أحمد وسيم العيفة
لقد سئم الشعب من تكرار مساوئ الحصيلة الحكومية، لقد عجزت الحكومات المتعاقبة عن تحسين واقع الناس الاجتماعي والاقتصادي. كان ذلك منذ السنوات التي تلت الثورة التونسية، بحيث أن الفشل غير مرتبط بالأزمة الصحية الحالية بل له أسباب عميقة وهيكلية.
الأزمة السياسية هي التي عمقت التدهور الاقتصادي والاجتماعي، هذه الأزمة تعمقت بمسائل متكررة لم تتعظ منها الطبقة السياسية، التناحر على الصلاحيات وغياب المحكمة الدستورية هما أمران تم تداولهما منذ سنوات وقد مثلا بصفة مستمرة أسباب تدهور دواليب الدولة.
بلغت الأزمة السياسية مداها الأقصى وبلغ الصراع بين رأسي السلطة التنفيذية أشده ، فشلت محاولات الوساطة في إيجاد حلول سياسية وحتى دعوات الحوار لم يتم الاستجابة لها . إن الحوار لا يمكنه أن يتحقق طالما هنالك صراع بين الفرقاء السياسيين وتقوقع كل طرف في مربعه الاديولوجي وتوجهه السياسي. لقد فشلت الطبقة السياسية في الاتفاق على حكومة يولى لها تسيير الدولة لمدة معينة ، فاليوم لا نتحدث عن فشل الطبقة السياسية في القيام بإصلاحات، بل نتحدث عن فشلها في ضمان الاستقرار السياسي لحكومة. الحكومة التي بدورها فشلت في إدارة الأزمة الصحية ووضعت البلاد في محرقة فيها الكثير من الأموات إثر فشلها في توفير التلاقيح للناس.
أمام هذه الحالة التونسية الوهنة والغير مسبوقة منذ عقود ، هناك في الشارع التونسي نشتم روائح الموت الجسدي والموت المعنوي ، ناهيك عن ضياع العقول وهي تتابع هذا الصراع السياسي الذي يحبس الأنفاس.
فالطبقة الحاكمة لم تحمل الوطن نحو طريق الإفلاس فحسب بل لم تحمى أرواح الناس ولم تتمكن من رسم مستقبل لشعب مقهور منذ زمان…
ولئن ظلت الدولة معطلة وسط تصارع حول الصلاحيات ، فإن الشعب يموت اليوم تحت أنقاض أزمة صحية تعبث به في غياب دور الدولة.
وتتواصل الأيام في ظل فشل الدولة عن الإتيان بالتلاقيح، هذا الدور الحكومي والذي يجب أن يضع ذلك قبل كل أولوية أخرى شابه التناقضات والأكاذيب وضبابية المعلومة الصحيحة ومن البديهي أن التونسي أصبح لا يؤمن بسردية الدولة ولا يقتنع بهيبتها، هذه الهيبة التي افقدها الحكام لها بانحرافاتهم وزلاتهم وانهيار سلوكاتهم فلذلك يعجز اليوم أي مسؤول التجول بسلام في شوارع البلاد ، فإن فقد هؤلاء شعبيتهم وسط الناس فإن شرعيتهم آيلة لزوال طالما تركوا الوطن للافلاس والشعب يصارع الموت وحيدا وأعزل، فدولته لم تمنحه السلاح في مواجهة الوباء وهو اللقاح.
إن المسألة اليوم هي مسألة أمن قومي ، حيث أنه كان من الضروري أن يكون انعقاد مجلس الأمن القومي مفتوحا لإيجاد حل جذري للأزمة الصحية الراهنة خصوصا وأنها هي الراعية للديبلوماسية فتقوم بجلب اللقاحات ورئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة والذي يمكنه دعم انخراط الجيش في عمليات اللوجيستيك حتى تتعاضد الطاقات ويتم تعميم التلقيح على الناس في أقصى وقت ممكن.
إن هذه اللحظة تاريخية جدا وحاسمة جدا في تاريخ تونس وإن لم يتنازل مسؤولي الدولة عن حساباتهم الشخصية فإن "اللطخة" قادمة لا محالة خصوصا وإن لم نتجاوز الأزمة الصحية فإن الاقتصاد سيكون له تداعيات خطيرة في قادم الأشهر.