة موسكو أصدر مرسوما يقضي بالتطعيم الإجباري لجميع الموظفين في قطاع الخدمات.
وعمومًا يتنزل المرسوم الرئاسي عدد1 الصادر في 11 أكتوبر 2021 والمتعلق بجواز التلقيح الخاص بفيروس "سارس-كوف-2 " في نفس الإتجاه، وذلك بجعل تلقي التطعيم ضد كورونا إلزاميا على جميع مواطني الدولة التونسية باستثناء من كان حاملا لمانع صحي يحول دون تلقيه للتلقيح.
هذا وقد جاء في الفصل الأول من المرسوم المذكور آنفا أنه "يسند جواز تلقيح لكل شخص تونسي الجنسية أو مقيم بالبلاد التونسية يبلغ من العمر 18 عاما فما فوق واستكمل التلقيح ضد فيروس "سارس كوف 2 "، كما يمكن إسناد هذا الجواز للأشخاص اللذين لم يبلغوا 18 عاما واستكملوا التلقيح، ويسند أيضاً هذا الجواز إلى الأجانب الوافدين على البلاد التونسية والتونسيين الحاملين لجوازات أو شهادات تلقيح مسلمة بدول أجنبية".
كما يسند جواز خصوصي للأشخاص الذين لديهم مانع طبي ثابت يحول دون تلقي التلقيح."
وعمومًا رغم الهدف الإيجابي لهذا المرسوم والذي يسعى لضمان سلامة المواطنين وحماية صحتهم والوصول إلى مناعة جماعية في ظل ظهور عديد السلالات الجديدة لوباء كورونا، إلا أن هذا المرسوم يحمل في مضمونه إعتداء صارخا على الحقوق والحريات وحرمان من ممارستها، بل أكثر من ذلك فإن الفصول 2, 3 و 6 منه علّقت العمل بعديد المواد الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات والآتي تفصيلها بدقة:
أولا- الحرمان من حق التنقل والسفر:
حيث جاء بالفصل 3 من المرسوم المتعلق بالجواز الخاص بالتلقيح أنه يتعين على كل شخص تونسي الجنسية خاضع لأحكام هذا المرسوم الاستظهار بجواز التلقيح عند مغادرة التراب التونسي من مختلف المراكز الحدودية البرية أو البحرية أو الجوية.
وفي الحقيقة فإن هذا الفصل يعتبر غير دستوري وذلك لتعارضه مع أحكام المادة 24 من الدستور التونسي التي جاء بها أنه "لكل مواطن الحرية في اختيار مقر إقامته وفي التنقل داخل الوطن وله الحق في مغادرته".
ثانياً – الحرمان من الحق في ممارسة الشعائر الدينية:
جاء الفصل 2 من المرسوم المتعلق بالجواز الخاص بالتلقيح أنه يتعين على الأشخاص المشمولين بإلزامية التلقيح، الإستظهار بجواز التلقيح وذلك عند الدخول إلى أماكن العبادة، وفي الحقيقة فإن هذا الإجراء يعد مساسًا بحق دستوري هام وهو الحق في ممارسة الشعائر الدينية وهو حق محمي بالدستور.
ثالثًا- الحرمان من حق الزيارة والإعتداء على حقوق المودعين بالسجون:
جاء الفصل 2 من المرسوم المتعلق بالجواز الخاص بالتلقيح أنه يتعين على الأشخاص المشمولين بإلزامية التلقيح الإستظهار بجواز التلقيح وذلك عند الدخول إلى السجون ومراكز إصلاح الأطفال الجانحين ومراكز الإحتفاظ بغرض الزيارة.
وحيث أنه يحق للسجين الاتصال بأحد أفراد عائلته إذ يرخص القانون المُنظم للسجون لأقارب السجين الموقوف تحفظيًا أو الصادر بشأنه حكم، في زيارته مرة في الأسبوع بمقتضى رخصة زيارة مسلمة من السلطة القضائية ذات النظر، أما بالنسبة للسجين المحكوم عليه بحكم بات فتسلم رخصة الزيارة من قبل الإدراة المكلفة بالسجون والإصلاح.
