فيلم “بسكلات” لهيفل بن يوسف.. عن العنف الذي لا يريدون الاعتراف به

 يسرى الشيخاوي- 

"بسكلات" فيلم روائي قصير للمخرج هيفل بن يوسف، يضع أصابع على مكامن الداء في جسد المجتمعات الذكورية التي ما تنفك تمارس الوصاية على جسد المرأة وتتفنن في خلق أشكال أخرى للعنف.

بصرف النظر عن العنف الفاضح والصريح سواء كان لفظيا أو ماديا، تمعن العقلية الذكورية في تعنيف المرأة بأساليب موشّحة بتمظهرات حمايتها من الآخر ولكنها في الواقع تقمعها وتحد من حريتها ومن فرص بناء شخصيتها.

وانطلاقا من قصة فتاة تحصّلت على شهادة ختم التعليم الأساسي بتفوق فوجدت نفسها وجها لوجه مع وعد معلّق من والدها الذي يدين بالعقلية الذكورية ويكيّف كل المواقف والأفعال وفقها، نسجت سارة بن علي ملامح سيناريو يصوّر العنف المسلط ضد النساء دون أيّة مظاهر للعنف.

وإن كان السيناريو بسيطا وغير معقّد إلا أنه يلامس قضايا متشابكة ومتشعبة ويسائل واقع العقلية السلطوية التي لا ترضى بغير رضوخ المرأة وخنوعها كما يعيد إنتاج العنف الذي ترزح تحت عبئة المرأة عموما والمراهقات على وجه الخصوص دون مباشرتية.

برؤية اخراجية تنهل هي الأخرى من البساطة، صوّر المخرج هيفل بن يوسف معاناة المرأة داخل السجن المفتوح الملغوم بالوصايا واللاءات التي تكاد تخنق أنفاسها وتشلّها عن الحركة.

وباستناء بعض المشاهد بما فيها مشهد النهاية الذي تعانق فيه السماء البحر في فضاء خارجي مفتوح في إحالة إلى تحرر المرأة، اتسم فضاء التصوير بالانغلاق وهو اختيار غير اعتباطي على اعتبار أن العقلية الذكورية تأسر المرأة في فضاء يرشح عقدا وأمراضا مجتمعية.

وبأداء سلسل يخلو من التكلّف والتصنع تمكن الممثلون كمال التواتي وليلى الشابي ودينا الزواري وياسمين عزيز من نقل صور تحاكي الواقع وتجسّد الصور النمطية التي ترسخت في الأذهان دون تطبيع معها.

على وقع دموع فتاة (دينا الزواري) كانت تبتسم لتوها فرحا بالنجاح تتجلى العقلية الذكورية وتمدّ يدها لتخنق أحلامها حينما قوّض والدها(كمال التواتي) وعده لها بشراء دراجة هوائية حينما تنجح بتفوق لاعتقاد واه بأنها قد تهز من عرش أبويته.

وكثيرة هي تمظهرات العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي في الفيلم منها رفض الأب أن تلتحق إبنته بالمعهد النموذجي في حين أنه سمح لابنه بذلك، ولعل عمق الفيلم يكمن في كونه لم يغفل استبطان المرأة نفسها لهذا العنف.

على عكس شقيق الفتاة(حسام بوراوي) الذي يدافع عن اختياراتها ويحاول أن يكون لها سندا في البحث عن حريته وفي تحقيق ما تريد مادامت مقتنعة بذلك، تبدو مواقف الأم(ليلى الشابي) سلبية رغم تحصيلها العلمي فهي مدرسة في الإعداد ولكنها محملة بتلك الوصايا التي تجعلها تهمس لابنتها بأن تضم ركبتيها حينما تجلس.

عنف رمزي يتسم بالنعومة يمارسه الرجل على المرأة وتمارسه المرأة على المرأة وتمارسه المرأة على نفسها دون أن تعي بخطورته، هو عنف غير ظاهر ينبه إليه الكثيرون ولكن ما يمارسونه لا يريدون الاعتراف به ويجعلون منه وسيلة لإرضاء ذكوريتهم تحت أغطية مختلفة.

وكما تنطوي عملية تعلم امتطاء الدراجة الهوائية على بعض الهزات والصعوبات وقد تترك أثرها على الجسد جروحا فإن معانقة الحرية والتحرر من السلطة الذكورية هو الآخر يترك آثاره ويستدر جهدا وعناء.

ومن محاكاة لعقلية طاغية تربط الحرية بالغرب يستلهم الفيلم نهايته لتحقق الفتاة حلمها دون ان تنتظر موافقة والدها وبدعم من عمتها عازفة الكمنجة (ياسمين عزيز) التي أمضت عمرا في الولايات المتحدة الامريكية، وهذه المحاكاة قد تبدو مستفزة للبعض على اعتبار أن الحرية حاجة إنسانية غير مرتبطة بأزمنة ولا أمكنة.

و"بسكلات" من إنتاج مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان بناء على توصيات الدراسة النوعية حول"العنف المسلّط على المراهقات والاستجابة لحاجياتهن من حيث الخدمات".

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.