فيديو/ لا متحف الحريات الفرديّة…

 يسرى الشيخاوي- 

هنا زنقة الحريات، هنا ممر للعبور إلى  "لا متحف الحريات الفردية"، قد تبدو لك العبارة مبهمة ولكنها سرعانما تبوح بتفسيرها وأنت تجول بين ثنايا مشروع مداده الحرية، مشروع يؤسس لمتحف ولكنّه ليس بالمتحف الذي تعرفه. 

لا متحف الحريات الفردية، متحف بلا حيطان مفعم بالأفكار ومطرّز بالحقوق والحريات، لا برود فيه ولا صمت قاتل ولا مسلّمات ولا احكام مسبقة، متحف متحرّك يتنفّس ويناقش ويأول وينقد دون صناديق وأطر.

هو متحف للحريات التي لا تستوعبها الفضاءات المغلقة، هو فضاء ممتد في الزمان ولا يعترف بالمكان، هو كل الطرقات المؤدّية للحرية والمنازل التي تؤويها والحدائق وكل مواقع المقاومة وخانات الذاكرة وزوايا بعضها للفرح وبعضها للحداد.

"لا متحف الحريات الفردية"، فضاء تتناثر فيه التواريخ التي أرادوا محوها والأحلام التي وأدوها قبل أن تعانق الشمس وكل القصص المنسية التي لن يلقي لها المسؤولون بالا.

وهو تأويل فني وجمالي لما قدمته الجمعية التونسية من دراسات وبحوث وتقارير عن الحقوق والحريات، تأويل عمل عليه مجموعة من المواطنين علماء المتاحف ضمّت فنانين وأكادميين انطلاقا من أرقام ومعطيات عن الحريات الفردية في تونس طيلة السنوات العشرة الماضية.

منذ مارس الماضي، بدأت ملامح اللامتحف تتشكل وتستلهم تفاصيلها من الأجساد والحريات وتحاول الإجابة عن أسئلة لا حصر لها وتستوحي أركانها من الواقع الراهن، ورسم هذه الملامح كل من رضا التليلي، وبشرى التريكي، وآسيا جعايبي، ودرة بن عليّا وتوماس بلّينك.

ومشروع "لا متحف الحريات الفردية"، تنفذه جمعية "الشارع فن" بالتعاون مع الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية وبدعم من "Heinrich-Böll-Stiftung"، وكان افتتاحه العام بفضاء " Bis 32"، من الرابع إلى الباع من أكتوبر الجاري. 

ومنذ أن تطالعك لافتة " زنقة الحريات" عند دخول الفضاء تشرع في تخيل هيئة اللامتحف وطريقة بناء هذا المجال الهلامي لكي لا يصبح هو الآخر سجنا للحريات، وتتبادر إلى ذهنك صور كثيرة وتشدّك مساحة من الفضاء مفروشة بالمرقوم وقبالتها على الحائط معلقة كتبت عليها أسئلة لأطفال كانوا يخوضون نقاشات فلسفية وجودية على طريقتهم.

وحينما تعرّج إلى اليسار، تخترق أنفك رائحة من الماضي محمّلة بالحنين إلى زمن الطفولة ودفء منازل الأجداد، هنا الفضاء بسيط جدا، مفروشات سرقت السنين لونها، وطاولة ترك الزمن أثره على وجهها ومذياع وآنية شراب معدنية.

وغير بعيد، سلة ملأى بأغصان الاكليل وباقتين من الفلفل الأحمر، ذكريات كثيرة تتناثر امامك وأنت تتأمل تفاصيل المكان يعود الزمن أدراجه إلى الوراء وتتساءل "ماللذي تغير حتى تلاشى كل هذا العمق الذي يسرّبه هذا الفضاء؟".

وانت تلاحق إجابة ما، تشدّك صور أربعة نساء على شاشات علقت تحتها سماعات تحملها دون تفكير وتغرق في الاستماع إلى شهادات لمزارعات المنطقة الحدودية بالقصرين عن يومهن وعن تمثلاتهن لحقوقهن، شهادات وثقها المخرج رضا التليلي.

 وعلى بعد خطوات، تتواتر صور لأطفال حملوا جمال تونس في أعينهن التي تؤوي فيها الأمل رغم قتامة الواقع ورغم تسلل اليأس من كل المنافذ وكأنها تحاكي واقع الحريات الفردية في تونس، إذ  تتواصل النضالات من أجل ترسيخها متحدّية العوائق المجتمعية والتشريعية.

وحين تعبر إلى الضفة الأخرى من " Bis 32"، تخوض تجربة فريدة من نوعها تتحدّى فيها الباحثة في علم النفس الاجتماعي درة بن علية معارفك في القانون، وبين الموجود والمنشود تمتلك ان تعبر عن أي حر في "مقصورة التفكير"، رأي خارج خانة "الأفكار المقموعة".

وفي فضاء شاعري يوحي الديكور فيه بأنك صعدت إلى السماء، تناقش الفنانة والناشطة بشرى تريكي قضايا الجندر، وحرية تصرّف الافراد في أجسادهم ضمن ورش عمل للكتابة مع العاملين و العاملات بالجنس.

"الحيط عنده وذنيك" عنوان العرض الذي يقتضي أن تدني أذنيك من الحائط لتستمع إلى شهادات عن الأجساد والرغبات وعن رحلات الشك وعن الثورة والتمرد، تستمع إلى روايات تدغدغ عاطفتك دون ان تعرف هويات أصحابها.

وفي "مكتب الأبحاث الجارية"، تعيش تجربة اخرى مختلفة تقتفي فيها أثر خيوط تربط بين صور كثيرة وتحاول ان تصنع معنى جديد في ظل واقع يحاصر حرياتك وأفكارك، ويرشد صوت آسيا الجعايبي وهي تطرح السؤال وراء السؤال وتساعدك على تفكيك شيفرات الصور والوثائق المعلقة على الحائط.

وفيما تزال الأبحاث جارية عن واقع تتخطى فيها الحريات الفردية الأطر الذي يضعها الدين والمجتمع والمشرع، لم يلق الحقوقيون والفنانون المنديل وحاول كل بطريقته الدفاع عن هذه الحريات وتحريرها من الكليشيهات والمسلّمات. 

في السجون أيضا، يحضر لا متحف الحريات من خلال ورشات عمل مع النزلاء يؤمنها المصور البلجيكي توماس بلّينك  بالشراكة مع رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان واﻹدارة اﻟﻌﺎﻤﺔ ﻟﻠﺴﺠون واﻹﺼﻼح.

وفيما يلي فيديو يوثق جولة في لا متحف الحريات: 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.