وحيث جاء الدستور التونسي بالمادة 30 منه ليؤكد أنه "لكل سجين الحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامته"، وفي الحقيقة فإن منع عائلة المساجين الذين لم يتلقوا التلقيح من الزيارة لا يكون إلا ضربًا من ضروب الخرق الواضح للدستور والمساس الصارخ بالحقوق والحريات.
رابعًا- الحرمان من الحق في التعلم:
جاء الفصل 2 من المرسوم المتعلق بالجواز الخاص بالتلقيح أنه يتعين على الأشخاص المشمولين بإلزامية التلقيح الإستظهار بجواز التلقيح وذلك عند الدخول إلى المؤسسات التربوية والجامعية ومؤسسات التكوين المهني والمحاضن ورياض الأطفال والكتاتيب التابعة للقطاعين العمومي والخاص.
وحيث أن الحق في التعليم هو حق دستوري كذلك والمساس به يعتبر خرقا واضحا للدستور واعتداء على الحقوق والحريات.
خامسًا- الحرمان من الحق في الثقافة:
جاء الفصل 2 من المرسوم المتعلق بالجواز الخاص بالتلقيح أنه يتعين على الأشخاص المشمولين بالزامية التلقيح الإستظهار بجواز التلقيح وذلك عند الدخول إلى التظاهرات الفنية والثقافية، وفي ذلك مساس بحق دستوري اخر وهو الحق في الثقافة المكرس بالمادة 42 من الدستور "الحق في الثقافة مضمون".
سادسًا- الحرمان من الحق في الولوج إلى الإدارات العمومية:
جاء الفصل 2 من المرسوم المتعلق بالجواز الخاص بالتلقيح أنه "يتعين على الأشخاص المشمولين بالزامية التلقيح الإستظهار بجواز التلقيح وذلك عند الدخول إلى المصالح والمقرات التابعة للدولة والجماعات المحلية والهيئات والمنشأت والمؤسسات العمومية".
سابعًا- الحرمان من الحق في العمل:
جاء الفصل 6 من المرسوم المتعلق بالجواز الخاص بالتلقيح أنه "يترتب عن عدم الإستظهار بجواز التلقيح تعليق مباشرة العمل بالنسبة إلى أعوان الدولة والجماعات المحلية والهيئات والمنشأت العمومية وتعليق عقد الشغل بالنسبة إلى أجراء القطاع الخاص وذلك إلى حين الإدلاء بالجواز وتكون فترة تعليق مباشرة العمل أو عقد الشغل غير خالصة الأجر ".
وفي الحقيقة فإن هذا الإجراء زيادة على مساسه بالحق في العمل وهو حق دستوري فإنه سيفتح باب النقاش القانوني وسيترتب عنه عديد الإشكاليات التي تتمثل في إمكانية طرد المؤجر للعامل الذي لم يتلقى التلقيح وبقي فترة طويلة دون الإدلاء بالجواز المذكور، حيث أن مصلحة المؤسسة تقتضي أن يكون العامل تحت تصرفها وفي تعليق عقد الشغل إضرار بمصالحها..
وفي المحصلة نستنتج أن هذا المرسوم برمته يتضمن خارقًا صارخًا للدستور وحرمان المواطنين الذين يرفضون تلقي التلقيح وهذا حقهم الشرعي والطبيعي، من حقوقهم وحرياتهم.
ومن الناحية القانونية فإن هذا المرسوم لا يمكن الطعن فيه بأي وجه من الأوجه فلا توجد محكمة دستورية يمكن اللجوء إليها لدفع بعدم دستورية المرسوم المذكور.
هذا بالإضافة إلى أن الأمر الرئاسي المؤرخ في 22 سبتمبر 2021، منع الطعن بتجاوز السلطة أمام المحكمة الإدارية في المراسيم الرئاسية، وبناءً على ذلك هذا الخرق الدستوري، ورغم محدوديته في الزمن إذ جاء بالفصل 10 منه أن جميع هاته التدابير تبقى سارية المفعول لمدة 6 أشهر منذ تاريخ دخولها حيز النفاذ، إلا أنه يبقى حرمان من الحقوق والحريات واعتداء صارخ على الأحكام الدستورية.
*جرافيك هدى الرزقي