قرار “خطير” يذكّر بممارسات نظام بن علي: “شبح الحجب” يلوح من جديد؟! (رأي)

مروى الدريدي-

في سابقة هي الأولى من نوعها منذ الثورة، أقدمت رئاسة الجمهورية على حجب الموقع الالكتروني لمجلس نواب الشعب، المعلقة أنشطته، في ممارسة تذكر بالنظام السابق للرئيس الراحل زين العابدين بن علي، الذي لم يكن يتوانى عن حجب المواقع المعارضة له أو التي تنتقد سياساته أو المصنفة بغير المرغوب فيها من قبل السلطات حينها.
 
وفيما لم تصدر أي جهة رسمية إعلاما بخصوص حجب موقع مجلس نواب الشعب، أو الأسباب التي دفعت إلى ذلك، تبقى أصابع الاتهام موجهة لرئاسة الجمهورية كونها مصدر التعليمات والأوامر الرئاسية التي تتحكّم في البلاد منذ إجراءات 25 جويلية 2021.
 
حجب الموقع الالكتروني للبرلمان (ولو بصفة وقتية)، بما فيه من أرشيف ثري جدّا للمجلس التأسيسي وللبرلمان الحالي، ولئن كان للحيلولة دون انعقاد أي جلسة للنواب المجمدين الذين دعوا لاستئناف العمل البرلماني وعقد جلسات عن بعد، إلا أنه يُعتبر تعديّا على حق المواطن التونسي في النفاذ إلى المواقع الرسمية للدولة وحقه في المعلومة التي يوفرها هذا الموقع.
 
ويضم موقع البرلمان على الانترنيت، أرشيفا ثريا جدّا لـ "المجلس التأسيسي" ولـ"مجلس نواب الشعب"، ويشتمل على ترسانة من التشريعات والقوانين ومشاريع القوانين ومعطيات حكومية دقيقة قدمها وزراء في أجوبتهم على الأسئلة الكتابية لنواب، وتقارير للجان القارة وغير القارة، ولجان التحقيق البرلمانية، وأرشيف للنواب الذين تداولوا على البرلمان، وجميع قرارات مكتب المجلس منذ إقراره وغيرها من المعطيات الرسمية الأخرى..، وبذلك يعدّ حجب الموقع تعدّ صارخ على حق المواطن والصحفي والباحث، والمؤرخ وطالب العلم، في الاطلاع على نشاط الهياكل العمومية وعلى الحق في النفاذ إلى المعلومة، المحمي بالقانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المؤرخ في 24 مارس 2016.
 
وتم إقرار هذا القانون حينها في إطار ضمان حق كل شخص طبيعي أو معنوي في النفاذ إلى المعلومة والوثائق الإدارية من قبل الحكومة التونسية، وذلك بالإطلاع على الوثائق التي تم نشرها بمبادرة من الهياكل العمومية للدولة بمواقع الواب الخاصة بها أو بطلب الاطلاع على الوثائق مهما كان شكلها أو محملها أو تاريخها، باستثناء المعلومة التي تؤدي إلى إلحاق الضرر بالأمن العام أو بالدفاع الوطني أو بالعلاقات الدولية، وهنا لا يمكن اعتبار الموقع الرسمي للبرلمان خطرا على الأمن العام والعلاقات الدولية..
 
ويذكّر حجب الموقع الرسمي للبرلمان، بسياسة الحجب التي اعتمدها النظام السابق، للمواقع المصنفة "غير المرغوب فيها" و"المعادية"، على غرار  المواقع الإخبارية للجزيرة نت، وموقعي التواصل "يوتيوب" و"ديلي موشن"، وموقع "تونس نيوز" الإخباري، ووكالة "دي بي أي" الألمانية للأنباء، والموقع الرسمي لحركة النهضة المحظورة حينها، والمواقع الجنسية والاباحية.
  
وبالعودة لتقرير الحرية على الانترنت في تونس الصادر في 2011 من قبل فريدم هاوس، فإن الحكومة التونسية إستخدمت ثلاث طرق كجزء من استراتيجيتها الهادفة إلى التحكم بالانترنت، وهي "الفلترة التقنية" و"إزالة وحذف المواد المنشورة" و"محاولة التأثير" و"احتكار الرأي العام على الانترنت"، وهي ممارسات عادت مع الرئيس قيس سعيد بعد حجب الموقع الرسمي للبرمان، وغلق الحسابات الشخصية للنواب المجمدين على منظومة التواصل والاجتماعات عن بعد في منصة "ميكروسوفت تيمز"، وهو أمر خطير جدا يعيد للذاكرة سياسة بن علي في التعامل مع معارضيه من خلال التضييق عليهم حتى لو كان ذلك بخرق المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها تونس.
 
وفي هذا الشأن يجدر التذكير بأن "لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بصفتها جهة مراقبة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، قامت بإصدار التوصية رقم 34، التي تنص على أن" المادة 19"، من هذا العهد "تحمي كل أشكال التعبير وأساليبها وطرقها ومن ضمنها أساليب التعبير الإلكترونية وتلك التي تعتمد على الإنترنت".
 
لذلك فإن حماية حرية التعبير ينطبق على الإنترنت بنفس المنطق الذي ينطبق فيه مبدأ الحماية على أشكال التعبير بالطرق الأخرى، وهو ما لم تحترمه السلطات في تونس بغلق الحسابات الشخصية للنواب على منظومة التواصل والاجتماعات عن بعد "ميكروسوفت تيمز"، ومصادرة حقهم في التعبير.
 
وكانت تونس قد وقعت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في شهر مارس من عام 1969، وهي ملزمة قانونيا باحترامه على غرار بقية دول العالم، وضمان حق التعبير كما هو منصوص عليه في "المادة 19" من هذا الميثاق.
 
و"في نفس الوقت تشترط التوصية العامة رقم 34 من الموقعين على العهد الدولي الخاص بالحرية المدنية والسياسية بالأخذ بعين الإعتبار مدى التقدم الذي تم الوصول إليه في مجال نشر المعلومات إلكترونيا عن طريق الإنترنت والهواتف المحمولة، لأن هذا التطور أدى إلى تغيّر جذري في الممارسات العالمية المتعلقة بالتواصل وتبادل المعلومات الكترونيا".
 
عموما فإن "المعركة السياسية" بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس البرلمان المعلقة أشغاله راشد الغنوشي والنواب المجمدين الرافضين لاجراءات 25 جويلية و22 أوت 2021، لا يجب أن تكون ذريعة للعودة لسياسات نظام بن علي في التعدي على حرية الانترنيت وحرية التعبير على المنصات الالكترونية، التي تعتبر من أهم أشكال تعبيرات هذا العصر، ودون الخوض في السجال الدائر بشأن الشرعية لمن، تبقى حرية التعبير وحق النفاذ للمعلومة مكاسب لا يمكن بأي شكل من الأشكال التفريط فيهما.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.