قصة “مبلغة عن الفساد” طردتها “السيربت” وأهملت قضيتها هيئة مكافحة الفساد

  أمل الصامت –

الاسم: هناء عياد، السن: 33 سنة، الشهادة العلمية: الماجيستير المهني في الجودة والصحة وسلامة المحيط، "تعرضت للطرد التعسفي من شركة البحث عن النفط واستغلاله بالبلاد التونسية (سيربت) بسبب التبليغ عن ملفات فساد صلب الشركة".. هكذا قدمت هناء نفسها باختصار حتى تنقل ما عاشته من "هرسلة وظلم" على أيدي مسؤولين في "السيريبت" وتكون كبش فداء لاخطاء ارتكبها آخرون، وفق تعبيرها.

انطلقت هناء في العمل في شركة سيريبت بصفاقس سنة 2011، إبان الثورة مباشرة، بعد نجاحها في اجتياز مناظرة في الغرض، ولاحظت منذ أيام عملها الاولى العديد من الاخلالات على مستوى السلامة المعلوماتية في منظومة الاعلامية بالشركة إذ يملك جميع العاملين بالشركة نفس كلمة السر للدخول إلى حساباتهم البريدية الالكترونية، ويكفي فقط معرفة الاسم لاختراق أي حساب تريده، حسب قولها.

ولعل هناء ضحية حماسها في العمل وتوقها إلى تحسين أداء الشركة في "بلد أصبحت الأخلاق فيها لعنة"، إذ كانت محل استنكار ووعيد كلما تطرقت لمسألة الاخلالات التقنية في منظومة الاعلامية بالشركة، فقد تناهى موضوع اعتزام طردها إلى مسمعها مئات المرات.

بألم وأمل في آن، تحدثت الشابة هناء عياد لحقائق أون لاين، عن أطوار الاعداد لعملية طردها من شركة "السيريبت" بصفاقس، والتي استغرقت سنة كاملة قبل تاريخ اتخاذ القرار النهائي.

ففي 3 سبتمبر 2019 مثلت هناء أمام مجلس التأديب بتهمة "اختراق الحسابات البريدية الألكترونية لمديري الشركة خارج القانون، والاطلاع على رسائلهم والافشاء بها أمام الجميع"، إلا أن المجلس المذكور لم يتخذ أية إجراءات تذكر في ذلك الوقت رغم خطورة التهم الموجهة إليها، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات خاصة حول حقيقة الاتهامات ومدى قوة الحجج المقدمة في الغرض، والحال أن المنظومة الاعلامية كما سبق ذكره مخترقة بطبعها، والأجدى محاسبة المسؤول عليها في المقام الأول، وفق محدثتنا.

تدقيق داخلي وآخر خارجي، وخبير عدلي، وسطو على مكتبها خلال عطلة نهاية الاسبوع دون حضورها، والتعامل مع شركة تدقيق غير مدرجة في سجل شركات التدقيق القانونية، وملف صادر عن مجلس التأديب الاول لا تعرف ماذا حُبر فيه.. كل هذه حيثيات تحوم حولها نقاط استفهام كبيرة تلف بقرار الطرد النهائي الصادر ضد محدثتنا بتاريخ 12 سبتمبر 2020، حسب تقديرها.

قرار طرد سبقه مجلس تأديبي ثان قبل أسبوع، وتحديدا يوم 3 سبتمبر 2019، بنفس التهمة الموجهة لها قبل سنة ولم يحسم فيها بأي عقاب يذكر.. تتحدث هناء بصوت أرهقته الإجابات الغائبة عن كل تفاصيل قرار استبعادها من وظيفتها التي كانت أملها وأمل عائلتها خاصة وأنها استحقتها بعد اجتياز المناظرة بطريقة نزيهة لا تشوبها أي محسوبية أو محاباة مثلما كان الأمر في عهد النظام السابق، وهاهي اليوم تصطدم بممارسات أخطر.

وإن عدنا إلى القطرة التي أفاضت الكأس لدى من سعى جاهدا وراء طرد هناء، وهو مسؤول نقابي في الشركة، نجد أن رياضة "البيتونك" (Pétanque) هي السبب، تقول هناء ذلك وقد غلبت القهقهات كلماتها، لتوضح فيما بعد أن تسرب رسائل إلكترونية للعاملين بالشركة باسم المسؤول المذكور والمدعو "ن.ج" طلب فيها من مسؤول الشركة بفرنسا إرسال عدد 3 كرات حديدية بأحجام مختلفة لفائدة صديق له مولع برياضة "البيتونك"، وهو ما اعتبر شبهة فساد وإهدار للمال العام.

وعند تسرب هذه الرسائل في أكتوبر 2019، وجه المعني بالأمر أصابع الاتهام الأولى لمحدثتنا دون حجج ملموسة تذكر وانطلق منذ ذلك الوقت في هرسلتها وتهديدها وتلفيق التهم إليها، حسب تأكيدها.

وما زاد الأمور استغرابا وتعقيدا في ذهن هناء، هو ما أسمته "الصمت غير المبرر" للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والتي راسلتها بتاريخ 9 سبتمبر 2020، أي قبيل صدور قرار طردها بيومين، للابلاغ عن معاينتها لشبهات فساد مالي وإداري في تسيير الشركة من بينها الخلل في منظومة الاعلامية وترقيات مشبوهة وسوء التصرف في المال العام، وطالبت ضمها لمنظومة الحماية عن المبلغين عن الفساد دون الكشف عن هويتها.

ولئن تفاعلت الهيئة فعلا مع التبليغ عن شبهات الفساد في البداية، إذ راسلت المدير العام للشركة بتاريخ 9 أكتوبر 2020، إلا أنها لم تتلق أي رد جديد حول ضمها لمنظومة حماية المبلغين عن الفساد، إلى اليوم وحتى بعد طردها دون احترام الاجراءات التي تنص عليها الاتفاقية القطاعية.

ولم تجابه هناء صمت الهيئة بالصمت من جانبها وكررت الاتصال بهم ذهابا وغيابا بين ولاية صفاقس والعاصمة مرات تكاد لا تحصى ولا تعدّ، وكان آخر اتصال لها بالهيئة يوم 18 فيفري 2021، إذ طالبت بلقاء رئيس الهيئة إلا أنه إلى اليوم، مرة أخرى، لا رد يذكر، وهو ما يجعلها تتساءل عن سبب تراخي الهيئة في معالجة ملفها رغم أنها أبدت اهتماما كبيرا في البداية بالموضوع.

ولئن رفعت هناء قضية ضد قرار الطرد التعسفي المتخذ ضدها، وراسلت وزيرة الصناعة بتاريخ 4 جانفي 2021، للتظلم ضد القرار المذكور، وتوجهت لنواب شعب عن جهة صفاقس في الغرض، إلا أنها تطمح لإنصافها عن طريق الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، باعتبارها هيئة مستقلة جاءت لتنصف المبلغين عن الفساد في تونس الثورة والحريات ومحاربة الفساد، وتتمنى أن لا يخيب مسعاها حتى لا تفقد إيمانها بكل المسار الذي شهدته البلاد بعد 14 جانفي 2011.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.